فاطمة ناعوت
شيّد مسلسل «جعفر العمدة» بناءً دراميًّا متسامحًا مع فكرة «تعدد الزوجات»، وبالتدريج، وبسبب جمال العمل، ولأن لكل زوجة لونًا ومذاقًا، بدأ الناسُ يتعايشون مع الفكرة، ثم يتقبلونها، وما إن بدأ الناس فى الاندماج مع نسيج التعدد، إذا بالمسلسل ينقلبُ على الفكرة ويهدمها فى الحلقات الأخيرة، وينتصرُ لحق المرأة ومبدأ: «الزوجة الواحدة»، على نقيض ما فعل مسلسل «عائلة الحاج متولى» ابن عام ٢٠٠١، الذى انتصر للنهاية السعيدة بالزوجات الأربع!.
من جديد يثبتُ الفنان «محمد رمضان»، أنه ممثلٌ من الوزن الثقيل، فى منطقة خاصة. نجح خلال هذا العمل فى حشد الجماهير، من مختلف الأعمار والطبقات والمستويات الثقافية، حول شخصية «جعفر العمدة»، المعلّم ورجل الأعمال الذى يحمل من لقب العائلة صفاته، فكان بمثابة «العمدة» للحارة يقضى بين الناس فى النزاعات ويحتكم الناسُ بأمره لرجاحة عقله ومهابته عطفا على قوته الجسمانية. خلال العمل يقدّم «جعفر» تبريرًا لزيجاته الأربع، حتى خِلنا أن العمل يتشابه مع «الحاج متولى»، فى تكريس تعدد الزوجات، لكننا فى الأخير نكتشف أن المسلسل ينتقد التعدد، وينادى بالزوجة الواحدة.
نجح «محمد سامى»، مؤلف العمل ومخرجه، فى بناء حالة مجتمعية شديدة الخصوصية فى حيّز مكانى منغلق، على اتساعه، فى حى «السيدة زينب». وساعد الديكور والإضاءة فى إضفاء لمسة من الأسطورية وكأنك تُطلُّ من كتاب «ألف ليلة وليلة» على الحارة والبيت الكبير الذى يضم مكتب «المعلم جعفر» فى الطابق الأرضى، تعلوه بضعة طوابق، فى واحد منها شقة الزوجات الأربع، وفى آخر تقع شقة الأم «صفصف»، التى كانت بمثابة «الملكة» فى تلك المملكة، وأدت دورها بمنتهى البراعة وخفّة الظلّ النجمة المدهشة «هالة صدقى»، ثم شقة الشقيقة وزوجها، الذراع اليمنى والصديق المخلص للمعلم جعفر، ثم شقة للشقيق الأكبر «سيد العمدة» ضعيف الشخصية والذى هدمته زوجته الطامعة الخؤون، وأما الطابق العلوى فيضم شقة «جعفر»، عميد تلك الإمبراطورية، الذى يضع فى إصبعه أربع دبلاتٍ فضية، مصفوفاتٍ فى ترتيب تحمل كلٌّ منها اسم زوجة وفق الأقدمية. وفى شقته هذه يستقبل كل ليلة واحدة من زوجاته وفق جدول زمنى مكتوب بالطبشور على سبورة فى شقة الزوجات.
وتنتظر كل زوجة ليلتها بشغف وترقب وفرح. رسم السيناريو للزوجات طعومًا مختلفة ونكهاتٍ خاصة، جعلنا، نحن المشاهدين، نحبّ كلًا منهن بطريقة تناسب شخصيتها. الزوجة الأولى: «ثريا»/ «مى كسّاب»، امرأة بسيطة خفيفة الظل رغم حزنها الدفين على ابنهما الأوحد الذى اختُطِف يوم مولده منذ ١٩ عامًا، وينطلقُ الصراعُ الدرامى حول رحلة البحث عن الابن المفقود، الذى أدى دوره ببراعة الفنان «أحمد داش»، فقدم نموذجًا للشاب العصامى الجاد. وبسبب فقد الابن، يمنع «جعفر» زوجاته من الإنجاب. الزوجة الثانية: «دلال»/ «إيمان العاصى»، امرأة ذكية تهتم بجمالها وأناقتها وهى الحب الأوحد لجعفر، ولولا تعثر زواجهما مبكرًا، ما لجأ إلى الزواج من الأولى، ولهذا كانت تشعر بأحقيتها منفردة فى الزوج، وهو ما دفعها لارتكاب جرائم مخيفة لا تتكشّف إلا فى نهاية المسلسل. وأما الزوجة الثالثة، فهى «نرجس»/ «منّة فضالى»، فاكهة البيت الظريفة بما تصنعه من مكائد وأسحار لاكتساب قلب زوجها. وفى الحلقات الأخيرة سيكون لها السبقُ فى إضاءة أول مشعل تنوير حين تنسحب من «ماراثون» الزيجات، وتطلب الانفصال عن زوجها، رغم حبها له، وكذلك تفعل الزوجة الرابعة، «عايدة»/ «زينة»، ابنة الجامعة الأمريكية وحى الزمالك التى تتزوج جعفر لصفقة، ثم ترد له أمواله وتتركه، رغم حبها له.
تلك هى الرسالة التى يقدمها لنا المسلسل. البسيطة «نرجس»، التى لم تنل حظًّا من التعليم، شعرت بإنسانيتها وقررت الخروج من سباق «الضرائر»، لأنها تستحق ما هو أكرم من أن تكون سطرًا فى جدول زمنى، تتنافس فيه مع أخريات على ليلة تفوز فيها بفِراش زوجها، وقبل أن تغادر البيت، أمسكت بالباشاورة ومسحت اسمَها من الجدول، لتتنفس نسيم الفردانية والانعتاق والاعتداد بالنفس. وفعلت الأمرَ نفسَه «عايدة»، خريجة الجامعة الأمريكية، فهجرت ذلك السباق، وضحّت بالثروة الهائلة: ٤٠ مليون جنيه، التى أمهرها بها زوجها، وردتها إليه، لكى تستردّ نفسَها. وقبل هاتين الزوجتين اللتين رفضتا أن تكونا رقمين فى جدول، كانت أم الزوج، المستنيرة على بساطتها، الرافضة للتعدد، وكان مثالُها زوجها الراحل الذى لم يعدد عليها.
عقدان من الزمان فى مشوار التنوير يفصلان بين عملين دراميين ناجحين، تسامَح الأولُ مع فكرة تعدد الزوجات: «عائلة الحاج متولى»، ونافحه الثانى: «جعفر العمدة»، بهدوء ودون تشنج ولا مباشرة، لولا المشهد الختامىّ الذى يحنُّ فيه الزوج إلى ماضيه، والذى أخذناه على محمل المزاح، رغم جديته. وأما الرسالة الختامية الجميلة فكانت اقتراب «جعفر» من الله وهجره المتاجرة بعوّز الناس بالمراباة. تحية لصناع العمل الجميل.
نقلا عن المصرى اليوم