بقلم /ماجد كامل
يوجد للقديس مكاريوس الكبير أكثر من خمسين عظة منسوبة إليه ؛وكان أول من أهتم بنشرها وتحقيقها عالم فرنسي يدعي يوحنا بيكوس ؛وكان ذلك عام 1559 ؛وتوجد نسخ من هذه العظات محفوظة في متحف باريس ؛ وبعض المكتبات العالمية الأخري ؛ولقد نشر عالم يدعي أرنولد ترجمة ألمانية لجميع هذه العظات نشرت عام 1702 ؛ وأعيد طبعها مرة أخري عام 1819 ؛ ثم ترجمت مرة أخري إلي اللغة الألمانية ترجمة حديثة قام بها العالم الألماني برثولد في برلين عام 1973.
وتوجد ترجمة فرنسية حديثة لهذه العظات نشرها الأب" بالسيد ديزاي " من أحد الأديرة في بلجيكا ؛مع مقدمة طويلة يشرح فيها منهج هذه العظات ؛وكان ذلك عام 1984 . كما صدرت عدة ترجمات إلي اللغة الإنجليزية أحدثها صدرت عام 1978 بعنوان "السكاري بالله " Intoxicated with God وهو عنوان أحدي العظات الخمسون . وقام بها العالم الأمريكي جورج مالوني .
أما عن الترجمة العربية لهذه العظات ؛ فتوجد ترجمة لها قديمة عن اللغة الانجليزية لاتحمل تاريخا محددا ربما ترجع لأواخر القرن التاسع عشر تقريبا ؛ ثم أعاد يوسف بك منقريوس أول مدير للكلية الأكليركية الحديثة طبعها عام 1901 ، كما قام الاستاذ يوسف حبيب بنشر شذرات مطولة منها في كتيب صغير له صدر عام 1968 ، ثم قام الدكتور نصحي عبد الشهيد بترجمتها ترجمة حديثة أكثر سهولة ويسرا وبساطة ؛وصدرت عام 1978 . وأخيرا أصدر دير القديس أبو مقار ترجمة كاملة لها عن الأصل اليوناني ، قام بالترجمة الراهب يونان المقاري ، وراجعها المتنيح الأب يوحنا المقاري والأب الراهب وديد المقاري تحت إشراف المتنيح نيافة الانبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار .
ولقد أثرت هذه العظات في رهبان جبل آثوس باليونان ؛كما تأثرت بها الكنائس البيزنطية ( بلغاريا وصربياو سلوفاكيا وأوكرانيا وروسيا ورومانيا .... الخ ) كما تأثر بها الرهبان الفرنسيسكان وعلي رأسهم مؤسس الرهبنة فرنسيس الأسيزي(1181- 1226 ) نفسه ؛ وأمتد تأثيرها إلي حركة المصلحين البروتستانت في القرنين السابع والثامن عشر فيما عرفوا في التاريخ بالتقوييين Pietists .
وسوف نحاول أن نقرا ولو قليلا من هذه العظات ؛ففي أحد العظات التي وجهها إلي الرهبان يحضهم فيها علي المحبة والسلام بعضهم نحو بعض قال ( إن أحببتم بعضكم بعضا فأن الله يسكن فيكم . وإن كان في قلوبكم شر فلن يسكن الله فيكم ؛ أحفظوا أذانكم من كلام النميمة لتكون قلوبكم نقية . ( وفي عدم الغضب يقول ( وأنا أطلب إليكم بكل قلبي ؛أن لا تغيب الشمس علي غضبكم ؛ولا يبيت أحد وفي قلبه غل أو حقد من نحو أخيه ؛ فهل يعلم إن كان يدركه الآجل المحتوم في تلك الليلة فيمضي إلي الرب وهو ملوث القلب ؛نجس الفكر ؛ فيضيع تعبه ويذهب خاسرا الدنيا والآخرة فإن غضب أحد علي أخيه وأخوته فلا يستريح له بال قبل أن يصالحه بمحبة ) ـوفي الحث علي العمل والنشاط قال لهم ( لاتستسلموا للانحلال والكسل لئلا تندموا يوم القيامة ؛لنعمل مادام لنا وقت فمن لا يعمل ويتعب حقله في وقت الشتاء لن يجد في الصيف غلة بها يملأ مخازنه ليقتات بها ).
وفي أهمية التجرد عن حب المقتنيات كتب قائلا ( إن الإنسان الذي يحزن علي فقد شيء منه ليس كاملا بعد . إن الشياطين تحترق عندما تري إنسانا غير ملتفت إلي فقدان مثل هذه الأشياء وغير متأسف عليها إذا فقدها ) وفي تحمل الشتائم الاهانات كتب يقول( أن الشياطين إذا رأت إنسانا قد شتم أو أهين ؛ ولم يغتم بل احتمل بصبر وجلد ؛فإنها ترتاع منه ؛لأنها تعتقد وتعلم أنه سلك في طريق الله) .
وفي ارتباط الفضائل وتكاملها بعضها مع بعض كتب يقول ( كل فضيلة مرتبطة بالأخري مثل سلسلة روحية ؛فالصلاة مرتبطة بالمحبة ؛والمحبة بالفرح ؛ والفرح بالوداعة ؛والوداعة بالتواضع ؛ والتواضع بالخدمة ؛ والخدمة بالرجاء ؛والرجاء بالإيمان ؛ والإيمان بالطاعة ؛ والطاعة بالبساطة . وكذلك من الجهة الأخري فإن الرذائل مرتبطة بعضها ببعض. فالبغضة مرتبطة بالغضب ؛ والغضب بالكبرياء ؛ والكبرياء بالمجد الباطل ؛ والمجد الباطل بعدم الإيمان ؛وعدم الإيمان بقساوة القلب ؛ وقساوة القلب بالإهمال ؛ والإهمال بالكسل ؛ والكسل بالضجر ؛ والضجر بعدم الصبر ؛ وهكذا اشكال الرذائل هي بالمثل متعلقة بعضها ببعض ؛كما أنه من الجهة الصالحة فإن الفضائل متعلقة بعضها ببعض ومرتبطة معا ).