الأنبا موسى
تهانينا القلبية لإخوتنا فى الوطن بعيد الفطر المبارك، راجين للجميع تمام الصحة والسلامة.
 
لاشك أن هذا القرن الجديد شهد وسيشهد تحديات اقتصادية كثيرة وكبيرة، نذكر منها على سبيل المثال:
 
1- تزايد معدلات البطالة: حيث يتزايد عدد السكان فى العالم، وبخاصة فى الدول الفقيرة. وحتى فى الدول الغنية بدأت معدلات البطالة تزداد بسبب الميكنة، والتكنولوجيا الحديثة، والروبوت، إذ تستطيع الماكينة أن تستغنى عن عشرات ومئات العمال، بعد عمليات التحديث والحوسبة (Computerization). وبسبب التكنولوجيا الحديثة قيل إن هناك بعض المهن التى ستختفى قريبًا.
 
على سبيل المثال منها: بعض الأطباء، وموظفى البنوك، وبعض المدرسين، وعمال التجميع، العاملين بالمصانع والمزارع، والترجمة و.. إلخ. وأكثر من ذلك أصبح الروبوت لا يقتصر على المصانع وبعض الأعمال فقط، بل سيدخل ليحل مكان الطبيب، ومكان المذيع، وقيل إن الصين حاليًا تستعين باثنين من الروبوتات لقراءة نشرات الأخبار، وبهذا تستغنى عن المذيعين.. فالذكاء الاصطناعى فى بعض الوظائف سيكون بديلًا عن العمل الذى يقوم به البشر، وكل هذا بدوره سيؤدى إلى زيادة معدلات البطالة.
 
2- ضرب المنتجات المحلية: وذلك من خلال اتفاقية التجارة العالمية (الجات)، وكيف أجبرت كافة الدول على فتح حدودها للسلع الأجنبية، مما عرّض الناتج المحلى والصناعات القومية لخطر الركود، إذ تضافرت مجموعة من الشركات العالمية متعددة الجنسيات، والغاية فى الضخامة والثراء، على فرض منتجاتها بأسعار رخيصة، وإغراق الأسواق المحلية بمنتجاتها الجيدة، مما ضرب سوق البضاعة المحلية بالركود.
 
وتم إغلاق عدد من الشركات والمصانع المحلية. وبعد حين.. وبعد ضرب الصناعة المحلية.. تحتكر الشركات العالمية المنتجات وترفع أسعارها كما تشاء. وهذا بدوره يهدد الكثير من العمال والموظفين بالبطالة.
 
3- تنامى الاتجاه نحو الخصخصة: مما اضطر الدولة إلى التخلى عن أهم أدوارها الاجتماعية، إذ يتم بيع القطاع العام إلى شركات وطنية أو أجنبية، تطبق سياسات القطاع الخاص على العمال والموظفين، والاستغناء عن الكثيرين منهم.
 
ومع أن القطاع العام سياسة فيها الكثير من العيوب بسبب الفساد والإهمال، إلا أن دوره مهم فى تحجيم الأسعار وحصانة العمالة لمصلحة محدودى الدخل. وذلك يستدعى تدخل الدولة- أثناء مسيرة الخصخصة- فى رعاية العمال ومحدودى الدخل، بواسطة قوانين تحميهم، وضرائب تصاعدية ترعاهم.
 
4- سيطرة رجال الأعمال على السياسة: وهذا أمر مهم، إذ تساعدهم قدراتهم المادية على دخول الانتخابات والفوز فيها ليأخذوا بزمام التشريع والقرارات المهمة فى أيديهم، مما يحفظ لهم مصالحهم، ربما دون رعاية لمحدودى الدخل، وهذا ما نراه واضحًا فى الولايات المتحدة.
 
5- سيطرة المال على وسائل الإعلام: بحيث تصير الإعلانات هى المصدر الرئيسى لشاشات التلفزيون والإنترنت، وتتراجع قيم الدين والأخلاق والأسرة إلى الخلف، مفسحة المكان لأفلام منحلة، ومواد إعلامية مدمرة، تخاطب الغرائز، وتنشر الرذيلة. والكتاب المقدس يقول: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِى تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغرِقُ النَّاسَ فِى الْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ». (تِيمُوثَاوُسَ الْأُولَى 6:‏9).
 
6- شهوة الثراء السريع: إذ تتصاعد قيمة المال أمام الأجيال الصاعدة، وتتراجع قيمة الغنى الروحى والقناعة والالتزام بالمبادئ السليمة، الأمر الذى يُعرِّض الشباب لتبنى مبادئ منحرفة مادية، وأهداف أرضية محضة، دون اهتمام بحياة الروح أو خلود الملكوت. ويقول سليمان الحكيم: «غِنَى الْبُطْلِ يَقِلُّ، وَالْجَامِعُ بِيَدِهِ يَزْدَاد». (أمثال 11:13). «كُنُوزُ الشَّرِّ لا تَنْفَعُ». (أمثال ١٠:‏٢).
 
7- تفشى الفساد وغياب القدوة: حينما يتربع المال على عرش القلب، فتفسد ذمم بعض كبار المسؤولين، فيتربحون من وظائفهم، ويفرضون بالمال نفوذهم، وهذه أمور تضغط على نفسية الشباب الفقير، أو محدودى الدخل، وهم الغالبية، مما يُحدث حراكًا اجتماعيًّا خطيرًا، وينشر أفكار التطرف والتمرد والثورة لديهم. والكتاب المقدس يعلمنا: «لتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ لأنَّهُ قَالَ: لا أُهْمِلُكَ وَلا أَتْرُكُكَ». (عب 5:13).
 
8- تزايد صور الإسراف المستفز: وتعاطف بعض الصحف مع احتفالات ومناسبات الأثرياء، فى الزواج والفرص العائلية، بسبب ما يدفعه هؤلاء من أموال، الأمر الذى يستفز شبابًا لا يجدون فرصة عمل، ولا فرصة زواج!!. وكم نتمنى أن تراعى الصحف القومية والمعارضة والمستقلة هذا البُعد الاجتماعى الخطير، الذى يقود الشباب إلى الإحساس بالمرارة، والرغبة فى التمرد، ويقول الحكيم سليمان: «بَرَكَةُ الرَّبِّ هِى تُغْنِى». (أمثال ١٠:‏٢٢).
 
هذه بعض صور التحدى الاقتصادى الوافد، مع ثقافة السوق الحرة، التى لها- بلاشك- ثمارها الاقتصادية المهمة، ولكنها تحتاج إلى ضوابط اجتماعية ومادية حتى لا تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يهدد الأمن الاجتماعى والسياسى والقومى.
نقلا عن المصري اليوم