الأقباط متحدون - مجتمع تايه يا أولاد الحلال!!
أخر تحديث ١٧:٠٠ | السبت ٢٧ اكتوبر ٢٠١٢ | ١٦ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٢٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مجتمع تايه يا أولاد الحلال!!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم نسيم عبيد عوض
نحن أولاد مصر دائما نفتخر هنا فى المهجر بأننا مصريون ‘ وأنا أول هؤلاء ‘ وإذكرمن فترة سألنى أميركى عن جنسيتى ‘ وهذا سؤال دائما  نواجهه هنا فى أميركا عندما يسمعونك تتكلم الإنجليزية ‘ فأجبته بأننى مصرى  ولا أنسى أن الرجل شدد على يدى بقوة وبهجة ‘ وقال أنه سعيد بأن يتكلم مع شخص مصرى.  وفى المعرض الأخير لكنيستنا القبطية يأتى الشعب الأميركى مشدوها بكل ماهو مصرى ويعشق أن يقتنى شيئا من حضارة مصر ‘ ويدخل كنيسة مصرية كأول كنائس العالم والمتمسكة بتعاليم الرسل الأوائل حتى الآن ‘ ويحب أن يحصل على صورته مرتديا الملابس الفرعونية ‘ ويأكل ورق العنب والطعمية والكبدة الإسكندرانى ‘ وهذا نشاهده دائما لمجرد أن وضعنا مصغر للأهرامات أو المسلات على مداخل المعرض ‘ مصر أسم يحترمه العالم ‘ وبلد تبهر الدنيا بحضارتها.

ومصر بلد إحتوى كل شعوب العالم وحضارتها ‘ولم يغير فيه أى عنصر من عناصر حياته ‘ بل أخذوا منا كل ماكان سببا فى تقدمهم‘ بدائة بالهكسوس ثم الفرس ‘اليونان ‘الرومان ‘العرب والخلافة الإسلامية بأنواعها كولاة الخلفاء الراشدين والدولة العباسية والأموية والشيعية ‘ والتركية العثمانية والمماليك والأيوبيين والألبان ‘فرنسا بنابليون وإنجليز باللورد كرومر وإلى الخديويه والملكية .  ويحتار المرء فى تعدد أنواع الذين حكموا مصر ‘ وبعد إنتهاء عصر الملكية وبداية قيام الجمهورية ولمدة ستة قرون ‘ مع كل ماحدث فى المجتمع المصرى ‘ وما قاساه من حكامه ‘ وحتى العام الماضى ‘ كان للمجتمع وحدة متماسكة ظاهرة للعيان ‘ دولة مستقرة لها مؤسساتها ورؤسائها وأركانها الثابته ‘ بغض النظر عن نوعية الحكم وأسلوبه ‘ وأيضا بعيدا عن نظرية المدينة الفاضلة لأفلاطون ‘ لأن كل المجتمعات تتعرض لهذا التنوع ظالما كان أو عادلا ‘ لأن المتوقع دائما أن المجتمعات تتجدد ‘وتصبوا نحو الأحسن والأفضل ‘ وتظل تعمل بتطهير كل العوائق السياسية والإقتصادية والإجتماعية ‘لتصل إلى شاطئ الدولة المدنية الراقية الديموقراطية ‘ يعيش فيها الإنسان آمنا على أرضه وبيته وأهله ‘ يشارك بكل الوسائل المتاحة له بالمساهمة فى تقدم بلده ونهضتها ‘ ضمانا لمستقبل أولاده وأحفاده.

وهذا  تطور طبيعى للمجتمعات التى تطورت من العصر الحجرى إلى مانراه اليوم فى دول الشمال من الكرة الأرضية ‘ تقدم علمى وتكنولجى وحضارى فى كل نواحى الحياة ‘ وأعظم ماتحترمه هذه المجتمعات وتأمنه لشعبها هو حرية التعبير ‘مهما كانت وعن أى شيئ تعبر. ولست أقصد هنا أن كل مافى المجتمعات الشمالية صالح لكل المجتمعات ‘ فأغلبها خرج من عباداته وإيمانه‘  والإلحادية تكتسح العالم اليوم ‘ مع وجود الشذوذ الجنسى المباح فى هذه البلاد ‘ وأصبح المخدر والجنس والشذوذ يغزو التجمعات البشرية الراقية ‘ حتى وصل ببعضهم لينادى بأنها من حقوق الإنسان ‘ ولاشيئ من هذه الظواهر والعادات نتمنى أن يكون لها مثيل فى بلدنا مصر .

ورغم كل ماممر بمصر من تسلسل من عبروا عليها ‘ إلا أنها بقيت وشعبها المتماسك وارث الحضارة الفرعونية ‘ ثابتا راسخا أمام كل  هذه المتغيرات ‘ وحتى حكم مبارك الأخير ‘ كان علماء ومثقفى مصر دائما يعملون من أجل التحول بالمجتمع الى أرقى مايكون ‘ سواء بالتقدم الإقتصادى والعدالة الإجتماعية لشعب مصر ‘ وإلى إقامة حكم ديمقراطى حر يوصل المصرى إلى إبداء رأيه فى حرية يحميها الدستور والقانون ‘ التطور بالحقوق الإنسانية ونبذ التمييز والعنصرية والفردية ‘  إقامة مجتمع يعلوا فيه القانون والمساواى فوق كل شيئ ‘ تغطى الحماية الأمنية كل المواطنيين ‘ وعشنا نحارب ونجاهد حتى مع ضحايها من أجل السمو بالمجتمع المصرى.

والناظر إلى محتمع مصر اليوم ‘ على الرغم من  الإطاحة بحكم الطغيان والفساد ‘ومع وجود رئيس يعتلى العرش ‘ومعه حكومة تدير البلاد ‘ ولكن للأسف الشديد والحقيقة المرة ‘ أن المجتمع المصرى تائه ‘ ولا يعرف مصيره ولا يتماسك بأى أسلوب كان ‘ مجتمع ظاهره دولة وحقيقته ليس فيه أى مظهر من مظاهر الدولة ‘ مجتمع تتلاعب به رياح من كل جوانبه ‘ والمعنى الصحيح والحقيقى ‘لقد تفككت قواعد الدولة وتناثر حطامها فى كل الربوع ‘ والأمل فى تجميعه أمر شاق قد يستغرق أعواما طوال .

يتجلى وبكل وضوح مظاهر هذا المجتمع التائه والمفكك فى ظواهر واضحة معها لايمكن أن يتماسك أى مجتمع كائن‘ فنحن دولة لها رئيس منتخب ولا يعترف به أغلب شعب مصر ‘ ومازال حتى اليوم وغالبية الناس يعتقدون بأن رئيسهم ليس له شرعية قانونية بالإنتخاب الحر ليكون رئيسا لهم ‘وأمام القضاء بلاغات فى تزوير الإنتخابات وقيام المجلس العسكرى بإهداء الرئاسة إلى ممثل الإخوان المسلمين مهما كان هذا الشخص ‘ وقطاع كبير أيضا يرى أن أميركا فرضته على مصر ‘ ولا نعلم كيف سيصحح المجتمع هذه القضية.

وأيضا لمجرد أن إعتلى الرئيس البلاد ووضع كل أهله وعشيرته من جماعة الإخوان المسلمين حكاما لكل قطاعات وإدارات مصر ‘ من محافظ ونائبه إلى الحكومة ووزرائها ‘ الإعلام وقياداته ‘ وقريبا كل المحليات ‘ متجاهلا وجود الأقباط كشعب أصيل فى هذا البلد ‘ ومبتعدا عن المدنيين العلماء والمثقفين والخبراء ‘ وطاردا لكل رجال الأعمال الوطنيين ‘مانحا لأعضاء الجماعة السيطرة والسطو على الإقتصاد المصرى ‘ جمع كل السلطات فى يده بالتشريع وتحدى سلطات الدولة وإرهابها ‘ والمثل الواضح فى مسودة الدستور المهلهل والذى ليس فيه مايمت بالصلة لأى دستور دولة متقدمة عرفت الدستور قبل أغلب دول العالم ‘ دستور وضع فيه كل كلمة ينطق بها أى عضو ‘ وعلى كل هوى الداعيين لتخلف المجتمع .

مبدأ التقدم للخلف ‘وأقصد اننا وفى الألفية الثالثة ‘يتقدمون بالمجتمع إلى الخلف ‘ فهناك حقوق الإنسانية التى يفتك بها فى كل يوم ‘ وضع نصف المجتمع وهو المرأة خلف الحرامليك ‘ وتفانى الفضائيات المتخلفة فى طاعة المرأة لزوجها فى الفراش ‘ وحتى التقدم فى علاج البشر عادوا بنا إلى العلاج بسموم البول وغيره ‘ وختان الأطفال وزواج البنت من 9 سنين ‘ وغيره الكثير الذى يعتبرونه تقدما وفرصة واضحة لإنهاء حضارة هذا البلد ‘ وحتى أصبحت مصر مثلا للتحرش بالنساء فى وضح النهار ‘ وقضايا الفعل الفاضح فى كل مكان ‘ وإغتصابات هنا وهناك وفى كل صباح ‘ فمن يستطيع تجميع أخلاقيات شعب مصر مرة أخرى.
لقد إنحلت مفاصل هذا المجتمع وتفككت أوصاله ولا أحد يستطيع أن يتنبأ برباطه وثبات بنيانه ‘ والسبب طبعا هو الخروج من كبت مجتمع بأكمله ‘ الجميع يخرج فى ثورة أيام الجمع وقد تكون يومية فى كل مؤسسات الدولة ‘ وبقاء ثورة الشعب هو الأمل الوحيد لإعادة مجتمعنا إلى أرض الواقع ‘ فهذا التوهان والتفكك ليس غريبا فى ثورات المجتمعات ‘ وكل العفونات التى تظهر على السطح اليوم وغدا ‘ ومع بقاء ناس تعترض وتثور سيظل الأمل موجودا لعودة المجتمع العريق إلى الترابط ‘ وإقرار الدستور المأمول لشعب متحضر ‘ ولوضع خطواتنا فى أرض القانون والمساواة والحرية ‘ وقد يستغرق منا زمنا طويلا حتى نعثر على مجتمهنا التائه ‘ وحتى ينزوى هؤلاء الموجودين على السطح فى زوايا النسيان‘ولكن بمالمثابرة  كأولاد الحلال للبحث فى كل مكان ‘مع إستمرار الصراخ بأعلى الأصوات ‘ سنجد مجمتعنا التائه بأرقى قواعده الأصيلة لينادى به فى أرجاء المسكون ‘ مصر أم الحضارة.

ويبقى شيئا حضاريا راقيا يحدث فى المجتمع المصرى اليوم ‘  كشعلة وضاءه لكل المصريين ‘ وأقصد إجراءات الكنيسة القبطية فى إنتخاب بطريركها وباباها الثامن عشر فى سلسلة الآباء العظام ‘ إحترام تراث الأوائل وإحترام حرية الإختيار ‘وفى هدوء وثبات على المبدأ ‘ ولإيمان حقيقى مستقيم بقيادة إلهنا لكنيسته على الأرض.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع