منذ مئات السنين، ارتبط ظهور مهنة «المسحراتي» برمضان، دون عن كل شهور السنة، ذلك الشخص الذي يمر قبل الفجر، لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور والاستعداد للصيام.
حكاية «المسحراتي»
بدأت حكاية المسحراتي، حينما كلف النبي «محمد» -صلى الله عليه وسلم- المؤذن «بلال بن رباح» والصحابي «ابن أم مكتوم»، بمهمة إيقاظ الناس للسحور، فكان الأول يؤذن فيتناول الناس الطعام، والثاني يؤذن فيمتنع الناس عنه.
انتقلت الفكرة من بلال وابن أم مكتوم، لوالي مصر في عصر الدولة العباسية العراقي «عنبسة بن اسحاق».
ويعتبر «عنبسة» أول من قرر من الحكام في مصر، أن يقوم بالتمشية يوميًا في شهر رمضان، من مدينة «العسكر» في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، طارقا الأبواب بعصيته مناديًا «يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة»، وكان ذلك في القرن الثاني عشر، تحديدًا سنة 228 هجريًا.
وظلت الفكرة تتنقل بين العصور، ففي فترة حكم الفاطميين، حيث أصدر الحاكم بأمر الله قرارا، أمر من خلاله الناس بالنوم مبكرًا بعد صلاة التراويح، ومن ثم يمر جنوده وقت السحر على المنازل لإيقاظهم.
وفي الفترة التي تلت الحكم الفاطمي تعرضت المهنة للاختفاء، إلا أن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس حرص على إعادة إحيائها، بتعيين مسحراتي لكل منطقة من صغار العلماء.
وفي عهد السلطان المملوكي الناصر محمد ابن قلاوون، تطورت المهنة على يد المسحراتي الخاص به الشهير بـ «ابن نقطة»، وهو أول من استخدم الطبلة وكانت تسمى وقتها «بازة» بدلا من الطرق بالعصا على الأبواب، وردد أهازيج من تأليف الشعراب الشعبيين، بالإضافة إلى أنه أنشأ للعاملين بهذه المهنة نقابة.
ومن ضمن ما ذكره المؤرخين، أن المسحراتي كان يرافقه شخص أخر يحمل له فانوس لإنارة له الطريق، وأنه لم يكن يتقاضى أجرًا على تطوعه لإيقاظ الناس، لكنه كان يمر على المنازل في أيام العيد ليكافئه الناس عن تعبه طيلة الشهر.
وذاع صيت المسحراتي في كل بلاد العرب لكن اختلف اسمخ بين كل دولة ففي تونس والجزائر يطلق عليه «بو طبيلة» و في المغرب «الطبال أوالنفار» وفي ليبيا «النوبادجي».
وبذكر المسحراتي لابد من الإشارة إلى تعاون شاعر العامية فؤاد حداد مع شيخ الملحنين سيد مكاوي، وتقديمهم لحلقات برنامج المسحراتي على الراديو ومن ثم التلفزيون، حيث ساهم دورهما في الحفاظ على رونق هذه المهنة من الإندثار.