حنان مفيد فوزي
أنا لا أعرف الدكتور محمد طه عن قرب، وأظنه لا يعرفنى أو ربما قرأ لى بالصدفة مقالا أو اثنين، ليس هذا مهما، بل الأهم أنى مدينة له بمعروف صنعه معى دون أن يدرى، فمن خلال متابعتى لكتبه المتنوعة وضعنى فى مواجهة مع نفسى، ومن بعدها تألمت فتعلمت ودفعت ثمن الوعى بالكامل، وانتصرت على ذاتى. واليوم أشارككم التجربة لنقرأ ما يقوله الدكتور محمد طه فى مجمل كتبه حتى تعم الاستفادة ونتكامل جميعاً..

العلاج النفسى له أشكال وألوان وأنواع، بعض أنواع العلاج النفسى تتعامل مع الأعراض المرضية وتهدف إلى إزالتها، وأنواع ثانية تتعامل مع المنظومة المعرفية والسلوكية للمريض فى محاولة لتعديلها وتغييرها للأفضل والأنسب، وأنواع ثالثة تقدم الدعم النفسى للمريض وتهتم بتقوية دفاعاته النفسية الموجودة بالفعل. لكن هناك أنواعا أخرى مهمة من العلاج النفسى لا تقف عند اختفاء الأعراض المرضية وليس كل همها تعديل المنظومة المعرفية والسلوكية للمريض ولا تحاول بشكل مباشر تقوية دفاعاته النفسية، العلاج فى هذه الأنواع تحديداً هدفه بيكون تفكيك البناء النفسى المرضى بالكامل وإعادة تكوينه من جديد، أى هدم الهرم المتآكل بسوس الصدمات النفسية المتتالية ثم بنائه على أساس قوى، بمعنى تغيير شامل للشخصية وإحدى أهم وسائل هذا العلاج هو الوعى، وهنا يبدأ الإنسان رحلة الوعى باحتياجاته التى كان ينكرها ومخاوفه التى كانت تمنعه من المطالبة بهذه الاحتياجات، بعدها يتعلم حقوقه النفسية ثم يكتشف خطأ القرارات التى اتخذها فى حياته عن جهل ويبدأ تغييرها.

الوعى فى هذه المرحلة من عمر الإنسان، يرشده إلى الوضع الأصح والأبقى، يدخله منطقة الاستيعاب لمفهوم احتياجه إنه يتشاف ويتقبل ويتحب كما هو بدون شروط أو خوف من عقاب الآخرين، وإن من حقه يتصدَق ويُحترم ويُهتم به مش فضل منهم، وبالطبع لكل استيعاب اكتشاف، وهنا ينتبه أنه دفن نفسه الحقيقية واستبدلها بنفس مزيفة كل هدفها أنها تتأقلم مع الظروف وتتكيف مع القليل المتاح ومع العلاج الأعمق هيبدأ الإنسان يحس تانى باحتياجاته المدفونة ويخَرج المارد من القمقم ويقول بأعلى صوت (لا) ويتحسن ويتعافى من هذا الجوع للاهتمام والنهم الحثيث للدعم والتشجيع، المشكلة فقط أن هذه المرحلة بيمر بها أزواج كتير وتحديداً الذى يبادر برحلة الوعى بينما الآخر لايزال عايش فى عصور الجاهلية النفسية اللى اتربى فيها وساكن فى جحور مجتمع ما قبل التاريخ فيحدث انفصال لأن العلاقة مش متوازنة بين زوج متحجر نفسياً وزوجة بتنضج روحياً، هو متقوقع حواليه نفسه وهى منفتحة على الحياة وبالتالى أصبحوا غير مناسبين لبعض ومسألة الوعى لا تقف عند حدود علاقات الأزواج فقط، دى ممكن تشمل كل العلاقات على سبيل المثال علاقة الإنسان بأبيه وأمه، والتأكد أن البر الحقيقى بهما هو أنه يكون نفسه مش إنه يسلمهم نفسه، هناك فرق أيضاً علاقة الإنسان بربه واكتشافه إنه كان بيعبد أصنام نفسية خاوية رغم ضخامتها وطقوس ما هى إلا مجرد عادات ينقصها الإيمان والسلام ويبدأ يسأل ويدوّر ويختبر ويراجع كل المسلمات مهما كانت درجة ثباتها.

وهذا الزلزال النفسى يهز الكيان من كل الجهات، هذا الانفجار الروحى ملىء بالأحزان والوعود، هذا البركان الهائل من الاحتياجات والمطالب والحقوق والقرارات تبعث الحياة من جديد على أسس متينة لكن الثمن غال، من الوعى هو المراجعة بلا هوادة، ثمن الرؤية هو إعادة النظر فى كل شىء، ثمن النور هو الخروج من كهوف الظلام المسماة مناطق الراحة، ثمن العلاج النفسى العميق قد يكون الانفصال أو يغير وظيفة أو اعتزال بعض الناس، ومش بالضرورة العلاج النفسى العميق يكون تحت إشراف أطباء أو أدوية، البداية ممكن تكون من الإنسان نفسه، من مبادرته لاكتشاف نفسه، من الاطلاع على المعلومات والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، من الكورسات الأون لاين، من السفر المعرفة الإنسانية تتضاعف كل عدة سنوات بشكل لم يسبق له مثيل، فى التاريخ والمعلومات المتاحة لأبنائك حالياً هى أضعاف أضعاف المعلومات اللى كانت متاحة لك وإنت فى عمرهم، هناك شلالات يومية من الاكتشافات تنهال على العقول والقلوب والأنفس. الكل فى حركة كونية تصاعدية من الوعى الإنسانى الذى يتمدد ويتوسع ويتعمق ومع كل نبضة وعى فيه احتياج مدفون بيكتشف مع كل رؤية جديدة فيه خوف قديم بينهار، مع كل لمعة عين فيه حق أصيل بيطالب بيه، ومع كل ضربة قلب فيه قرار جديد بالحياة، ومع كل دُول فيه ثمن بيدفع، بيتحول فيه البنى آدم إلى بنى آدم تانى ينتمى إلى عالم جديد أفضل.

يا تكون قد ثمن الوعى، يا بلاش تبدأ الرحلة من الأساس.
نقلا عن المصري اليوم