الأنبا موسى
إن المشاركة الوطنية، والتفاعل الاجتماعى، وروح الحب والخدمة، وروح البذل والعطاء، أمور أساسية وجوهرية فى الفكر المسيحى «من سألك فأعطه». وحينما أراد الكتاب المقدس أن يعبر لنا عن دور المسيحى فى خدمة المجتمع، قدم لنا تشبيهات عديدة نذكر منها:
 
1- الملح: الذى يحفظ من الفساد... «أنتم ملح الأرض» (متى 13:5).
 
2- النور: الذى ينشر الفضيلة والإيمان الحى... «أنتم نور العالم» (متى 14:5).
 
3- السفير: الذى يصالح الناس مع الله.. «نسعى كسفراء عن المسيح» (1 كورنثوس 20:5).
 
4- الخميرة: التى تعطى الحياة لموات العالم... «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (متى 33:13).
 
5- الرائحة الزكية: التى تنشر أريجها فى كل مكان... «أنتم رائحة المسيح الزكية» (2 كورنثوس 15:2).
 
6- الرسالة: المعروفة والمقروءة من جميع الناس... «أنتم رسالتنا... معروفة ومقروءة من جميع الناس» (2 كورنثوس 2:3).
 
ومن هذه التشبيهات ندرك دورنا فى خدمة المجتمع، كشهود أمناء لروح الله العامل فينا. ولذلك أوصانا الرب ألا نترك العالم، بل أن نتحفظ من الشر:
 
1- فالمؤمن يحيا فى العالم، ولا ينعزل عنه. 2- والمؤمن له طبيعة مختلفة عن أهل العالم.
 
3- والمؤمن له رسالة حب، يجب أن يقوم بها تجاه كل البشر فى كل مكان وزمان.
 
أولًا: بعض المبادئ الهامة للسلوك وسط المجتمع:
1- المرونة القوية: التى تجعل الإنسان قادرًا على الاختلاط والتعامل والإسهام فى نشاطات الحياة اليومية، دون انغماس فى الخطأ، وهى غير المرونة الضعيفة التى تشبه السمكة الميتة التى لا تستطيع أن تسير ضد التيار، بل هى دائمًا مع التيار (بغير إرادتها)، إلى أن يقذفها التيار إلى الشاطئ. لذلك ليكن لنا ضمير حى وحساس، يرفض الخطيئة ويتمسك بالبر.
 
2- عدم التقوقع على بعضنا البعض: إذ علينا أن نحذر من التقوقع، وأن نتعامل كمواطنين فى حب، وروح اجتماعية حسنة، وتواصل فى الأعياد والمناسبات والظروف المختلفة كالمرض والوفاة... إلخ.
 
3- المحبة السخية: التى نستمدها من الله الساكن فينا، حبًا يعطى ولا ينتظر العوض، ويدخل قلوب الآخرين، فيخلق منهم أصدقاء ومحبين. لذلك فلا بد أن تكون المحبة لا بالكلام بل بالعمل.
 
4- المحبة الباذلة: التى تحتمل كل شىء دون أن تتخلى عن حبها، إلى أن تجعل من العدو صديقًا، ومن الألم مجدًا، ومن الموت قيامة.
 
5- عدم الانتقام وبالحرىّ روح المسامحة: فالرب علمنا أن:
 
- «غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب 20:1)،
 
- «لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير» (رومية 21:12)،
 
- «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب: لى النقمة أنا أجازى يقول الرب» (رومية 19:12).
 
6- دخول قلوب الآخرين بالمحبة الصادقة: فالمحبة تدخل حتى إلى عمق قلب الآخر، «المحبة لا تسقط أبداً» (1 كورنثوس 8:13)، وحتى إذا رفض الآخر قبولى، فلأحتفظ بمحبتى. فالمحبة دائمًا تبنى، والكراهية دائمًا تدمر.
 
7- الإسهام الوطنى: فالمسيحية الحقيقية لا ترضى بعدم الانتماء، وتنادى بالمواطنة الصالحة، والإسهام فى بناء الوطن.. إن علينا جميعًا دورًا فى بناء مصرنا العزيزة، وفى حفظ وحدتها، فلا مجال للتخاذل أو عدم الانتماء.. فهذه سلبيات ترفضها المسيحية، كما ترفض الطائفية المريضة المتعصبة.
 
ثانيًا: الآباء الأوائل والأخلاق الواجبة فى المؤمنين:
هكذا عاش آباؤنا متفاعلين مع المجتمع، مستوعبين عصرهم، مساهمين فى كل ما يبنى، ناشرين المحبة والخير، عازفين عن كل خطيئة وشر، وكل كراهية وحقد، ممتحنين كل شىء، ومتمسكين بالحسن.
 
أ- فالمسيحيون لا يتميزون عن غيرهم بوطن، أو لغة، أو ملابس، أو عادات يحفظونها، فهم لا يسكنون مدنًا خاصة بهم، ولا يستخدمون لهجة خاصة فى الكلام، ولا يحيون حياة تتسم بأى ميزة مختلفة فحسب، ولكنهم يتبعون العادات العامة الصحيحة من جهة: الملبس والطعام، وباقى سلوكياتهم اليومية.
 
ب- وهم كمواطنين يشاركون الآخرين فى كل شىء.. فى تكوين أسرات وأصدقاء متفاعلة مع المجتمع.
 
هم فى الجسد، ولكنهم لا يعيشون حسب الجسد، ولكن حسب الروح لحساب الحياة الأبدية، ويطيعون القوانين السائدة، عملاً بقول القديس بولس: «من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة» أى أنه ينادى بحياة الخضوع لكل من هو فى منصب، وخضوع مطلق للقوانين.
 
ثالثًا:علاقة المؤمن بالعالم:
- المسيحيون منتشرون فى كل مدن العالم، فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية لها أبناء فى كل العالم، وهى دائمًا تقوم بخدمتهم فى أماكن اغترابهم لتربطهم بكنيستهم الأم ووطنهم الأم. فهم يسكنون فى العالم، ولكن العالم لا يسكن فيهم، لذلك فهم متطلعون دائمًا إلى السماء.
 
إن التفاعل مع المجتمع، والمشاركة فى بناء الوطن، ونشر الحب والخير فيما حولنا، وفيمن حولنا، واجب دينى وإنسانى بالدرجة الأولى، وعلينا أن نحيا كذلك فى حياتنا اليومية، ونحب الجميع من قلب طاهر وبشدة، ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.