د. خالد منتصر
احترقت مركب «حنان» التى حاربت من أجل الدفاع عنها وذاقت المر والهوان وقاست الأهوال فى رحلة البحث عن الرزق بها ، مركب زوجها الذى رحل شاباً وترك لها «ياسين» و «فرح» ، وترك لها الهم والقهر والوصاية ، هي تعرف كل تفصيلة عن أولادها ، ماذا يريحهم وماذا يتعبهم، ماذا يفرحهم وماذا يبكيهم ، قالت أمام المحكمة ما ظنته أنه مهم لإنقاذها من العقاب ،
قالت منبهة المحكمة بأن الملوخية «بتتعب ياسين» وان فرح « مابتنامش بسرعة « !!، ظننا أنها ستخرج من القفص لتصرخ صرخات جورج أبيض لتنتزع التصفيق والآهات، لكنها قالت ما تعرفه، الشيء الوحيد الذى مارسته بالفطرة ،الأمومة، قالت بكل عفوية وصدق، وباحساس الأم ، الرادار الذى لايخيب ، فعلت كل شيء من أجلهم ، ضحت بحياتها وحريتها وأمانها ،لكن الوصاية ليست لها عليهم !!!!!إنها الأم، الجنة تحت أقدامها فى السماء،والكلابشات فوق يديها على الأرض ،والسجن أمامها وخلفها ،
هو مصيرها لو فكرت للحظة أن تكسر ما توارثناه ووضعنا أعناقنا تحت مقصلته ،أطلقنا عليه تارة العرف ،وتارة المعلوم بالضرورة ،وتارة كلام العلماء، حنان سُجنت ،وياسين وفرح صارا يتيمى الأب والأم ،والمركب أحرقها الجمهور المحافظ على القيم ، الحارس للشرف ،الذى لا يرضى بأن تقود « حرمة» مركباً ،
صرخ فيهم تاجر السمك الجشع الذى يأكل حقوق الغلابة ، بأن يتحركوا وينتفضوا لشرفهم بسكب البنزين على مصدر رزق حنان ، الحمد لله ،هدأ الغوغاء، ونفذنا القانون على حنان والأمن صار مستتباً ،
حنان التى لم تذق لحظة حنان، انقطعت لحظات الفرح بعد أن خطف الموت عادل وأهدتها الحياة فرح ! ، صالح عم الأولاد لم يمارس الصلاح لحظة مع زوجة أخيه بل طاردها كالضباع عندما تطارد الفريسة، عندما أشرف أبوه على الموت فقط أصبح صالحاً ، يصلى فى الجامع ويمنح المتسول نفحة مال لكى يدعو للجد الوصى على ميراث حنان والأولاد،
لكن ذكاء صناع تلك الدراما الأيقونة ، أن صالح الشرير ليس هو شرير الشاشة التقليدى ،صاحب الوجه الواحد، لكنه يطارد نتيجة قلة الحيلة ،وفشله المزمن فى كل الأعمال التى يلتحق بها، سواء ورشة حدادة أو مركب صيد ، هو فقط يريد أن يجمع المهر وثمن الموبيليا ليتزوج، مسلسل « تحت الوصاية « لا يتحدث فقط عن حنان ،
لكنه يتحدث عن تاء التأنيث التى هى تحت الوصاية دوماً وبشكل مزمن، وصاية المجتمع، الجار، الذكر، العم، الخال، الأخ، المدرس، الداعية ...الخ لخصها المسلسل بذكاء فى قضية تعانيها كل زوجة توفى زوجها وترك لها أطفالاً قصرا، لم أتعرف على تلك القضية من خلال الشاشة ، لكنى رأيتها ولمستها وعرفتها من خلال واقع ،
على سبيل المثال، إحدى الصديقات حكت عن مأساتها بعد رحيل زوجها تاركاً لها بنتاً واحدة، بداية دخل فى الميراث الأعمام وأولاد الأعمام وأخذوا نصيبهم كاملاً وقبضوه دون المرور على المجلس الحسبى الذى يضع يده على ميراث القصر، وبنتها كانت قاصراً فى سن الحادية عشرة، وستنتظر على هذا الوضع عشر سنوات حتى تصل الى سن الحادية والعشرين، أرادت أن تدفع مصاريف المدرسة فذهبت للمجلس الحسبي، سألوها هناك لماذا المدارس
الانترناشيونال؟!!، اذهبى بها للحكومي، أرادت كسر شهادة فى البنك رفض البنك، رغبت فى التصرف فى عقار لفك الأزمة، ممنوع، بعد شد وجذب ومشاوير ومحامين، قرر لها المجلس عشرة ألاف جنيه كل ثلاثة أشهر!! هذه مجرد حكاية من مائة ألف حكاية، تفاصيلها فى منتهى المرارة، مسلسل « تحت الوصاية» دانتيلا من الشجن النبيل
، وطرقة معول على التبلد الاجتماعى الذى يبديه البعض تجاه مشاكل المرأة، فعلتها منى زكى وأيقظتنا وصدمتنا، منى ألفة جيلها ،المغردة خارج السرب ، كتبت عنها من قبل منذ مسلسل أفراح القبة ثم لعبة نيوتن أنها تخطو بثقة نحو العالمية، أداء تمثيلى متمكن، تستطيع الإلمام بخيوط الشخصية بهدوء ودون أڤورة، تملك ثرموستات الانفعال بمنتهى المهارة والذكاء والإحساس، خرجت من إطار المشخصاتية وصارت لها فلسفة وثقافة ورأى وبصمة، أما المخرج محمد شاكر خضير فهو المايسترو للأوركسترا الفنى العبقرى الذى جذبنا على مدى الـ١٥ حلقة ،
عينه الفنية فى منتهى الذكاء ، قيادة حكيمة وسيطرة والمام بطبيعة المكان وكل تفاصيله، فنان احساسه عال جداً، ومتمكن من أدواته وحرفته بامتياز، سواء فى حركة الممثل أو فى اللقطة أو الكادر أو الإضاءة، كل عناصر العمل كانت تدار منه بامتياز ،كل الممثلين كانوا عمالقة ، دياب البارع الذى يرسخ أقدامه يوماً بعد يوم ،رشدى الشامى عم ربيع الذى كان فى خريف العمر لكنه كان نسمة الربيع فى محنة حنان، ثلاثى البحارة خالد كمال وعلى صبحى وأحمد عبد الحميد ، على الطيب، و بالطبع أحمد خالد صالح الأستاذ زكريا الذى انتقل من النقيض للنقيض لأنه انسان وليس كاراكتر مصنوعا أو مفتعلا، أما مصممة الملابس ريم العدل فهى نجمة تقف الى جانب نجوم العمل ،لأننا لمسنا الشخصية وروحها ببصمات ولمسات ريم، شكراً لشركة المتحدة وميديا هب على وجبة المتعة والجمال والصدق التى أهدتها الينا فى رمضان.
نقلا عن الاهرام