روى أبطال انتصار السادس من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان ذكرياتهم مع الانتصار المجيد، وكيف كانوا يعدون الأيام والليالى للثأر واسترجاع أرض الوطن.
ووجه أبطال انتصار أكتوبر والعاشر من رمضان رسالة لكل المصريين، من خلال «الدستور»، شددوا خلالها على أنهم تركوا مصر محررة لآخر ذرة تراب فيها، ما يتطلب من الجميع إنه «يخلى باله منها ويحطها فى عينه».
اللواء نصر سالم: مهمتى امتدت 180 يومًا بدل 6 أيام.. وحماسى جعلنى أظن أنى فقدت قدمى
قال اللواء أركان حرب نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، والذى خاض حرب أكتوبر برتبة ملازم أول، إنه عمل خلال الحرب كضابط استطلاع، بعد أن دفعت به طائرة هليوكوبتر فى يوم السادس من أكتوبر ليهبط فى منطقة تبعد عن القناة نحو ١٠٠ كم، ومنها كان يجب قطع مسافة أخرى سيرًا على الأقدام من ٥٠ إلى ٦٠ كم للوصول إلى المنطقة المنشودة «الهدف».
وأضاف: «عندما وصلت إلى الهدف أبلغت عن العدو الذى كان موجودًا فى المنطقة، وكان عبارة عن لواء مدرع إسرائيلى، فضربته قواتنا الجوية يوم ٧ أكتوبر، وكنت موجودًا بالقرب منه، وتم تدمير أكثر من ٣٦ دبابة لديه، وفى هذه الليلة لم يتحرك اللواء، بل تم إمداده بدبابات أخرى لتعويض الخسائر، ثم استعد للتحرك يوم ٨ أكتوبر للهجوم».
واستطرد: «فى الرابعة عصرًا من اليوم التالى، وهو نفس التوقيت الذى ضربت فيه القوات المصرية، شاهدت الدبابات التى كانت مصطفة استعدادًا للتحرك، وهى تنتشر بسرعة وتهبط إلى الحفر وتتخبط فى بعضها وتنفجر، وتوقعت مع زملائى وقتها أن يأتى الطيران المصرى لدكها من جديد، لكن من جاء كان طائرات سكاى هوك إسرائيلية، وليست الطائرات المصرية، لكن الخوف من المصريين هو ما صنع حالة الرعب والهلع».
وتابع: «من موقعى الذى يبعد ١٠٠ كم عن القناة، كنت أراقب محورين رئيسيين يتجهان من ناحية العدو فى اتجاه قناة السويس، وكان هناك محور عرضى يربط بينهما، وأيضًا كان هناك مطار يقع فى منطقة عملى، وكنت أراقبه وأبلغ عن أى استعدادات موجودة فيه، وبالفعل ضربته القوات الجوية المصرية ٣ مرات بناء على المعلومات التى قمت بإمدادهم بها، كلما استعادوا كفاءة المطار تدكه القوات المصرية، إلى أن يأسوا فتركوه لحين إعلان وقف إطلاق النار».
وأوضح اللواء نصر سالم أن مهمته خلف خطوط العدو استمرت لمدة ١٨٠ يومًا، رغم أنها كانت مقدرة بـ ٦ أيام فقط، مضيفًا: «مرت علينا مواقف صعبة خلال تلك الأيام، فهناك العدو والخوف من اكتشافنا، ومن ناحية أخرى هناك الطعام والشراب، فقد مرت علينا أوقات بدون مياه وصلت أحيانًا إلى ٣ أيام متواصلة، وإلى أسبوع بدون طعام، لكن صمدنا لمدة ١٨٠ يومًا، وكانت القيادة تطلب منّا فى تلك الأوقات التحرك من مكان لآخر للحصول على معلومات وإبلاغها بها».
وعن المواقف التى لا تنسى خلال تلك الفترة؛ أكد اللواء نصر سالم أن أهمها كان يوم السادس من أكتوبر نفسه، لأنهم لم يكونوا على علم بأنه يوم الحرب، وكل ما عرفه مع زملائه أنهم سيركبون طائرة هليوكوبتر من مطار ألماظة للهبوط إلى سيناء والسير لمدة ليلتين، فى كل ليلة يتم التحرك من ٣٠ إلى ٤٠ كم للوصول إلى منطقة العمل للمراقبة.
وقال: «بعد الظهر فوجئنا بقيام الحرب، فبدأنا فى مجموعة الاستطلاع الاستعداد للحركة، وبعد ١١ ساعة سيرًا على الأقدام اكتشفنا قبل الوصول إلى الجبل الذى سنختبئ داخله أن هناك موقعًا محاطًا بسلك شائك طويل يبلغ طوله أكثر من ٥ كم، ولا يمكن الالتفاف من حوله للوصول إلى الجبل بسبب شقشقة النهار، والدوريات التى تسير على الطريق، وكان ما بين الأسفلت والسور حوالى ٦ أمتار، ما يعنى أنها كانت مخاطرة غير مقبولة».
وأضاف: «شردت بذهنى وتوصلت إلى حل خطير وهو فتح ثغرة فى سور السلك الذى يحيط بالموقع، والتحرك بسرعة حتى نصل إلى الجبل المراد، والمسافة وقتها ستكون أقل من ١ كم، وكانت الخطورة تكمن فى احتمالية اكتشاف العدو لنا، لكن إذا حدث ذلك فكرت فى أنه يمكن لكل منّا قتل خمسة أو ستة أفراد من العدو قبل أن نُستشهد، وكان هذا هو الحل الذى نفذناه، وبالفعل وصلنا إلى قمة الجبل بسرعة».
وأما عن الموقف الثانى الذى لا ينسى، قال: «لما أنزلت الشَدّة أو الحقيبة التى حملتها لمسافة ٥٠ كم، كان معى شخصان قعدا فرميت الشدة إلى جوارهما ثم حاولت التحرك، لكنى فوجئت بأنى لا أشعر برجلى، فتحسستها لعلها تكون أصيبت بطلقة من العدو، لكنى لم أجد أى دماء، وساعتها ألهمنى الله بأن حملى وزن الشدة الكبير لمسافة كبيرة قد يكون تسبب فى مشكلة بالجهاز العصبى نتيجة الضغط على الحبل الشوكى جعلنى لا أشعر برجلى، ولحظتها اضطررت إلى الزحف قليلًا لأختبئ حتى ارتاحت رجلى، وبعدها استعدت الشعور بها مرة أخرى وتمكنت من السير مجددًا».
وتابع: «موقف آخر لا ينسى حدث حين جاءتنا مهمة البحث عن مجموعة أخرى ضلت طريقها وفقدت مكانها؛ لأن الطائرة تم ضربها أثناء سيرها إلى نقطة الهبوط فهبطت فى مكان خارج الخريطة، وحينها كنّا قد عشنا تقريبًا دون طعام ولا شراب لمدة ١٨ يومًا بعد أن اضطررنا للسير لمدة ٣ أيام للبحث عن بئر ماء، وحين وصلنا إليها لم نجد فيها ماء، ولم نكن نستطيع الحركة أو حمل السلاح، وكنا نفكر فى كيفية التصدى للعدو إذا هاجمنا، لكننا رغم ذلك نجحنا فى الوصول للمجموعة المفقودة، وباتت المجموعتان تحت قيادتى، وعندما وصلنا لتلك المجموعة كان لديها طعام وماء فأنقذتنا».
واختتم البطل حديثه عن حرب أكتوبر بقوله: «أقول لشبابنا إن حماس الشعب المصرى هو الذى حول الهزيمة إلى انتصار، لأننا لم نفقد إرادتنا ونفذنا كلام الله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم)، ولم تكن هناك أمة يمكن أن تتعرض لليأس مثلنا بسبب نكسة ١٩٦٧، لكننا لم نبك على اللبن المسكوب وحولنا ما كنّا فيه إلى حالة غضب وبركان من الطاقة إلى أن حققنا معجزة ٧٣». وأكمل: «علينا أن نتذكر أن العدو لم يتمكن من هزيمتنا بجيوشه، لذا فهو حاليًا يحاول هزيمتنا من الداخل، من خلال خداعنا وإفقادنا الثقة فى بعضنا البعض، وفى إرادتنا وقوتنا وهذا أخطر ما يمكن، وأقول للجميع: لنا أعداء يلاحقوننا كل يوم، وعلينا إدراك ذلك حتى نكون مستعدين لمواجهتهم، وألا ننساق وراء الشائعات ونتأكد من المعلومات من مصادرها الحقيقية».
العميد يسرى عمارة: تدربنا على العبور شهرًا كاملًا.. وكل فرد فى الجيش أدى مهمته على أكمل وجه
-قال العميد يسرى عمارة، من أبطال حرب أكتوبر، إنه كان ضمن البواسل فى سلاح المشاة، تحديدًا «الدفعة ٥٥» التى تخرجت فى الكلية الحربية عام ١٩٦٩، وانضم بعدها إلى «الكتيبة ٣٦١ مشاة» التابعة لـ«اللواء ١١٧» فى «الفرقة الثانية»، داخل منطقة «سرابيوم» و«عين غصين» بين الإسماعيلية والسويس.
وأضاف «عمارة»: «بعد التخرج مباشرة حدث هجوم إسرائيلى جوى على منطقة جبل مريم وسرابيوم، وكنت آنذاك متوجهًا لقيادة اللواء، فى كامل أناقتى، وخلال السير كانت السماء تتلألأ بضربات العدو التى استهدفت التجمعات بالقنابل والطيران».
وواصل: «قبل شهر من ملحمة أكتوبر، نفذنا العديد من التدريبات، أشبه ببروفة حرب، وفى العاشرة والنصف صباح السادس من أكتوبر، أخبرنا قائد الكتيبة العقيد محمود جلال مروان بموعد التحرك، مع التنبيه على عدم إطلاع الجنود قبل الواحدة والنصف ظهرًا».
وأكمل: «فى ساعة بدء المعركة، لمعت سماء القناة بطلعات جوية فتحت لنا المجال للعبور، ونفذ كل فرد مهمته على أكمل وجه، والتى تدربنا عليها شهرًا كاملاً، وكان التحدى الأكبر لنا هو خط بارليف الذى يبلغ ارتفاعه ٢٠م، وأيضًا أن بعض معداتنا بدائية، فكان مطلوبًا منا أيضًا عبور القناة التى يبلغ عرضها ٢٠٠م، حتى إننا استخدمنا معابر قماشية مملوءة بالهواء غير مثبتة، لكن عامل النجاح الأكبر كان يرجع إلى بسالة الجنود التى تخطت كل تلك العقبات».
وتابع: «فى اليوم الموعود ٦ أكتوبر كنت قائد السرية (م. د)، وارتديت أنا والجنود جواكيت، يزن كل منها ٥٠ كجم تقريبًا، وبعد أقل من ٢٤ ساعة وصل إلى الضفة الشرقية ٨٠ ألف ضابط وجندى استولوا على ٩ كم شرق القناة».
وأشار إلى أن العائق الوحيد كان نقطة «الفردان» التى استغرقت ٣ أيام من المقاومة، إلى أن خضعت للحصار الشامل وقطع الإمدادات، حتى سقطت فى أيدينا عصر الثامن من أكتوبر، بعد أن دمرنا ٧٣ دبابة من قوتها الضاربة، وبعد أن استدرجناهم لكمين محكم فى منطقة «سرابيوم».
وقال العميد يسرى عمارة إن من المواقف التى لا تنسى خلال فترة الحرب التى بدأت بالنسبة لهم ما بعد نكسة ١٩٦٧، أنه فى أثناء «حرب الاستنزاف»، كانت هناك دورية إسرائيلية تمر يوميًا على الطريق الشرقى للقناة، قوامها دوريتان بعربتين مع طائرة مروحية.
وأضاف: «كثيرًا ما حاولوا استفزازنا، لكن للأسف كان ضربهم ممنوعًا، إلى أن جاء يوم ضربوا علينا عشوائيًا وكانت النتيجة استشهاد جندى شاب، خريج كلية تربية رياضية يدعى توفيق الشافعى».
وواصل: «كان توفيق لا يزال عائدًا من إجازته التى أتم فيها مراسم خطبته، ومن فرحته ظل يتنقل بين أقرانه ليشاهدوا معه صور الخطبة، لكن تلك الضربة العشوائية كانت من نصيبه ليزف عريسًا إلى الجنة ويشعل نيران الثأر فى نفوسنا».
وأكمل: «فى اليوم التالى عندما مرت الدورية مطلقة أعيرتها العشوائية، ثأرنا لزميلنا بضربهم بالرشاش الميم الميم المضاد للطائرات، لنلحق بهم خسائر عديدة، حيث هبطت الهليوكوبتر بسبب الدخان المنبعث، وانطلقت إشارات طلب إغاثة لوجود إصابات بهم».
وشدد على أنه «فى وقت حرب أكتوبر كنّا نعرف عدونا ومعلوماتنا كاملة عنه، وكان الشعب المصرى يقف خلف جيشه بالمال والعتاد والتشجيع». واختتم حديثه بتوجيه رسالة لشباب مصر: «يا شباب مصر، أترك لكم مصر محررة لآخر ذرة فيها، ومعكم جيش قوى وشرطة حديثة الإمكانات وقيادة ممتازة.. خلوا بالكم من مصر وحطوها فى عيونكم».
إبراهيم عبدالعال..قصة رقيب دمّر 5 دبابات فى يومين
ولا يمكن أن ننسى فى هذه الأيام الرقيب إبراهيم عبدالعال، الذى رحل عن دنيانا فى سبتمبر ٢٠٢١، ولا تزال قصته حاضرة تحكى بطولات رجال الجيش المصرى.
بدأت حكاية الرقيب إبراهيم عبدالعال مع التجنيد عام ١٩٦٩، بعد حصوله على «الدبلوم المتوسط»، فوقتها التحق بالجيش كمجند، وقضى فترة تدريبه كأى مجند مستجد، فى أحد مراكز التدريب على طريق «القاهرة- السويس»، ومنه انضم إلى سلاح المدفعية فى التل الكبير بالإسماعيلية.
واسترجع «الرقيب إبراهيم» ذكرياته مع انتصار العاشر من رمضان فى حوارات عديدة قبل وفاته، قال فى أحدها إنه «مع دقات الثانية عشرة ظهرًا يوم السادس من أكتوبر، شعرنا بأن هناك شيئًا غير اعتيادى، رغم يقيننا بأننا لن نحارب فى ذلك الوقت، لاعتيادنا أن الحرب لا تبدأ عادة فى وسط النهار، وتكون مع أول أو آخر ضوء فيه». وأضاف: «لكن مع دقات الواحدة ظهرًا تلقينا تعليمات بارتداء الخوذات ونفخ القوارب استعدادًا للعبور، نفذنا الأوامر، لكن ساد صمت بيننا، فما زلنا غير مصدقين أن طبول الحرب دقت».
وواصل: «اليوم قبلها كان عاديًا، المدرعات تسير فى طريقها، والكل يتعامل بالشكل المعتاد، ورأينا جنودًا إسرائيليين يستحمون فى قناة السويس، وعلم إسرائيل يرفرف على الأرض المصرية، ما جعل الدماء تغلى فى عروقنا».
وكشف عن أن مهمته وفريقه كانت تأمين قيادة اللواء وجسر شط القناة، وتأمين عبور قواتنا من الغرب إلى الشرق، مضيفًا: «كنا سببًا فى منع عبور أكثر من ٤٠ دبابة معادية، أرسلها العدو لقنص القوات المصرية، ونجحنا فى وقف تقدم اللواء المدرع الإسرائيلى، الذى حاول اختراق خطوط القوات المصرية، وذلك باستخدام الأسلحة الثقيلة التى تدربنا عليها». وعن تلقيبه بـ«صائد الدبابات» قال إن هذا اللقب له موقف لن ينساه على مر السنين، بدأ يوم ٧ أكتوبر، حين دمر دبابتين، وفى اليوم التالى تمت مهاجمة مجموعته بأكثر من ٥٠ دبابة، تعاملت معها المدفعية والمدرعات المصرية، وكان من نصيبه تدمير ٣ دبابات أخرى تحت قصف المدفعية والطيران.