أحمد الخميسي
لو تقع المعجزة، اذا انحنينا مرة على الأرض وأخذنا ملء كفوفنا حفنة من ترابها، فينهض منها الأحباء الذين فارقونا ولم يعد من سبيل إليهم. نقف معهم، بجوارهم، لحظة إلى أن تقطفنا يد الرب قطفة واحدة، لكي نمضي معا كتفا  بكتف الى العالم الآخر، ونحن نحمي بالمحبة الأمل والذكريات، ونحن نتذكر أننا متنا قبل هذه المرة مرات ومرات، فحينما أغلقنا بأطراف أصابعنا جفون الوالدين، مات منا جزء كبير، وحين غمرتنا الوحدة مات منا جزء آخر، وحين عجزنا عن تحقيق أحلامنا كنا نموت ببطء عشرات المرات. ويكاد الانسان أن يوقن في رحلة الفراق المتجدد لنفسه وللآخرين أنه لا منجى من العدم غير الحب، وحده يعلو فوق موج النهاية بأمل شاحب خفيف في استمرار الحياة وبقائها في الأبناء والأحفاد، استمرار الحياة الذي تهدده الكوارث الطبيعية خاصة الزلازل الأخيرة التي مرت هينة على مصر.

الكوارث التي تحول القلق على الذات إلى قلق على اتصال الحياة وعلى مصير الأرض ذاتها. قلق مشروع يحسه الكثيرون في ظل انهماك الدول الرأسمالية الكبرى في الحروب والتسلح واللهاث وراء الأرباح على حساب تجويع الشعوب الصغيرة، وانشغال البشرية عن مصير الأرض بمصالح صغيرة وضيعة يثبت أن البشرية لم ترتق بعد إلى الانسانية الحق. نحن نسخر بصور الانسان البدائي، وقد نحزن لها، لكننا في واقع الأمر في مثل تلك الحال البدائية، إذ تطوقنا المخاطر الطبيعية لكننا منهمكون في جمع الفتات، وسرقة بترول هذا الشعب أو ذاك، وليس أدل على ذلك من أن المجتمع الدولي شاهد وتابع حجم المعاناة من الزلزال في سورية لكنه لم يرفع الحصار عنها ولا مد إليها يد العون، مما يثبت عجز الانسانية التي تتكسر حين ينبغي لها أن تنتفض أقوى ما يكون. الرأسمالية المتوحشة تدمر الكون، هذه تهمتها، أما تهمتنا فهي أننا عاجزون عن التغيير.

نحن لا نرى ما حولنا من خطر، لا تغير المناخ، ولا الزلازل، ولا الفيضانات في غير موعدها، ولا تزايد درجة حرارة الكرة الأرضية، نحن فقط نلهث وراء النقود، مثلما كان الانسان البدائي يلهث وراء بطة عابرة برمح أو سهم، لهاث يقودنا إلى المزيد من تدمير الأرض، وفي ذلك السياق أشارت وكالة " رويترز" إلى أن السر وراء الزلازل الأخيرة هو برنامج " الشفق القطبي" الأمريكي الذي بدأ العمل فيه منذ عام 1993، وأغلق شكليا عام 2015،  وتم تمريره إلى جامعة ألاسكا فيربانكس.

البرنامج يسمح بتعديل المجال الكهرومغناطيسي للأرض والسيطرة على الطقس والمناخ، ويعد جزءا من ترسانة الأسلحة الأمريكية السرية. وقد نفى بعض العلماء قدرة البرنامج على استهداف مدينة بعينها، لكن ذلك لا يفسر انهماك البشرية في مثل تلك الأفكار والمشاريع العدوانية بدلا من تحقيق أحلام علماء آخرين ساقهم الخيال إلى امكانية بناء ما يشبه القضبان تحت الكرة الأرضية، بحيث إذا انفصلت الأرض عن الشمس أمكن دفع الأرض إلى مجرة أخرى لتواصل البقاء هناك ولا تنتهي معجزة الحياة.

أظن انه بعد قرن أو قرنين من الزمان سوف ينظر الناس إلى عصرنا كما ننظر نحن إلى المراحل البدائية الوحشية في تاريخ الإنسان، ونظل في انتظار المعجزة أن ننحني على الأرض ونملأ كفوفنا بحفنة تراب فينبعث أمامنا كل من فارقنا، ونظل في انتظار معجزة أن ترتقي البشرية وتتجاوز دناءة الأطماع الصغيرة إلى الشعور بالمسئولية عن الحياة ومصير الأرض.
نقلا عن الدستور