بقلم : أشرف ونيس
تأخذنا المفاجأة و يعترينا الانبهار و قد يتخللنا بعض من أطياف الدهشة أو ربما الحيرة المرتبكة كما الارتباك السابح فى بحر من الحيرة المتسائلة فعلا و قولا ، حين التطلع إلى أمرين بل حقيقتين أو قل واقعين ، أحدهما منزو بأقصى الشمال بينما يكمن الاخر فى زاوية ما أبعدها و اسحقها تدعى اليمين ، فكانت الارادة وقت فعلها المريد ، و كان التواكل وقت تقاعسه و تخاذله و ارتداده إلى قلعة الركود و حصن الكمون و السكون ! أين أنا من بينهما ؟ و ما فيهما ينطبق شكلا و موضوعا أزلا ف أبدا على الإنسان بل الحياة بأسرها ؟ سؤال كل العصور و كافة الاحقاب و الأزمان ؛ هل أنا مسير أم مخير ؟

تمخض الوجود و أرجاء الكون فى علياء سماواته بصرخات البشر و إجاباتهم على طول الخط الذى بدأ عنده الخلق حتى نهايته ، تشدق البعض بمن ترفع قدرة و اقتدار عن الإرادة البشرية و فعلها ، وقتما الاحجام عملا أو الاقدام قولا ؛ بأنه البارى و الخالق - الله -  من بيده تسيير الاشياء و تقويم الأفعال ، تجرى الأمور إلى حيث يريد و تسكن حيث لم يشأ أو يقصد ، هو الأول لكل فعل و الأخير لكل عمل ، خالق الجميع بقوتهم و أرواحهم حيث المخ و الذهن و الفكر و الإرادة ، الشكل و الهيئة ، المسكن و الرزق ، القوة و الملكات الطبيعية  بتنوع أشكالها ..... ، فشخصوا قابعين مرتكنين إلى واحة التواكل فى انتظار من يملى عليهم أفعالهم ، مناجيا فيهم إرادتهم التى يصدر اليها الأمر من عالم غير المنظور ، ليتجسد حركة و أداء و عملاً فى عالمنا المادى هذا و المنظور !!!

لكنهم - أنصار الحرية - تمردوا و لم يستكينوا إلى أن صدحت نبرات و صياح حناجرهم لتؤسس و ترسي و ترسخ قاعدة نظرهم و وجهتها ، رافعين ألوية ارادتهم فوق الجميع و أعلى الكل ، فكيف تكون الإرادة إرادة ان لم تريد ما تبغى و تشأ فى تنفيذ عمله ؟ كان سؤالهم و كانت اجابتهم المحمولة بين طيات و ثنايا سؤالهم ، منهم من آمن بالخالق ك خالق الارادة و حريتها ، كما الحرية و إرادتها المطلقة ، و منهم من آمن بالإرادة ك البداية و النهاية و الخالقة و الموجدة لكل ما هو حولنا ، فهى الفكر و التنفيذ ، الفكرة و العمل بها ...... ، و هكذا تأيدوا و تكبلوا بحريتهم المريدة ، و كان اعتناقهم لمذهبهم هو القيد الوحيد فى نظرهم و نظرتهم للعيش و للحياة و تفصيلاتها  .

و هل يسيرنا الله عن دون إرادة منا و هو مُنشىء و مَنشأ حرية اختيارنا المنبثقة من عقل له من القدرة فى أن يحكم و يفرز و ينتخب و يقرر ؟ و هل للإنسان حرية الارادة المطلقة فى أن يَسير و يُسيَّر و يجرى و ينفذ و ينجز فى حدود هى بلا حد أو سقف دون الإلتزام بارادة الله ، مقاصده و احكامه و قراراته و اجراءاته التى تفوق الإدراك و البصيرة البشرية ؟ هكذا اعتقدوا أصحاب هذا المذهب الذى يأخذ بالحرية الانسانية دون الخروج عن الحرية المطلقة العليا للوجود ، و سلموا بعدم وجود جبرية مطلقة للبشر ، مع عدم وجود حرية مطلقة أيضا لهم ، فالله له أحكامه التى يقرها ، و الانسان له أحكامه - فى نطاق ما يسمح به الخالق - أيضا التى يقرها ، و هكذا فيوجد ما يقر بحرية الله المطلقة فى كل شيء ، و هناك ما يجزم بحرية الانسان المطلقة و لكن ليس فى كل شيء ، ف فطرتنا كمثال يحددها الله فى مطلق حريته ، و شرنا هو ما نحدده ايضا بمطلق حريتنا ، و هكذا فالإنسان لا يخرج عن كونه مسير و مخير فى آن و حين و وقت واحد .

و هكذا هو سؤال كل العصور و كافة الأزمان ، كثر فيه الجدال كما زاد فيه النقاش ، تثبت و ترنح فيه الشك ، كما تأرجح و ترسخ فيه اليقين ! هو بحر بلا قرار ، محيط بلا حد ، كون بلا منتهى ، ينبع منه أسئلة جمة و ينتثر منه ألغاز بلا حد ، فكم أدلوا بدلوهم فيه أصحاب العقول الباحثة دائما أبدا عن الحقيقة من المفكرين و الفلاسفة ، لكنه ظل عظيما متعاظما ، خرج من رحمه ألف سؤال و سؤال لا يعدو كونهم نسلا لأحجية ملء الدهور و الأزمنة ؛ هل أنا مسيَّر أم مخيَّر ؟!