ياسر أيوب
كرة القدم مجرد سلاح بإمكانك استخدامه لتنتصر فى مختلف حروبك أو تستخدمه لتنتحر وتخسر كل شىء .. وهى أيضا وسيلة يمكن بها الحصول على الفرحة والبهجة والحب أو قنبلة تنفجر لتنتشر الكراهية والخوف والغضب .. ولأنه غالبا عالم سريع الاشتعال فهو يميل أكثر لكل الحكايات الكروية التى لا تخلو من العنف والدم والتوتر وحتى الموت بينما لا يحفل كثيرا بحكايات انتصرت فيها كرة القدم للحياة والسلام والأمان والحب .. ولهذا لم تكن أوروبا واتحادها الكروى من الحكايات الشائعة والمتداولة كثيرا رغم أنها واحدة من أجمل حكايات الحب والسلام فى تاريخ كرة القدم .. كأن بلدان العالم خارج أوروبا تخاف من انتشار هذه الحكاية التى تثبت أن المشكلة دائما ليست كرة القدم إنما من يريدون استغلالها لمصالح خاصة أو الذين يخافون الاستقرار والهدوء فيلجأون لإشعال النيران الكروية بمختلف أشكالها .. ففى 15 يونيو 1954 .. اجتمعت 25 دولة أوروبية لتأسيس أول اتحاد كروى أوروبى .. دول قبل عشر سنوات فقط حاربت بعضها البعض وساد الخراب وفاضت الدماء فى كل مدن أوروبا .. دول لم تهتم أن تسبقها قارات أخرى مثل أمريكا اللاتينية أو آسيا وتؤسس اتحاداتها الكروية .. فقد أرادت أوروبا أن تخفت أصوات الحرب أولا وتذوب ذكرياتها المؤلمة قبل أن يجلس الفرنسى مع الإيطالى والإنجليزى مع الألمانى للحديث عن كرة القدم .. وأرادت أوروبا أيضا ترسيخ مفاهيم حقيقية ودائمة لكرة القدم كلعبة ووسيلة للسلام والفرحة والأمان وليست ساحات لاستكمال الحربين العالميتين الأولى والثانية ولكن بدون دبابات وطائرات ..
 
  ولهذا طالت مفاوضات ومحاولات تأسيس الاتحاد الأوروبى بتفاصيلها الدقيقة وحواراتها العميقة كما رواها أكثر من كاتب وباحث كان آخرهم فيليب فونارد وكتابه المهم عن تاريخ تأسيس الاتحاد الأوروبى .. ومن هذا الكتاب والكتب الكثيرة التى سبقته نعرف كيف نجحت أوروبا فى اختراع كرة القدم الخاصة بها .. اللعبة التى تنهى الحروب وليست تبدأها .. فلم تكن هناك أى حرب قامت على سبيل المثال بين مصر والجزائر أو أى بلاد عربية وأفريقية ولاتينية أخرى .. ومع ذلك قامت حروب بين بلدان كثيرة فقط بسبب كرة القدم ..
 
وفى المقابل لم تشهد بلدان العالم حروبا عالمية مدمرة كتلك التى عاشتها ودفعت ثمنها أوروبا .. ومع ذلك باتت البلدان الأوروبية تخوض أقسى وأصعب المواجهات الكروية التى تبقى مجرد مباريات أيا كانت نتائجها .. وما يجرى على البلدان والحكومات ينطبق أيضا على الأفراد الذين تعلموا فى أوروبا أن الخسارة فى الكرة لا تعنى خسارة احترام وكرامة وشرف وأن أوطانهم أغلى وأجمل وأقوى من أن تهزمها أو تؤلمها أو تخيفها مباريات ونتائج ومنافسات كرة القدم .. وحين كانت تقع الاستثناءات مثل هوليجانز الإنجليز وجماعات العنف الكروى فى إيطاليا أو إسبانيا .. كانت الحكومات تواجهها بمنتهى الشدة والحزم وتواجه أيضا كل هواة الفتنة وكل أعداء الهدوء الذين يحبون فتح أى جروح قديمة لتدوم المواجع والمخاوف .. وهؤلاء هم الذين يخافون أن تفضحهم حكاية أوروبا مع كرة القدم
نقلا عن المصرى اليوم