أمينة خيري
تعجبت من تعجب البعض عقب العثور على 14 مقبرة جماعية لعشرات ماتوا جوعا، «جوع الإيمان». رجل الدين، أو أمير الجماعة، أو المرجعية الدينية التى يثقون فيها ويسلمون أمورهم لها على سبيل الارتقاء الدينى والطاعة العمياء للسماء عبر الوسيط أخبرهم وأقنعهم بتجويع أنفسهم للوصول للجنة. وهل هناك لدى المؤمن التقى ما هو أعلى وأغلى من جنة الخلد؟! أليست سمة المؤمن الطاعة العمياء؟، أليس من واجب المتدين الحق ألا يسأل أسئلة أخبرته مرجعيته الدينية أن عليه أن يسلم بها هكذا دون مراجعة أو مناقشة أو محاولة البحث عن منطق وراء اللامنطق المطلوب، وإن أصر فإنه الكفر والعياذ بالله؟ّ!، أكوام القبور وسط غابة على مقربة من الساحة الكينى، حيث جهود استخراج بقايا آدمية من 14 مقبرة تنبعث منها «رائحة كريهة لا تطاق»- حسب وصف شهود العيان- تنضح بالطاعة العمياء لهؤلاء المتدينين المؤمنين. القبور التى تم اكتشافها عددها 14، لكن يتوقع أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير. المئات سلموا عقولهم، ومن قبلها قلوبهم، لهذا الرجل الطيب الذى يتقى الله فيهم، المبجل فى القبيلة أو الحى أو المنطقة، لأنه ممثل السماء على الأرض، وفى أقوال أخرى، لأنه الأدرى بشؤون حياتهم ومماتهم ودنياهم وآخرتهم. وحين قرر أن صالح المؤمنين المتدينين هو أن يجوعوا حتى يموتوا جوعا، أمرهم بالجوع. ولأنه لا يجوز مناقشته فيما قرر، أو مراجعته فيما وصل إليه «علمه» الغزير، فقد أطاعوا وجاعوا وماتوا. وبحسب الخطة، هم الآن فى انتظار دخول الجنة أو على أعتابها.
وتتواتر قصص وحكايات المؤمنين المتدينين الذين سلموا وأطاعوا، لتثير العجب، ومن ثم أتعجب كثيرا لهذا العجب. مراسل «بى بى سى» قابل امرأة عشرينية بالقرب من موقع مقابر المتدينين. يقول: بدت ضعيفة للغاية بعيون غائرة، لكنها لم ترغب فى الحصول على المساعدة ورفضت رشفة الماء وأغلقت فمها رغم تضورها جوعا وعطشا. ما شاء الله عليها. متماسكة إلى آخر لحظة، تفضل الموت على إيمانها، ولا يعنى تموت كافرة؟! تذكرت تلك القصص والحكايات التى يتداولها البعض بفرحة غامرة وفخر وزهو عاتيين للمرأة التى كانت «بتطلع فى الروح» تحت أنقاض الزلزال، وحين وصل إليها عمال الإغاثة رفضت أن يخرجوها إلا بعد أن ترتدى حجابها. قصة أخرى للمتدينين «آخر حاجة» فى واقعة مجاعة المؤمنين، رجل أربعينى رفض أيضا المساعدة. قال إنه لا يحتاج أى إنقاذ، فقد اتخذ قراره الإيمانى وهو فى كامل قواه العقلية. ونهر المسعفين مخبرا إياهم أن مرجعيته الدينية أخبرته أن «أعداء الله» (الشياطين) سيحاولون أن يحولوا بينه وبين الجنة. السيناريو متطابق، والمشهد والتفاصيل وسبل الإقناع وأمارات التخلى عن العقل توأم ملتصق. لماذا العجب إذن؟ العجب كل العجب فيمن لا يرى ويستشعر هذا التطابق من الوهلة الأولى بين من قضوا على الساحل الكينى ومن يقضون، وبعضهم، وهم أحياء، على سواحل أخرى فى المعمورة.
نقلا عن المصرى اليوم