محمود العلايلى
إستوقفنى منشور(بوست) على ًصفحة أحد الأصدقاء على تطبيق فيس بوك، وكان هذا المنشور يتناول تصريحا لشيخ الأزهر فيما يتعلق بالطلاق الشفهى، قال فيه: "من يطلق زوجته طلاقا بدون إشهاد فطلاقه واقع، والقول بعدم وقوع الطلاق الشفهى المستوفى لشروطه مخالف لما استقر عليه جمهور فقهاء أهل السنة، ولا نستطيع الإفتاء بعدم وقوع الطلاق الشفهى دون إشهاد أو توثيق وهذا الرأى مخالف لجمهور المسلمين"، حيث يأتى تصريح فضيلته فى سياق الرد على محاولات الدولة فى إقرار قانون يحتم ألا يعتد إلا بالطلاق الموثق.

والواقع أنه ليس مجالنا الجدل حول ما أجمع عليه جمهور الفقهاء، وما خالفهم فيه أحدهم أو بعض منهم، ولكن الأهم أن نسأل بشكل مباشر، لماذا يتم الأخذ بمعطيات المجتمع الحديث فى بعض الأمور، بينما لا يتم الأخذ بغيرها فى نفس السياق أو غيره، فإذا كان هذا التصريح يؤكد حدوث الطلاق طالما خرجت الكلمة من فم الزوج تبعا لما استقر عليه جمهور أهل السنة، فلماذا لا نعتد بالزواج الشفهى أيضا كما كان يحدث فى مجتمعات  جمهور أهل السنة نفسهم، حيث أنه من المؤكد أن جمهور أهل السنة لم يجمعوا على لزوم الإجراءات الإدارية التى يستلزمها الزواج فى المجتمع الحديث.

إن الزواج منظومة إجتماعية لا تنحصر مسؤولياتها على علاقة الفراش بين الرجل  والمرأة، ولكن تنسحب تلك العلاقة على مراكز قانونية يكتسباها نتيجة عقد الزواج، كما تنعكس على أوضاع إجتماعية يفرضها عليهما علاقة زواجهما، ومع تطور المجتمع وتعقيدات الحياه صار لزاما أن تتم كل العلاقات التى يتمخض منها مراكز قانونية جديدة تحت مظلة قانونية، وفى إطار إدارى يحفظ لكل طرف متداخل فى تلك العلاقة حقه وحق زوجه.

إن الإستناد على أن عقد الزواج الحديث هو عقد دينى كلام لا يتفق مع الواقع، لأن الزواج شأن مدنى بامتياز يتم إقراره وتوثيقه فى مصلحة الأحوال المدنية، ويقوم بذلك شخص يقال له "المأذون" يقوم بتلك الإجراءات بوكالة عن مصلحة الأحوال المدنية فى إجراء ليس فيه من الدين إلا شكل المأذون إذا إرتدى زيا أزهريا، بينما فى الغالب يأتى بالقميص والبنطلون، بالإضافة إلى بعض العبارات الدينية المحفوظة والأدعية التى يكون الزواج قانونى بدونها من الأساس.

إن مقومات الدولة الحديثة لا تقتصر على إعمال العلوم التطبيقية فقط، ولكن باللجوء لكل ما فى مقومات الحداثة من تنظيم الدولة وتشريع قوانينها بحسب حركة المجتمع وتعقيداته وتطوره، وتطبيق تلك القوانين بشكل مجرد دون أن يكون هناك كوابح من أفكار مجتمعية تاريخية، أو تتنافر من سلطات تعتبر أنها تمتلك الحقيقة رغما عن مجهود المشرعين وعلوم القانونيين ومعارف علماء الإجتماع، والأهم تعطيل حركة المجتمع الذى يتحرك ويتطور ويتعقد كل يوم عن اليوم الذى سبقه.

إن الطلاق الشفهى ليس شأن فى سياق منفصل، ولكنه نموذج لإهدار أنماط القواعد القانونية والإدارية المعتبرة فى المجتمع، التى تحافظ على المراكز القانونية المكتسبة نتيجة عقد الزواج الموثق، والذى لايمكن إنهاءه إلا بعقد موثق يلغيه يسمى وثيقة طلاق، وإلا كان من المتاح أيضا أن يتم الزواج شفهيا ثم الطلاق بحسب نفس الطريقة، ويتحول المجتمع إلى فوضى لايمكننا معها تحديد المتزوجين من المطلقين، وما يستتبع ذلك من مشاكل إجتماعية على أقل تقدير، ومشاكل قانونية فى كل الأحيان.

إن عجلة المجتمعات الحديثة ستدور بنا أو بدوننا، فقوانين ودساتير القرن الماضى يتم تعديلها وتحديثها فى العالم كله، فما بالنا بآراء فقهاء ماتوا منذ مئات السنين عاشوا فى مجتمعات عصورهم، إلا أننا نصر أن يشرعوا لنا وينظموا حياتنا ونحن داخلون على الربع الثانى من القرن الواحد والعشرين.
نقلا عن المصرى اليوم