صلاح الغزالي حرب
أولًا.. الفنان القدوة:
أقصد تحديدًا الفنان القدير محمد صبحى، الذى شرفنى منذ أسابيع بدعوتى لمشاهدة مسرحيته الأخيرة (عيلة اتعمل لها بلوك) فى مسرحه الخاص بمدينة سنبل بطريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوى.. وكالعادة فقد استمتعنا معه ومع زملائه وتلاميذه من الفنانين المتميزين فى التمثيل وإلقاء الشعر والغناء بسهرة جميلة جمعت بين الكوميديا والغناء والاستعراض مع زاد ثقافى وتاريخى دسم نتتبع معه مسار حياة أسرة مصرية عبر أزمنة مختلفة من تاريخ مصر الجديدة بدءًا من ثورة 1919 مرورًا بثورة 23 يوليو وحتى وقتنا الراهن، وقد كانت بالفعل سهرة جميلة وبديعة اختلطت فيها الضحكة مع المعلومة مع العظة والاعتبار بعيدًا عن الابتذال والضحالة، فى محاولة من الفنان الكبير لإعادة الاحترام للمسرح المصرى صاحب التاريخ العريق، بعد أن تسربت إليه منذ الثمانينيات والتسعينيات كوميديا الفارس عندما سيطر القطاع الخاص التجارى على المسرح، وسعى المنتجون وراء المكسب السريع على حساب الفن الهادف.. وقد تخرج الفنان محمد صبحى فى المعهد العالى للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج بتقدير امتياز عام 1970، وأسس فى عام 1980 فرقة (استوديو 80) مع صديقه الراحل العظيم لينين الرملى، ونجحا فى تقديم مجموعة من أنجح مسرحيات تلك الفترة، كما أسهم صبحى من خلال شاشة التليفزيون فى نشر الكوميديا الهادفة من خلال مسلسلات (رحلة المليون) بجزءيه و(عائلة سنبل) و(يوميات ونيس) بأجزائها المختلفة وغيرها الكثير.. وعلى الجانب الآخر، فقد أسهم محمد صبحى فى الحملة الى قادها الرئيس السيسى للقضاء على فضيحة العشوائيات، وقال صبحى عنها إن الجهل هو الآفة الكبرى التى يعانى منها الوطن وإن بناء الإنسان يتطلب التنسيق بين الإعلام والفن والثقافة والأسرة لتربية النفس على القيم والعادات الصحيحة، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير الحياة الكريمة لكل مواطن..
تحية إعزاز وتقدير للفنان المتميز، الذى أتحدث عنه اليوم كى يكون قدوة للشباب، وخاصة مَن يسلك منهم طريق الفن، والذى تلوث فى السنوات الأخيرة ببعض الحشرات السامة، التى سيلفظها المجتمع قريبًا، وأتمنى أن تستفيد الدولة من هذا الفنان الكبير وأمثاله من أجل إصلاح مسيرة الفن المصرى، صاحب التاريخ والريادة فى المنطقة العربية.
ثانيًا.. مَن المسؤول عن علاج الطبيب فى مصر؟
سبق أن تحدثت أكثر من مرة عن المصاعب التى يواجهها المواطن فى مصر عند إصابته بالمرض وكيفية التعامل معها، وذكرت أن هذا المواطن يكون كمَن دخل نفقًا لا يعرف متى وكيف يخرج منه.. وفى الحقيقة فإن حبل الإنقاذ الوحيد قد تمثل فى المبادرات الرئاسية المتتالية فى مجال الصحة، والتى أسهمت فى إنقاذ الكثير من المرضى، وهو أمر عظيم، ويستحق التحية، ولكنه لا يكفى إطلاقًا بغير سياسة صحية واضحة المعالم، يشارك فيها المتخصصون، وينفذها الوزير وزملاؤه، وهو ما نأمل أن نراه قريبًا.. واليوم، أتحدث عن موقف الطبيب نفسه إذا ما أُصيب بالمرض، فمَن يرعاه صحيًّا ومَن يتحمل تكلفة العلاج؟. وفى البداية نتذكر ما جاء فى المادة 18 من الدستور: (لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الدولة)، وأيضًا: (تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى)، ثم نلقى نظرة على الوضع المالى للأطباء، ففى بداية التعيين فى الحكومة وصل الراتب مؤخرًا إلى 3120 جنيهًا، ويظل 8 سنوات على الدرجة نفسها، حتى يُرقى إلى الدرجة الثانية ويتقاضى 3600 جنيه، وبعد 6 سنوات يُرقى إلى الدرجة الأولى ويتقاضى 4300 جنيه، ولا يتعدى معاشه الحكومى 2300 جنيه ومعاشه النقابى ألف جنيه!، فى حين أن هناك جهات كثيرة فى الدولة يتمتع العاملون فيها بنظم أفضل للمعاشات نتيجة إقرار الدولة لنظم صناديق خاصة، توفر لهم معاشات إضافية، وقد تقدمت نقابة الأطباء بطلب المساواة معهم، كما طالبت بزيادة مصادر تمويل صندوق المخاطر حتى يمكن صرف معاش تكميلى لجميع الأعضاء وكذلك صرف الحوافز طبقًا لأساس المرتب الحالى.. فإلى مَن يلجأ الطبيب المريض بهذا الوضع المالى؟.
الملجأ الأول هو مشروع علاج الأطباء باتحاد المهن الطبية، والذى نشأ فى عام 1987 بهدف إقامة مظلة علاجية لأعضاء الاتحاد وأسرهم بأسعار متميزة، ويشمل الأطباء البشريين والصيادلة وأطباء الأسنان والبيطريين، وقد تم إعفاء أسر شهداء كورونا من سداد قيمة الاشتراك.. وتم التعاقد مع الأطباء المتخصصين والاستشاريين والأساتذة واختيار المراكز الطبية المختلفة فى كافة التخصصات، ولا يزال المشروع يقدم خدماته للأعضاء فى كل المحافظات بكل كفاءة، ولكن يبقى السؤال الأهم.. وماذا عن تكلفة العلاج، التى زادت فى الفترة الأخيرة زيادة كبيرة نتيجة الأزمة الاقتصادية التى ضربت العالم، وخاصة أدوية الأمراض الخبيثة، والتى لا يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها فى ظل المرتبات المتدنية للغالبية العظمى من الأطباء؟، وبالتأكيد فإن ذلك هو من أهم أسباب زيادة هجرة الأطباء، والتى تمثل تهديدًا حقيقيًّا للأمن القومى، (صرح د. أحمد على، عضو مجلس نقابة الأطباء، بأن هناك 4261 طبيبًا قد أنهوا خدمتهم بالعمل فى المستشفيات الحكومية)، ومن هنا أطالب بوضع هذا البند المتعلق بصحة الأطباء وعلاجهم أمام اللجنة المشكلة من رئيس الوزراء، مع دراسة فكرة التأمين الصحى على الأطباء بالاشتراك مع شركات التأمين بشروط ميسرة وكذا مسؤولية المستشفيات الحكومية والخاصة عن علاج أطبائها.. ويبقى بعد ذلك موقف أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب فى كل الجامعات المصرية، وسوف أركز اليوم على الوضع المُهين وغير المقبول بجامعة القاهرة فى الفترة الأخيرة، فهذه الجامعة، وهى الأكبر والأقدم بين الجامعات المماثلة، تعانى فقر الموارد للصرف على أبنائها من أعضاء هيئة التدريس، الذين يبلغ عددهم حوالى 20 ألفًا، فهى تعتمد على صندوق خاص للرعاية الطبية، حيث تتكفل الجامعة بمصاريف علاج بنسبة معقولة من التكلفة، وللأسف الشديد فقد امتنعت الصيدليات المتفق معها عن صرف الأدوية بحجة عدم صرف مستحقاتها من الجامعة، وبمناقشة أ. د. محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة، أخبرنى أن الجهة الرسمية المنوط بها الاتفاق مع هذه الصيدليات سوف تتفق مع مجموعة أخرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن، مما أثار غضب كل أعضاء هيئات التدريس، وأنا هنا لا ألوم د. الخشت، وهو أستاذ جامعى متفهم لهذا الغضب، ولكنى أبحث عن السيد وزير التعليم العالى، الذى يمثل الحكومة، وهو أيضًا أستاذ جامعى بـ«هندسة عين شمس»، وأطالبه بالتدخل الفورى لتمكين أعضاء هيئات التدريس بالجامعة من الحصول على حقهم المشروع فى العلاج، وهم الذين يُخصم من مرتباتهم شهريًّا لصندوق العلاج، وبعضهم يعانون أمراضًا خطيرة لا تحتمل الانتظار، ومن ناحية أخرى فإن توفير الإحساس بالأمان النفسى والاجتماعى والصحى للطبيب المعالج هو مفتاح النجاح فى حل مشكلة نقص الأطباء، التى أضحت تهدد الأمن القومى، ففاقد الشىء لا يعطيه.. كما أطالب بالنظر فى تخصيص مستشفى خاص فى كل محافظة لعلاج الأطباء وأعضاء الهيئات الطبية من أجل استكمال منظومة الأمان الصحى لكل أعضاء المهن الطبية.
ويبقى فى النهاية سؤالان مهمان ينتظران الإجابة من السيد وزير التعليم العالى.. ما سر التدهور الملحوظ مؤخرًا فى خدمات قصر العينى الفرنساوى، الذى كان من المفترض أن يكون هو الملاذ لأعضاء هيئة التدريس المرضى؟، وما حقيقة ما يُشاع عن النية فى بيع هذا الصرح الوطنى العظيم؟، والسؤال الثانى: ما السر وراء وجود قائم بأعمال العميد بـ«طب القاهرة» وقائم بأعمال رئيس جامعة القاهرة، لمدة تجاوزت العامين، وهل هذا يليق بجامعة القاهرة؟!، ونحن جميعًا فى انتظار الإجابة.
نقلا عن المصرى اليوم