هاني صبري- المحامي
أن جميع الأحكام الصادرة من محاكم مجلِس الدولة تسرى فى شأنها القواعِد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، وبما يستوجبه ذلِك من الالتزام بتنفيذ هذه الأحكام وإجراء مقتضاها، ودون أن يترتب على الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العُليا ــ وقف تنفيذها، إلا إذا أمرت محكمة الطعن ــ بغير ذلِك.
هذا بخلاف الأحكام الصادرة من القضاء العادى الذى لا يكون الحكم الصادر منه قابلاً للنفاذ إلا بعد صيرورته نهائياً ، فالاستئناف لا يوقف تنفيذ الأحكام.
جدير بالذكر أن من حق الصادر الحكم في غير صالحه الطعن علي الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا دائرة فحص الطعون ولا يترتب علي ذلك وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا إذا أمرت بغير ذلك.
ويستفاد ذلك من نص في المادة 50 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة على أن: "لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بغير ذلك".
وهذا مؤداه لا يجوز الامتناع عن تنفيذ أى حكم صادر عن محاكم مجلس الدولة لأن أحكامه واجبة النفاذ، ولا يجوز المجادلة فيما قضى به إلا باتباع طريق الطعن عليه خلال المواعيد المقررة قانونًا .
فإن المشرع لم يترك أثرها سدى ولم يذر ما تنطق به من حق وعدل هباء، وإنما أسبغ على تلك الأحكام قوة الشيء المحكوم فيه، وأوجب تنفيذ هذه الأحكام بالرغم من الطعن عليها، وقرر المشرع في صراحة ووضوح أنه لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ما لم تقض دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بوقفه.
كما أوجبت المادة 280 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها، وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طُلب إليها ذلك.
تجدر الإشارة (إن منازعات التنفيذ ليست وسيلة للطعن على الأحكام القضائية، فهى لا تتضمن نعيًا على تلك الأحكام المراد تنفيذها أو مساسًا بحجيتها واجبة الاحترام؛ لأن مناط منازعة التنفيذ أن يكون مبناها واقعات لاحقة على صدور الحكم، أى طرأت بعد صدوره تُمثل عقبة تحول دون تنفيذه، لأنه لا يسوغ إعادة طرح ما سبق أن فصل فيه الحكم لما في ذلك الأمر من مساس بحجيته ولا يتأتى إلا من خلال الطعن عليه قانونًا، وسبب ذلك أن خصومة الحكم تستقل عن خصومة التنفيذ وتختلف عنها، فخصومة الحكم تنتهى بصدور هذا الحكم، أما خصومة التنفيذ فإن إشكالات التنفيذ تعد إحدى مظاهرها، حتى تكون المنازعة في التنفيذ وسيلة للطعن في الأحكام القضائية بغير الطريق الذى رسمه القانون).
إن الإشكال في التنفيذ هو منازعة وقتيه من منازعات التنفيذ ويقدم في صورة طلب أو عريضة دعوي لقاضي التنفيذ المختص والغرض منها اما وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه.
ويجوز لكل ذي شأن أن ينازع في التنفيذ، سواء كان أحد أطراف التنفيذ؛ أو كان من الغير. فللمنفذ ضده أن ينازع في التنفيذ؛ بطلب بطلان إجراءات التنفيذ؛ أو طلب وقف التنفيذ مؤقتاً.
إن الإشكالات فى تنفيذ الأحكام الصادرة من قضاء مجلس الدولة على اختلاف درجاتها تختص بنظرها المحكمة التى أصدرت الحكم المستشكل فى تنفيذه دون سواها من محاكم أخرى، بحسبان أن الفرع يستتبع الأصل ، ويظل الأثر الواقف للتنفيذ منتجاً لأثاره لحين الحكم فيها حكماً منهياً للخصومة.
ومن الملاحظ في الآوانة الأخيرة كثرة الإشكالات المرفوعة ضد تنفيذ أحكام مجلس الدولة سواء من قبل أفراد أو جهة إدارية أمام القضاء المدنى غير المختص ولائياً بنظرها ، وذلك بقصد الاستفادة من الأثر الموقف للتنفيذ المترتب على مجرد رفع الإشكال الوقتي الأول الذي يترتب عليه وقف التنفيذ فهذا الإجراء مجرد عقبة مادية اصطنعها من أقامها تطاولاً على قواعد اختصاص الولائي خروجاً على قاعدة من قواعد النظام العام لأن االقضاء المدنى غير المختص ولائياً بنظرها ، ويظل هذا الوقف مستمراً إلى أن يتم الحكم بعدم الاختصاص بنظر الإشكال وإحالته إلى المحكمة المختصة بنظره من محاكم مجلس الدولة وصدور حكم منهى للخصومة من المحكمة المحال إليها الإشكال.
إن تنفيذ الأحكام القضائية يعد– وبحق- الضمان الحقيقي والتطبيق العملي للتوجيه الدستوري بكفالة حق التقاضي. وأن الامتناع عن تنفيذ الأحكام، أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون.