كتبها Oliver
لم تتمني دولة مستقرة أن تتقسم ففكرة التقسيم تنشأ بسبب عدم الإستقرار. و الدول مثل الناس تنضج و تشيب و تموت لذلك تتقسم الدول المضطربة بينما تنمو الدول المستقرة في نفس الوقت.
في دراسة للباحث بروفيسور بنجامين بريدجمان من جامعة لويزيانا عام 2003 توصل إلي
التقسيم هو نهاية صراع أعراق أو أديان أو أجناس .و هو تقسيم للموارد قبل أن يصبح تقسيماً للوطن.و هذا ما يؤدي إلي صراع علي من يغلب أي يستطيع إستغلال التقسيم لصالحه.
أي تقسيم يؤدي في بدايته إلي إنسحاب رؤوس الأموال و الخوف من الإستثمار و مشاكل فنية و إدارية معقدة.للغاية فليس التقسيم نهاية المطاف أو حسم الصراع.بل أن ترديد أخبار عن تقسيم محتمل هو في ذاته تهديد للإستثمار الأجنبي و تردد بيوت المال في الإقراض ( و لعلنا نلاحظ هذا التردد حالياً ) كما أنه يبعث برسائل عدم إستقرار لجميع الذين يتعاملون مع دولة مهددة بالتقسيم.فما بالك لو أنه توجد منطقة بأكملها تضم دول كثيرة كلها مهددة بالتقسيم؟
أقول لو أن التقسيم تم كما هو مخطط له فإن الناتج لن يكون فقط دولاً جديدة بل سيتشكل عالماً جديداً بأكمله و ستتغير كل الموازين و الخرائط السياسية و الإقتصادية و الجيوبوليتيكية ( الجغرافيا السياسية).
لو علمت كل دولة ما لسلامها لحرصت بكل ما تملك علي وحدة شعبها بتنوعه العرقي الديني الطبقي .
السلام في الدول ذات الأعراق المتعددة يتوقف علي مقدار ما تقوم به الأغلبية من إحتواء للأقلية بمعني تبني حاجاتها..و ينتشر في ربوعها الإستقرار بقدر ما تكون هويتها معبرة عن جميع السكان فيها.
لذلك يتم تصنيف الدول ذات الأعراق المتعددة كدول أفقر و أقل دخلاً من الدول ذات العرق الواحد.و هي عرضة أكثر للحروب و أخطار الحروب من الدول ذات العرق الواحد.كما أن إحتمالات قيام حرب أهلية تزيد جداً في حدتها عند الدول ذات الأعراق المتعددة و تقل عند الدول ذات العرق الواحد.
لذلك يعد التقسيم (إن كان ممكناً) عنصراً في مصلحة الدول التي لم تستطع أن تتوافق مع جميع أعراقها.
في وقت الحرب الباردة إنقسمت ألمانيا إلي دولتين و هكذا كوريا . و في وقت السلم و الإستقرار توحدت ألمانيا. في الوقت الذي إنقسم فيه السودان المضطرب إلي دولتين شمالاً و جنوباً نجد أن أوروبا الموحدة قد نمت و ضمت دولاً جديدة .
الدول التي إنقسمت أشهرها في العصر الحديث هو الإتحاد السوفيتي و إنقسم إلي 15 دولة مستقلة و يوجوسلافيا إنقسمت إلي 5 دول مستقلة و السودان إلي دولتين و جزر الأنتيل إلي 5 جزر مستقلة و تشيكوسلوفاكيا إلي دولتين هذه الإنقسامات أولها عام 1991 و آخرها جنوب السودان 2011
و كان قد سبق هذه الدول تقسيم شبه القارة الهندية التي إنقسمت إلي 4 دول
في الحديث عن تقسيم الدول أرغب في تقديم معني صحيح عن التقسيم و أنواعه و تواريخه و عناصره كما سبق و قدمت المفهوم الواضح عن الحماية الدولية
و حين أتعرض لهذا الموضوع شديد التعقيد و الحساسية لا أجعل رأيي الشخصي طرفاً فيه بل أقدم المفهوم بحيادية و موضوعية دون أن أقدمه شهياً لمن يريد التقسيم أو عصياً لمن لا يريد التقسيم. ثم إن إحتمل الأمر سأقدم رأيي في النهاية مستنداً علي ما أعرفه و ما أقرأه من الأحداث.
أسباب تقسيم الدول
اسباب تقسيم أي دولة متشعبة مركبة ليس من السهل تحديد سبباً وحيداً كأنه الحاسم و لكن الأسباب متداخلة معاً و معقدة و إن كان التمييز بين مواطني الدولة الواحدة هو العامل الأكثر تأثيراً في إنقسام الدول. أهم عناصر التمييز تظهر في :
1- التركيب الإثنوجرافي (أي القوميات) هو العنصر الأهم في الإستقرار أو الإضطراب داخل الدولة الواحدة فعدم المساواة بين القوميات داخل الوطن الواحد يخلق توترات دائمة و ميل طبيعي إلي التقسيم أو الإنفراد بالوطن و من أشهر الدول التي إنقسمت بسبب عدم إستيعاب تنوع القوميات فيها هو الإتحاد السوفيتي .كما أنه إقليم الباسك و إقليم كتالونيا يوشكان علي الإستقلال عن اسبانيا بسبب التنوع القومي .
2- كما أن عنصر الدين قد قسم دولة عظيمة كالهند إلي قسم مسلم هو باكستان و الآخر هندوسي مع ديانات أخري بالهند.الديانات في الهند متعددة لكنها ليست متصارعة مثل الإسلام الذي لا يقبل الآخر
3- كذلك اللغة أدت إلي إنقسام أوطان مثل السودان الذي إنقسم جنوبه الذي يتحدث بلغاته الأفريقية (تهوك ناعت – نهونجشانج) أحياناً كل هذا بجوار الإنجليزية أما شماله فهو يتكلم العربية كالعادة بلا شريك آخر حتي في اللغة.
4- و أحياناً تعدد الأجناس يكون مؤثر في تفكيك الدولة أو هشاشتها و هذا ما حدث في الدولة العباسية التي تفوق فيها الجنس العربي علي الفُرس و إستأثر بالسلطات مما أدي إلي تفاقم المظالم و إنهيار الدولة بل قد يؤدي الصراع بين الأجناس إلي إختفاء أجناس بأكملها مثل جنس نياندرتال و إنسان بكين و إنسان جاوة.
و بنظرة سريعة علي الواقع المصري سنقرأ أن مصر بها تنوع قومي ( فرعوني قبطي - – أفريقي في النوبة –عربي مختلط في الدلتا – عربي بدوي في سيناء و الواحات و مرسي مطروح.
و بها تنوع ديني : مسيحي – مسلم – يهودي و هذه الفروقات لم يتم إستيعابها تحت مظلة المساواة و لهذا لا يخلو تاريخ مصر من ثورات و قلاقل إثنية أو عرقية في دورة شبه ثابتة تتكرر تقريباً كل خمسون عاماً و ينتج عنها جيل جديد من المعبرين عن الطرف المنتصر في كل ثورة. و بسبب عدم المساواة هاجر العنصر المصري اليهودي و إستوطن بإسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي . و فقدت مصر عنصراً وطنياً بسبب غباء السياسة و التطرف الديني .و الآن تعيد نفس الكرة مع الأقباط.
علي أن التقسيم بين الأديان يتشعب بدوره إلي تقسيم بين الطوائف مثل التمييز بين السنة و الشيعة في مصر مع تجاهل و تعنت ضد البهائيين و القرآنيين و الصوفيين.
5- أسباب سياسية عسكرية .كأن يكون من للدول الكبري ذات النفوذ السياسي و الإقتصادي مصالح تتحقق من خلال تشجيع دولة ما علي الإنقسام إذا كان ذلك يتيح للدولة الكبري تحقيق مصالحها . و تحت هذا النوع من التقسيم نستطيع أن نضع تقسيم كوريا عن الصين قديماً حين أجبرت إمبراطورية اليابان التوسعية دولة كوريا أن تنقسم عن الصين و ذلك عام 1894 و حديثاً في أفريقيا تقسيم أثيوبيا إلي دولتين هما إثيوبيا و إريتريا سنة 1993.
و من دروس التاريخ يتلاحظ أن التقسيم دائما مفروش بالدم و يسبقه توترات و عنف و هذا ما حدث في شبه القارة الهندية و تيمور الشرقية في إنقسامها عن أندونيسيا و جنوب السودان في إنقسامها عن السودان. و في اليمن حين إنقسمت إلي جنوبي و شمالي .و في تقسيم إثيوبيا و صربيا و تيمور الشرقية.
لكن لم يحدث هذا في الإتحاد السوفيتي لأن كل الدول إرتضت العودة إلي حدود ما قبل الإتحاد كما أن للإتحاد السوفيتي كفاءة توزيع خاص للموارد جعل من الممكن التقسيم دون حروب.كما أن الحرب الباردة كانت قد أسفرت عن إنهاك كل إقتصاديات الإتحاد السوفيتي مما إستبعد معه شبح الحرب.
تصنيف النظم السياسية حسب التقسيم الجغرافي للسلطة
أنواع الدول:
إن فقهاء القانون والسياسة اتبعوا مناهج متعددة في تقسيم الدول وذلك تبعا لطبيعة اختصاصاتهم واهتماماتهم والزاوية التي ينظرون منها إلى الدولة
من حيث السيادة : تنقسم الدول إلي دول كاملة السيادة ، وأخرى ناقصة السيادة
من حيث الشكل : دولة بسيطة و دولة مركبة .
أولا الدولة البسيطة
هي التي تنفرد بإدارة شؤونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة مثل فرنسا ، الأردن ، لبنان
فالسيادة في مثل هذه الدول غير مجزأة تمارسها سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة كما هو مبين في دستورها الواحد الذي يطبق على كافة أنحاء إقليم الدولة
• وحدة الدولة تتجسد من خلال (دستور واحد ينظمها -سلطة تشريعية واحدة - السلطة التنفيذية واحدة- السلطة القضائية واحدة)
وهذا وتبقى الدولة الموحدة بسيطة إذا بقيت تتصف بوحدة السلطات و مركزيتها. بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها فقد تكون : ملكية كالأردن والسعودية ، أو جمهورية كمصر ولبنان ، وقد تكون مطلقة دكتاتورية أو مقيدة ديمقراطية مثل دول الخليج و سلطنة بروناي.
المركزية الإدارية في الدولة الموحدة
ويقصد بالمركزية الإدارية قصر الوظيفة الإدارية في الدولة على ممثلي الحكومة المركزية في العاصمة وهم الوزراء دون مشاركة ما من هيئات أخرى.
- اللامركزية الإدارية
تعني تقاسم الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وبين هيئات أخرى محلية أو مصلحيه تباشر اختصاصات محددة بقدر من الاستقلال تحت رقابة ووصاية الحكومة المركزية و هذا هو نوع التقسيم المحتمل في مصر.
ثانيا - الدولة المركبة
و تتألف الدولة المركبة من دولتين ، او مجموعة دول اتحدت لتحقيق أهداف مشتركة ، فتوزع سلطات الحكم فيها على الدول المكونة لها تبعا لطبيعة ونوع الاتحاد الذي يربط بينها
تنقسم أنواع الدول المركبة إلى
1- الاتحاد الشخصي
وهو عبارة عن اتحاد بين دولتين او اكثر تحت عرش واحد ، لكن تحتفظ كل دولة بسيادتها الكاملة وتنظيمها الداخلي المستقل وبالتالي فمظاهر الاتحاد هنا لا تتجسد الا في شخص الدولة فقط . فرئيس الدولة هو المظهر الوحيد والمميز للاتحاد الشخصي ، الامر الذي يجعله اتحادا عرضيا وموقوتا يزول وينتهي بمجرد اختلاف رئيس الدولة تماماً مثل المملكة المتحدة و أستراليا و نيوزيلندا و جميعهم تحت تاج الملكة أليزابيث فهي ملكة هذه الدول رغم أن الدول ذاتها منفصلة عن بعضها البعض في الإدارة و الملكية و الجنسية و الحدود.
الدول المشتركة في الاتحاد الشخصي تبقى متمتعة بكامل سيادتها الداخلية والخارجية ، فانه يترتب على ذلك
1- -احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية وانفرادها برسم سياستها الخارجية
2- تعد الحرب بين دول الاتحاد الشخصي حربا دولية
3- ان التصرفات التي تقوم بها أحد دول الاتحاد الشخصي إنما تنصرف نتائجها إلى هذه الدولة فقط وليس إلى الاتحاد
4 - يعتبر رعايا كل دولة أجانب بالنسبة لرعايا الدولة الأخرى
5- لا يلزم في الاتحاد تشابه نظم الحكم للدول المكونة له
2- الاتحاد الحقيقي الفعلي :
يقوم بين دولتين او اكثر ، وتخضع كل الدول فيه لرئيس واحد مع اندماجها بشخصية دولة واحدة ، تمارس الشؤون الخارجية وتبقى كل دولة في الاتحاد محتفظة بدستورها وأنظمتها الداخلية
يترتب على الاندماج في الاتحاد الحقيقي فقدان الدولة لشخصيتها الخارجية
1- توحيد السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي
2- تعتبر الحرب التي تقوم بين الدول الأعضاء حربا أهلية
و يعتبر إقليم مصر و السودان أيام كانت مصر مملكة مثالاً للإتحاد الفعلي .
3- الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي
ينشأ من اتفاق دولتين او اكثر في معاهدة دولية على تكوين الاتحاد أو الانضمام إليه مع الاحتفاظ كل دولة باستقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية
صك الاتحاد او المعاهدة والاتفاقية هي الأساس في الاتحاد الاستقلالي
مثل إتحاد مصر و سوريا أيام عبد الناصر.
في هذا الاتحاد تبقى كل دولة متمتعة بسيادتها الداخلية ومحتفظة بشخصيتها الدولية
رعايا كل دولة من الاتحاد يبقون محتفظون بجنسيتهم الخاصة
العلاقة بين الدول مجرد ارتباط تعاهدي
حق الانفصال عن الاتحاد ممنوح للدول الأعضاء تقرره حسب ما تراه مناسبا ومتماشيا مع مصالحها الوطنية
4- الاتحاد الكونفدرالي
الاتحـاد الكـونفدرالي هو عبارة عن رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة، بمعنى أن دولتين أو أكثر تدخل معاً في اتفاق بقصد توحيد الجهود السياسية أوالاقتصادية او الاجتماعية أوالعسكرية تحقيقاً للمصالح المشتركة، وبقصد التعاون فيما بينها للمحافظة على استقلالها و يمنع الحروب بينها ولتنسيق خطط الدفاع عن مصالحها المشتركة في المجال الدولي. و غالباً ما يتم تشكيل هيئة سياسية عليا في شكل مؤتمر أو جمعية عمومية أو مجلس يشرف على تنفيذ الأهداف المشتركة بين الدول الأعضاء. و أهم نموذج لهذا الإتحاد هو دول الإتحاد الأوروبي.
كما من أمثلة هذا الاتحاد: الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي السويسري الذي اقيم سنة 1815 م وانتهى سنة 1848، وهو تاريخ قيام الاتحاد الفيدرالي السويسري الحالي. وكذلك الاتحاد الكونفدرالي الالماني الذي اقيم سنة 1815، وانتهى سنة 1866، اتحاد الدول العربية الذي قام سنة 1958 بين الجمهورية العربية المتحدة و المملكة المتوكلية اليمنية، و كان هذا الاتحاد مفتوحاً للدول العربية التي تريد الانضمام اليه.
في الاتحاد الكونفدرالي، تتمتع كل دولة من دول الاتحاد بسيادتها الكاملة و تحتفظ بشخصيتها الدولية. وليس للاتحاد نفسه ممثلون دبلوماسيون لدى الدول الاخرى. ولدول الاتحاد ان تعقد المعاهدات مع الدول الأخرى بشرط الا تتعارض مع مصالح اعضائه. والحرب التي تقع بين احدى الدول الداخلة في الاتحاد و دولة أجنبية لا تلزم الاتحاد و لا يكون مسؤولاً عن نتائجها. وفيما يخص الشأن الداخلي، تحتفظ الدول الداخلة في الاتحاد الكونفدرالي بنظام حكمها السياسي الذي قد يختلف عن نظم الحكم في الدول الأعضاء. وأيضاً تحتفظ بجنسيتها الخاصة بها و المستقلة عن غيرها، والتي تحدد علاقاتها القانونية برعاياها وبالاجانب بحيث يكون رعايا الدول الاخرى الاعضاء اجانب بالنسبة اليها
الإتحاد الفدرالي:
في هذا الاتحاد تكون السلطات مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية وحدات حكومية أصغر مثل الأقاليم، الولايات. ويقوم هذا الاتحاد إما بين عدة دول، تتنازل كل منها بمقتضى الدستور الاتحادي عن سياستها الخارجية وعن بعض سلطاتها الداخلية للكيان القانوني الجديد (الدولة الاتحادية) أو بين عدد من الاقاليم تتخذ منه نظاماً سياسياً لها. ما يعني أن الدول الاعضاء تفقد شخصياتها الدولية، وتكون إما على شكل ولايات أو اقاليم. ويخول الدستور الاتحادي الدولة الاتحادية سلطة مباشرة على مواطن هذه الدويلات أوالاقاليم او الولايات.
الاتحاد الفيدرالي ليس اتحاداً مثل الكونفدرالي، يخضع فقط للاتفاقات المعقودة بين الدول المتفقة بل انه يخضع للقانون الدستوري ايضاً، فالعلاقة بين الدولة الاتحادية الفيدرالية وولاياتها أو اقاليمها أو دويلاتها هي علاقات قانون داخلي تخضع للدستور ويقوم الاتحاد الفيدرالي على اساس توزيع مظاهر السلطة الداخلية بين الحكومة الاتحادية من ناحية وحكومات الاقاليم من ناحية اخرى. ومن أمثلة هذ الاتحاد: الولايات المتحدة الامريكية، المانيا الاتحادية، الإمارات العربية المتحدة .
وفي هذا الاتحاد، يحق للدولة المركزية وحدها الدخول في علاقات دولية. و تكون وحدها عضواً في المنظمات الدولية. ولها وحدها حق ابرام المعاهدات (عرفت هذه القاعدة عدة استثناءات) كما لها وحدها حق التمثيل الدبلوماسي. ولها وحدها حق تقرير الحرب والسلم. ويتمتع جميع مواطني الأقاليم بجنسية موحدة (جنسية الدولة الاتحادية). ويرأس الدولة الاتحادية شخص واحد هو رئيس الدولة الاتحادية .
وفيما يخص المجال الداخلي، فهناك دستور مركزي موحد. وتوجد هيئة تشريعية مركزية موحدة (البرلمان الاتحادي). وكذلك هيئة تنفيذية مركزية موحدة (حكومة). وهيئة قضائية مركزية موحدة.
يختلف توزيع الاختصاصات من دولة اتحادية الى أخرى بحسب ظروف كل دولة و كيفية نشوءها. فالدولة الاتحادية التي تنشأ نتيجة تفكيك دولة بسيطة الى أقاليم تسعى الى تقوية صلاحية الدولة الاتحادية على حساب الاقاليم وفي الدولة الاتحادية التي تنشأ من انضمام عدد من الدول تسعى لتقوية صلاحية الأقاليم على حساب الدولة الاتحادية.
-التمييز بين الاتحاد المركزي الفدرالي والاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي
الاتحاد المركزي الفدرالي
الإتحاد الفدرالي ينشأ من خلال عمل قانوني داخلي وهو الدستور الاتحادي
تمارس السلطات الاتحادية اختصاصاتها على الأفراد مباشرة
الانفصال مرفوض
جنسية الشعب واحدة
إذا قامت حرب بين إقليمين في الاتحاد فهي حرب أهلية
مزايا و عيوب هذا الإتحاد
مزايا الاتحاد المركزي الفدرالي
1 - نظام الاتحاد المركزي قادر على توحيد دول ذات نظم متغايرة ومتباينة في دولة واحدة قوية
2 - يعمل على التوفيق بين مزايا الدولة الموحدة ومزايا الدولة المركبة
3 - يعتبر حقلا واسعا للتجارب في الأنظمة السياسية
عيوب الاتحاد المركزي الفدرالي
1- ان ازدواجية السلطات العامة سيؤدي إلى نفقات مالية كبيرة
2- يؤدي هذا النظام إلى تفتيت الوحدة الوطنية
3- ان تعدد السلطات واختلاف التشريعات كثيرا ما يسبب منازعات ومشاكل
صفات الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي علي مثال )الإتحاد الأوروبي)
يستمد وجوده من معاهدة تتم بين الدول الأعضاء
تتولى الاختصاصات وتحقيق الأهداف هيئة مشتركة ، ممثلين عن دول الأعضاء
الانفصال حق مقرر لكل دولة فيه
لكل شعب جنسية في الاتحاد حسب دولتهم
إذا قامت حرب بين دولتين في الاتحاد فهي حرب دولية
عيوب الإتحاد الإستقلالي الكونفدرالي :
قد يحدث إنتقاص في إستقلالية البلد نتيجة إلتزاماته تجاه الدول الشريكة معه في الإتحاد .مثلاً إختفت عملات كل دول الإتحاد الأوروبي نتيجة خضوعهم لعملة جديدة هي اليورو.و ما ترتب علي ذلك من تغييرات جذرية في السياسات المالية و النقدية و الإقتصادية.
قد تتحمل دولة عبء دولة أخري شريكة لها كما تحملت ألمانيا و فرنسا أعباء سقوط إقتصاد اليونان و البرتغال ثم اسبانيا .و كما تحملت الدول صاحبة الإقتصاد الأقوي أعباء دول أوروبا الشرقية الضعيفة إقتصادياً وقت دخولها الإتحاد الأوروبي.
قد تصبح الدولة مضطرة إلي تبني مواقف سياسية لم تكن ترضي بها إلا بسبب وجودها ضمن هذا الإتحاد و تصبح الحركة السياسية أكثر قيوداً و أقل حرية من بعد الإتحاد.
الحكم الذاتي :
يظهر هذا المفهوم في ميثاق الأمم المتحدة مادة 73 و 76 .
و هذا المفهوم ترجمة لتعبير حق تقرير المصير الذي بدأ إنتشاره بعد إنشاء عصبة الأمم . و من المثير أن الأمم المتحدة تملك حق توقيع إتفاقية مع قومية أو جنس ليكونوا متمتعين بالحكم الذاتي ..حتي لو لم توافق الجهة صاحبة السلطة الأصلية عليها أي علي الإقليم طالب الحكم الذاتي. بمعني أن الأمم المتحدة لها صلاحية الموافقة علي تقرير مصير فئة من الشعب أو عرق أو جنس حتي لو لم توافق الدولة التي يعيش فيها هذا الجنس أو العرق علي منحهم حق تقرير المصير أي أن الأمم المتحدة قد تكون الطرف الثاني الذي يتعاقد معه شعب ما لينال حق تقرير مصيره برغم رفض الدولة الأصلية التي يريد هذا الشعب الإنفصال عنه.أو طلب حق تقرير المصير بعيداً عنه
و يشترط في المنطقة التي تطلب حكماً ذاتياً أن يتوفر فيها ما يلي : –
- ضرورة توفر سلطة تشريعية في الإقليم يتولى سن القوانين سلطة منتخبة بطريقة ديمقراطية ،
- توفر سلطة تنفيذية بأن يتم اختيار أعضاء هذه السلطة بموافقة الشعب.
- سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم.
- أن يتم إختيار هذه السلطات دون ضغوط خارجية أو داخلية.( من الدولة الأم)
قبل ذاك كله ينبغي أن تتوفر أرض يمارس عليها الإقليم حكمه الذاتي .
الفدرالية تعد شكلا متقدما من أشكال الحكم الذاتي (اللامركزية)، الذي يُعرف بأنه نظام سياسي وإداري واقتصادي، يحصل فيه إقليم من دولة على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونه، بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب؛ يضمن مصالح الأقاليم على قاعدة متساوية. مثل الحكم الذاتي للأكراد في العراق . و يكاد أكراد سوريا يفعلون نفس الشيء و قد أعلنوا إستقلالهم من طرف واحد من عفرين كما أنه يوجد في أسبانيا أكبر عدد من الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي إذ فيها 17 إقليم يتمتعون بالحكم الذاتي .أشهرهم إقليم كتالونيا و إقليم الباسك..
و الحديث عن الحكم الذاتي له حنين يداعب الأقليات دائماً .يرون فيه حلاً لتغول الأغلبية علي حقوقهم. و يرون فيه أملاً لرفع الظلم عنهم.و يرون فيه تحرراً من قيود تضعها علي عاتقهم السلطات المنحازة سواء السياسية أو الإدارية أو القضائية.
غير أن التجهيز لأرضية هذا الحل يتطلب عملاً شاقاً و إعداد طويل الأجل .فالجلاد لا يسلم بسهولة لضحيته.و طالما يمسك الجلاد بسيفه فهو يعيش دور الأقوي و يظن في نفسه القدرة حتي و لو كان واهماً .و حتي تستطيع الأقلية إعادته لحقيقة حجمه عليها أن تبذل الجهود السياسية و الوطنية عمراً طويلاً .
كيف يتجهز شعب للحكم الذاتي
أولاً: لابد من خلق جيل متشبع بالفكرة.أقصد فكرة الحكم الذاتي . أي أن تنتشر شعبية هذا الرأي في جيل جديد و لا تصبح فكرة الحكم الذاتي فكرة فردية أو فكرة قلة من الناس بل تأخذ جميع الإتجاهات في إنتشارها لتصنع جيلاً من الذين يستطيعون أن يتبنوا الجهاد السلمي الوطني في سبيل هذا الحكم الذاتي .
إن الإنتقال من حالة مطلب فرد إلي حالة مطلب شعب يتطلب مجهودات هائلة من التوعية و التنوير و نشر الفكر الوطني و معالجة الأزمات المتلاحقة بطرق تجعل من السهل كسب شعبية لفكرة الحكم الذاتي و ليس كسب شعبية شخصية.
ثانياً :لابد من بناء كوادر متسلسلة من الكفاءات الوطنية تستطيع أن تصل إلي دوائر صناعة القرار و تصبح طرفاً فاعلاً فيها.هذه الكوادر هي عناصر فكرية سلمية تشق طريقها في كل الأصعدة لتجد موضعاً لها تستطيع منه التأثير علي صناعة القرار أو حتي الحد من سلبيات القرارات تجاه الأقلية.
ثالثاً :حيث أن التاريخ و الواقع يقولان أن تحقيق الحكم الذاتي لا يمكن أن يتم دون الإستعانة بدول كبري ذات مصلحة في تحقيق هذا الوضع المستقل لذا وجب بناء جسور تواصل مع هذه الدول من خلال خطة مدروسة في جميع مراحلها و رفض العشوائية و التصريحات العنترية التي تعوق دون تدفق الفكرة إلي الدوائر الدولية.يجب أن تنساب الفكرة بسلاسة دون تعبيرات فجة تصنع للمسيرة أعداء و هي في أمس الحاجة لتقليص أعداءها و زيادة رصيد أصدقاءها.إن الحصول علي تأييد دولي و أممي للفكرة هما الجناحان اللازمان للتحلق به في أرض الواقع. وإن السياسة الخارجية للفكرة هي العمود الفقري لأي حالة حكم ذاتي تحققت منذ بداية القرن العشرين.
رابعاً :ترتيب البيت من الداخل: فأي تقدم لا يتحقق سوي من فريق عمل .لا ينجح أبداً الذين تفرقت مجهوداتهم في تخوين بعضهم البعض.و لا يتحقق حكم ذاتي تحت أي شكل بينما طالبي هذا الحكم لا يستطيعون أن يتحكموا في نياتهم فكيف يحكمون شعبهم؟ لولا إتحاد الوطنين في كل دولة ما إستطاعت أن تستقل.لذا فالوحدة و العمل كفريق ليس شكلاً تجميلياً بل هو روح العمل الوطني.لذا يموت العمل الوطني بين الأفراد و يعيش فقط بين الجماعات.العمل الوطني كائن أسري و ليس كائن فردي.الإتحاد علي مستوي القيادة يفرز طاقة هائلة لدي المستويات الأقل في هذا التسلسل الوطني.و التنافر بين القيادة يمزق الشعب كله.لذا لا أمل في مستقبل شعب إن لم تتوحد نيات القادة و تتناسق مجهوداتهم.و يتعاون الجميع لمصلحة الجميع.
خامساً :التأهل للتعامل مع المشاكل التي تبدأ بعد تقرير المصير مثل :
مشكلة الشخصية الدولية إذ لا توجد شخصية دولية للأقاليم ذات الحكم الذاتي بل تظل مجرد تابع للسلطة المركزية .مشكلة الموارد الطبيعية و تقاسمها.مشكلة توزيع الصلاحيات و تقاسمها.المسائل الأمنية.السياسات الإقتصادية و المالية التي تخضع لها الأقاليم ذات الحكم الذاتي و التي قد لا يلائمها الكثير من هذه السياسات.
إذن يحتاج الأمر إلي توقع مسبق لهذه الإحتياجات و توفر خطط واقعية للتعامل معها.و إلا يتبع حق تقرير المصير حالة من الفوضي الداخلية قد تصل إلي حرب أهلية.و هذا ما حدث في فلسطين بعد إعلانها دولة مستقلة.
آليات الحكم الذاتي
هي المجالات التي تمارس من خلالها سلطة الحكم الذاتي.و التي تظهر فيها شخصية الإقليم المتفردة.
1-العلاقة بين المركز والإقليم : حيث يقوم بناء الدولة بشكل أساسي على طريقة الفيدرالية من حيث آليات التطبيق , ويمكن لأي محافظة أن تشكل إقليما فيدراليا كجزء أساسي من الحالة الفيدرالية كما هو مطبق في كندا حيث يتمتع إقليم كيبك بالحكم الذاتي و آلية التطبيق هي الفيدرالية.
2-استغلال الموارد الطبيعية: من حق الإقليم استغلال و استثمار موارده الطبيعية بالشكل الذي يراه مناسبا و ذلك ضمن إستراتيجية العامة للدولة الاتحادية .
3- توزيع الصلاحيات: يحق للإقليم تشكيل برلمان خاص به و حكومة محلية ومؤسسات متكاملة التنفيذية والتشريعية لها كامل الصلاحيات ما عدا السياسة الخارجية والدفاع و العملة الرسمية و السياسة الاقتصادية العامة للدولة.
4-الأمن: يقتصر مهمة الإقليم على تامين الامن في الإقليم معتمدا في ذلك على قوة شرطة محلية تابعة لإقليم.
5- استخدام اللغة: يحق للإقليم المستقل ذاتياً أم يعتمد لغته الخاصة بالإضافة إلي أي لغة أخري يراها مناسبة .
6-حرية المعتقد:علي هيئات الحكم الذاتي احترام و حماية الأديان و ضمان نشاطاتها و طقوسها وفقا لقانون الإقليم . كما يجب فصل الدين عن الدولة.
7- العادات والتقاليد القومية: التعايش مع القوميات .ونشر ثقافة حقوق الإنسان و التسامح و المحبة بين شعوب الإقليم.
8- الإدارة: يقوم الإقليم بإعادة توزيع أراضيه بحسب التركيبة الديموجرافية الجديدة .و يحق له إبعاد غير المرغوب فيهم من قوميات تم الإستقالا عنها و منها.علي أن تقوم الدولة المركزية بتوطين المبعدين في أقليم خاضعة لها.
9- التعليم : يكون التعليم وفقاً لسياسة تعليمة يضعها الإقليم لنفسه.
تاريخ مصر و أنواع التقسيمد
هل كانت مصر مستقلة و موحدة عبر كل عصورها ؟ تعالوا لنري
عند النظر إلي أنواع التقسيم بين الدول نجدها كالأتي
التابع و المتبوع
تقسيم الدولة إلي قسمين قسم كامل السيادة ( دولة قائدة أو متبوعة) و آخر منقوص السيادة (دولة تابعة)
لا يملك القسم منقوص السيادة إعلان الحرب أو عقد معاهدات مع الدول أو إلغاء معاهدات أو إقامة سفارات أو تحديد السياسة الخارجية فهذا كله من إختصاص الدولة المتبوعة أما الدولة ناقصة السيدة فهي دولة تابعة
و قد عاشت مصر هذا التقسيم المهين طوال أربعمائة سنة ظلت فيه تابعة للدولة العثمانية الإسلامية و وافق كل حكام مصر طوال أربعة قرون علي أن تبق مصر (شبه دولة ) تصدر لها القرارات من الباب العالي ( الآستانة) و ما علي مصر إلا الخضوع و الطاعة حتي في إرسال الجزية إلي تركيا العثمانية و هكذا نري أن أطول فترة إحتلال لمصر كانت إحتلالاً إسلامياً قضي علي التطور الحضاري و جر كل المنطقة العربية إلي التراجع الحضاري
بعد أربعة قرون من التقسيم بين التابع و المتبوع ظهر تقسيم جديد هو التابع و المنتدب
مصر بين رحي الإنتداب و الإحتلال
الدولة التي تحتل الآخري هي الدولة المنتدبة و الدولة التي تم إحتلالها تسمي ( تحت الإنتداب)
و لا يسمح للدول التي تحت الإنتداب أن تشن حرباً لكن لها الإستقلالية في كل شئونها الداخلية أي أن هذا التقسيم أرحم كثيراً من التقسيم أيام الدولة العثمانية لأنه يسمح بالحرية الشخصية و الإستقلال القانوني الداخلي بينما لم يكن ذلك مسموحاً به تحت الإحتلال الإسلامي العثماني بل كان هذا الإحتلال أكثر عدلاً في شئون الأقليات من تعنت الأغلبية في مصر
حتي أن الدول التي كانت تحت الإحتلال العثماني نالت إمتيازاً لها بعد تخلصها من الإحتلال العثماني. بإحتسابها دولاً مستقلة ( بما في ذلك الدول التي لم تسع للإستقلال) علي أن تسترشد في شئونها بالدول التي وضعت تحت إنتدابها و كأن الدول الأوروبية المستعمرة قد صارت إشبيناً للإستقلال تأخذ بيد الدولة الوليدة حتي يكتمل نضجها و تصبح قادرة علي إدارة شئونها بدون وصاية .ثم تتركها مستقلة بعد أن تضعها علي أول طريق الإستقلال.
أي أن مصر كانت تحت التقسيم بين الأعوام من 1914 حتي عام 1922 و هو نفس العام الذي حصل فيه زوال الدولة العثمانية و إنعدام وجودها القانوني و قامت الدولة التركية علي أنقاض الدولة العثمانية التي راح سلطانها يتقلص حتي صارت حدودها كما هي عليه اليوم بإستثناء التعدي علي دولة أرمينيا المسيحية و إستقطاع جزءاً منها محتل بتركيا حتي اليوم
بإنتهاء الحرب العالمية الثانية تم إلغاء الإنتداب لتغير موازيين القوي العالمية و أصبح الإعتراف ضمنياً بإستقلال الدول التي كانت تحت الإنتداب
فهل إستقلت مصر ؟
في ضوء المعاهدات نستشف حقيقة الإستقلال.
مرحلة المعاهدات
في الأصل أن المعاهدة هي إلتقاء الإرادة بين الدول علي أمر ما هو موضوع المعاهدةهذه المعاهدة يجب بالتأكيد أن تنتج آثاراً لها و تضع إطاراً لحدود التعامل حسب نصوص المعاهدة.
هل كسبت مصر شيئاً من معاهدة تأجير قناة السويس للإنجليز؟
لم تكن هذه معاهدة بمقدار ما كانت فرضاً بالقوة لتحقيق مصلحة إنجلترا و لا سيما في أجواء الحربين العالميتين.كانت قناة السويس هي الترجمة الحقيقة لوضع مصر آنذاك.فقد كانت قناة السويس شركة مساهمة .من يملك الشركة ( مصر ) و من يديرها ( إنجلترا) فلم تكن هذه معاهدة بل صيغة مهذبة للسيادة علي مصر .أو هي حرية مشروطة بالسماح لإنجلترا بالتحكم في الممر المصري الأعظم في العالم.لا نستطيع أن نقول أن مصر كانت مستقلة و لا كانت محتلة.فهي مستقلة الأرض محتلة السيادة و القرار.و هذا هو الوضع الحالي أيضاً بشأن إتفاقية كامب ديفيد.إذ إهتم السادات بتحقيق الإنسحاب من الأرض لكي يرضي الشعب و لكن السيادة المنقوصة علي الأرض لا تعني الحرية و لا الإستقلال.
فإذا كان دخول دبابة علي أرضك يستلزم إذناً من دولة أخري فهذا لا يعني سوي أنك غير مستقل.
إذن الحقيقة أن مصر ليست مستقلة بعد حتي اليوم.فما الداعي للتشدق بعبارات جوفاء كأن تقسيم مصر هو أمر جديد ؟ و كأن الداعين للتقسيم هم أول من يفسخوا أوصال الوطن؟ يا أعزائي مصر منذ أن غادرت الحضارة الفرعونية و هي منقسمة الأوصال .فاقدة السيادة. و بعض من شعبها يجد لذة في أن ينتسب إلي غزة لا القاهرة. و أن القدس هي عاصمة مصر و ليست قاهرة الأهرامات. الذين قَبلتهم تجاه حماس و ظهورهم تجاه شعوبهم. البعض من شعبها يبيع مصر بإسم الإسلام .و يري ولاءه للسعودية و قطر هو غاية المراد من رب العباد.
عمن تبحثون في التقسيم و هو ينخر كالسوس يوماً بعد يوم.
مصر لم تستقل بعد.و لطالما كان هؤلاء الخونة علي سدة الحكم الذين يهتفون لغزة بدلاً من مصر .
مصر منقسمة بين وطنيين و خونة. بين إسلاميين و أحراراً. بين عبيد الليرات و الدراهم و بين من يحفرون الصخر لكي يصنعوا من مصر وطناً حقيقياً.بين شرفاء و مزيفين.مصر بين شقي الرحي لم تتنسم أنفاسها لتنهض بعد.
لقد كتبت و كررت مراراً أن التقسيم صناعة إخوانية و سياسة إخوانية و هدف إخواني و نتيجة ممارسات إخوانية ,.و أن التقسيم يلاحق الدول التي تركت مصائرها في يد الإخوان.و أنه لم تقم أمة من كبوتها إلا إذا إستطاعت ان تستبعد هؤلاء الخونة الأدعياء من منافذ صنع القرار.
فليس الأقباط هم الداعون إلي التقسيم بل الإخوان .هم المجني عليهم في التقسيم و ليسوا الجناة. إذا إنقسمت مصر فسيكون الإخوان هم الآلة الوحيدة التي تفسخ أوصال هذا الوطن.و لن يكن للأقباط دور حقيقي في التقسيم بل سيكونون مفعول به و ليسوا طرفاً فاعلاً .
من يريد تقسيم مصر ؟ أعيد ما سبق أن ذكرته في لقاءا ت مذاعة و في مقالات منشورة لأهمية أن يكون الموضوع هنا متسق و متكامل.
أولاً من يريد التقسيم
يمكنكم الرجوع إلي المقال الذي ناقش هذه الجزئية بإستفاضة بعنوان دور الإخوان في تقسيم البلدان
http://www.copts-united.com/Arabic2011/Article.php?I=1251&A=65796
http://www.freecopts.net/arabic/articles/view/19760
هل هناك أرضية متوفرة تسمح بالتقسيم في مصر
بملء الفم أقول نعم .مصر تضع بسياساتها الخرقاء و بتجاهلها الحاد المتعمد لفئات من المصريين أساساً للتقسيم و لن يصبح التقسيم في حد ذاته هو السؤال فأنا أراه مسألة وقت بل سيصبح السؤال هو كيف سيحدث هذا التقسيم و هل سيكون دينياً أم عرقياً أم كلاهما. و هل سيتم سلمياً أم عنيفاً أم كلاهما. و هل سيكون بدعم خارجي أم داخلي أم كلاهما.
في مصر يتم الآن رسم خريطة جديدة تقسم فيها القوي البشرية إلي أديان .و تقسم فيها القرارات لخدمة مذاهب دينية بعينها.و تقسم فيها الموارد و الإمتيازات لتكون موجهة لفئات بعينها .هذا هو التقسيم الفعلي و يتبقي فقط التقسيم الجغرافي الذي يليه.
في مصر خريطة مرسومة للأعراق.فهذا نوبي و هذا بدوي و ذاك صعيدي و آخر للدلتا .و هكذا تتقسم مصر عرقياً .
التعامل بهذه الخرائط عند إصدار أية قرارات يكرس حالة التقسيم.حتي القضاء اليوم في مصر ينظر إلي عرق المتهم و ديانته ثم يصدر الحكم.فالقضاء في مصر يكرس التقسيم.التعليم أيضاً و التعيين مثله.الجيش يكرس التقسيم و الإعلام مثله .
بيئة مصر تكرس التقسيم أكثر مما توحد المصريين.و مؤخراً السياسة الخرقاء هي أكثر الأسافي و النوائب التي حلت بمصر منذ قيام الحضارة الفرعونية.
معركة الدستور
أن معركة الدستور هي بذرة من بذار التقسيم و بداية لإنشقاق كبير في المجتمع.معركة الدستور قد تكون المدخل الأول للتصعيد الدولي و من ثم التدخل الدولي .. ربما لا يحسم الدستور من داخل مصر بل قد يحتاج الأمر تصعيد علي مستوي دولي و قد يتطور التصعيد إلي فرض مواد دستورية بأيدي خارجية فتكون مصر مستعمرة من خلال الدستور.
وفقاً لقراءتي الخاصة أشك أن مواد الدستور ستكون مواد مصرية خالصة.و مسودة الدستور التي تعتبر النيل ثروة مائية رئيسية و تتجاهل أن قناة السويس له نفس الأهمية .قد يكون بند كهذا مادة موضوعة بأيدي قطرية تتعشم في أن تحصل علي إمتياز حق إنتفاع قناة السويس لتنتزع سيادة مصر بحكم الدستور.
المادة الثانية للدستور هي مادة بأيدي سعودية وهابية و ليست مصرية.و هي المادة التي تؤسلم الوطن.و تتجاهل بقية الأديان .ليضمن الوهابييون أن هناك دولة مؤسلمة علي حدودهم ترسخ إستخدامهم الدين في قمع شعوبهم المقهورة برغم الغني الفاحش.
رد النصوص إلي جنسية واضعيها يحتاج إلي دراسة مفصلة ليس هنا موضعها .لكن مختصرها أن الدستور لن يكون مصرياً و لا لأجل مصر إذا إستمر بهذا الشكل الذي قدمته مسودة الدستور المخزية.بل سيكون إستعماراً دستورياً.و تفتيتاً لمصر بنصوص دستورية غير مصرية . الدستور سيكون أداة تقسيم مصر إن لم يكن دستوراً مدنياً مرجعيته المواثيق الدولية و إعلان حقوق الإنسان الدولي.
كيف يمكن تأجيل تقسيم مصر لأبعد أجل ممكن؟
تكلمت من قبل عن ضرورة تشكيل مجلس للأقليات يدير الشئون الخاصة بكل أقلية في الأمور التي تتفرد بها الأقلية وحدها.و هو أمر يفيد جداً في إمتصاص التوترات الحاصلة
قلت وقتها أن مجلس الأقليات سيكون بمثابة المجلس الشرعي السياسي المجتمعي القانوني الذي يكفل تمثيل الأقباط في كافة أوجه الشئون الحياتية فيما عدا الدينية بالطبع الذي يمثل الأقباط فيه كنيستهم بإدارتها الكهنوتية.
ثم أضيف اليوم أنه يجب و فوراُ تعيين وزير في كل حكومة يسمي وزير الشئون القبطية .تكون كل مسائل الأقلية القبطية من وظيفته.له سلطة مطلقة في أي مجال يختص بالأقباط وحدهم. و يكون ممثلاً لهم و له حق الفيتو علي أي قرار يضر بمصالحهم.
له ميزانية لتنمية التجمعات القبطية الخاصة.و يختص بتقنين المناهج التعليمية الخاصة بالأقباط أو الجزء الذي يمسهم في المناهج العامة الأخري.
له وحده سلطة منح تراخيص الكنائس و الأديرة.و له وحده سلطة إقرار تغيير البيانات في الهويات الشخصية و التصديق علي شهادات تغيير الدين أو الملة.
له سلطة مراقبة تعيين الأقباط في الوزارات و المعاهد العلمية المختلفة.له سلطة رصد و تقرير حالة و طلب محاسبة محاسبة المسئولين الأقل من وزير في حالة إذا تعنتوا ضد قبطي.له أن يمثل ألأقباط في المجالات السياسية فقط دون الدينية.و نكون بذلك قد أرحنا الكنيسة من تثقلها بالدور السياسي الذي يفرض عليها أحياناً
أما في حالة تجاهل الأقباط كما هو حادث الآن فلا يلوم الأقباط أحد إذا هم إبتدئوا يفكرون بجدية في مصيرهم بعيداً عن تسلط الأغلبية المسلمة.لا يلومهم أحد إذا تخطوا الحدود بشكاواهم و طلبوا دعماً خارجياً لمظالمهم. و إتفقوا مع غير المصريين ضد مصريين يكرهون الأقباط.لا يلوم أحد الأقباط إذا وافقوا علي الإنسلاخ من هذه الشرنقة التي تحيط بهم مئات السنين.و وجدوا سلامهم و أمنهم في وجود حدود تفصل ما بينهم و بين أعداءهم الذين إعتبروا الأقباط عدواً ساذجاً و صيداً سهلاً و هدفاً ينشبون فيه سهامهم.
ليس التقسيم بعيد عن أفكار الأقباط لكنهم مشهورون بالصبر و الإحتمال .فلا تراهنوا علي صبرهم لأنهم أقوياء و ليسوا جبناء.ردوا حقوقهم إذا أردتم الخير لأنفسكم .لا تستقووا عليهم لأن الذي فيهم أقوي من الذي فيكم. لا تخدعكم سلطاتكم و لا إمكانياتكم فهم أغنياء في القوة عادلين في السيرة حكماء في التصرف و إذا غضبوا فهم أيضاً كالأسود.
و إذا كان التقسيم أمر لا مقر منه فالسؤال هو كيف تتقسم مصر ؟
لو حدث تقسيم في مصر فهو لن يبدأ بالأقباط و لن يحدث للأقباط أولاً .
لو تقسمت مصر فسيكون البدو هم أول من ينقسموا عنها بمساعدة حماس الإخوانية الإرهابية . ثم يتبعهم النوبيين بمساعدة دولية بقيادة أمريكا و إنجلترا و إسرائيل ثم يليهم الأقباط .ساعتها لن يستطيع أحد أن يقول أن الأقباط قسموا مصر لأن الحقيقة التي إستقرت علي مدي الأجيال أن الأقباط أحرص علي وحدة مصر من بقية الأعراق الأخري التي تعيش فيها .
أين يحتمل أن يوجد التجمع القبطي أو الدولة القبطية .
لا أعرف .... لكنني متأكد أنها لن تكون بالقاهرة الكبري و لا بالإسكندرية .فيتبقي لدينا إحتمالان . الأول هو تخوم النوبة و حتي أسيوط.مروراً بالسويس و البحر الأحمر .فيكون خليج العقبة هو منفذ الدولة الوحيد علي العالم الخارجي.
و تكون قناة السويس محل صراع طويل الأجل حتي يحسم.
تبعاً لتخطيط برنارد لويس فهو يضع الدولة القبطية جنوب بني سويف حتي حدود دولة النوبة الكبري المزمعة و التي هي جنوب مصر و شمال السودان في تجزئة جديدة للسودان و مصر.
لكن في موضوع مشتبك جداً و في منتهي التعقيد مثل موضوع التقسيم لا يوجد إطار واضح يمكن التنبؤ به فهو خاضع لتفاعلات من قوي داخلية و خارجية و نفوذ و قوي ضغط و تدخلات و تشابكات معقدة من المصالح المتضاربة.
كل ما يمكن القول به هنا هو مجرد أفكار معلنة و ليست بالضرورة الوقائع التي ستحدث علي الأرض.
يتبقي الحديث عن مصر علي باب التقسيم و هذا نرجأه إلي مقال آخر
و الآن نسند أفكارنا عند متكأ الراحة بعيداً عن فكر الإنقسامات.
حين وطئت أقدام السيد في مصر تهاوت أوثان العبيد.فعند قدومه ترتجف كل الأوثان.صنماً كانت أم بشراً.لأن نور الرب يزد الشمس ضياءاً و هو أيضاً يفضح الظلمة.
تأتي الأيام حبالي بالأحداث لكن وعود الرب حاضرة كل الأيام.يثبت قوته علي كل الأحداث.و يعطي للذين يثقون به سلطة لا تنغلب.
اليوم رأيت حبة الخردل.كم هي صغيرة.من صغرها عجزت أن أمسكها بين أصابعي.أهذا هو المقدار الذي يكفي من الإيمان لينقل الجبال؟ أهكذا أنت تهون علينا يا رب .إيمان مثل حبة خردل فقط. فإن لم يكن عندنا مثل حبة خردل فماذا يتبقي عندنا بعد؟ حبة خردل واحدة و ننقل كل جبال مصر؟
عميق أنت تخفف الحمل عنا و تحررنا من النير.أنت الذي لم يطيق أن يري شعبه تحت السخرة في مصر.لم يقبل أن يشربوا كأس الظلم حتي الثمالة .بل طأطأ السموات و نزل.أظهر قوته برعدة.فصار الخوف ملازماً لمن أساءوا إلي شعبه.و نام شعبه مطمئناً.
يا من بيده تاريخ الأمم.تقرر مصيرها. صفحات حياتها بيدك.تحييها و تفنيها .تعبر عليك كظل.إن أردت لا تكون فيما بعد.تجعلها كقصة.تتحاكي بها الأجيال التي تأتي.يقولون عنها هكذا صنع الرب و هكذا أراد.
ليس أمة لم تكن تحت سلطانك.ليس شعب إلا و أنت حاكمه.حتي المتمردين عليك تحكمهم.و إن إستنفذوا كل عملك معهم تغلق عليهم في اللٌجة.تطبق عليهم بأضابير الظلام.لا يسمع منهم و لا عنهم فيما بعد لأن الرب قد إنهي إفتخارهم.
هكذا تكتب تاريخ الشعوب.أنت أول من يكتب تاريخهم و آخر من يكتب.لا تترك أحداً يزيف التاريخ.فأنت صانع كرة الأرض و صانع دورانها.و ما بين الأرض و دورانها تصنع أيامها و أحداثها و تضع علي جدارها بصمة يدك.و تختم علي مقاديرها .و تعرف أسرارها.
يجتمع الرؤساء علي مسيحك فلا يكون نصيبهم سوي الإحتقار.تستهزئ بهم و هم في كبريائهم يتمشون.حتي يأتي قضاؤهم كالبرق.وقتها يتمرغ المفتخرون بين الدود.و لا يبصرون أصابعهم في الظمة الخارجية..
من يميل ليبيت وسط ديارنا .هو الغريب الصانع خلاصه في أورشليم.يميل عندنا و نتعشي.يكشف عن يداه المثقوبتان.يقسم الخبز و يشبعنا.فنخرج نهتف له مراراً.يتعجبون من جسارتنا.لا يعلمون أننا رأيناه.و سمعناه.و لمسته أيدينا.لذلك لا يهمنا إن إنقلبت الأمم.إن أخذت أطراف مصر في مخاض كالوالدة.
لا نخشي إنقلاب السدود.أو نقل الحدود.لا نخشي تهديدات الفارغين .يقسمون علينا و نحن لا نأبه.
يأتون من بعيد ليسألوننا بدهشة قائلين أين هم أعدائكم إذ هم ليسوا بموجودين.قد ذهبوا إلي الفناء و صاروا عبرة.
أنت يا رب جعلت أعدائنا يلتمسون رضانا.لأنك لم تقبل أن يستهين أحد بأولادك.أنت يا رب فخرنا و قد أكرمتنا جداً بين الشعوب.صنعت لنا تاريخاً مجيداً يسبحك.جعلت قلوبنا تفرح بملكوتك أكثر من كل شيء.
أنت أسقطت أفخر مجدهم.و هدمت أوثانهم فإرتجفوا كالغارقين.إجتمعوا علينا فشتتهم حتي جالوا يعترفون بأنك حامينا.و يخشون بأسك.
أنت عرفت مؤامراتهم .فضحت خزيهم.صاروا ساقطين في الوحل.و ضاع فخرهم.جعلتهم تحت أقدامنا سريعاً فيما كنا نظنك نائماً.إنتهرتهم و أرحتنا.لذلك نسبحك جداً.نرفع إسمك بإفتخار .يضيء عملك معنا أكثر من الشمس.نمجدك و سنظل نمجدك.يا رافع الأمم للقاءك.