عمرو الشوبكي
عرفت مصر أحداثًا كبرى فى العقد الماضى، بعضها يتطلب مراجعة من الجميع، وبعضها الآخر سيكتب عنه المؤرخون كمحطات فى تاريخ هذا البلد.
والحقيقة أن ما جرى فى ثورة يناير اختلف منطق التعامل معه، فهناك من رأى أن يناير حدثت لأن مصر عرفت هامشا سياسيا وإعلاميا سمح بالنقد والوقفات الاحتجاجية، مما أدى إلى حدوث الثورة، وبالتالى الأفضل عدم السماح بهذا الهامش من الأساس، وهناك من رأى أن الرئيس الأسبق مبارك بقى 30 عاما فى الحكم بفضل هذا الهامش، وأن المطلوب توسيعه وتدعيمه من أجل بناء الديمقراطية ودولة القانون، وهناك من اعتبر أن الديمقراطية والتنمية السياسية هدف لا خلاف عليه، ولكن الأولية يجب أن تكون لمحاربة الإرهاب والتنمية الاقتصادية.
والمؤكد أن هناك تيارا واسعا داخل الدولة وخارجها يرى أنه حان الوقت لحضور السياسة والعمل على التنمية السياسية وتقوية الأحزاب وإعطاء مزيد من الحريات للصحف القومية والخاصة التى تصدر وتمول من داخل مصر.
بالمقابل فإن هناك مراجعة مطلوبة من القوى السياسية، صحيح أنه حدثت مراجعة من قبل البعض وتمسك البعض الآخر بنفس مقولاته القديمة، كما حافظ الإخوان على نفس عادتهم بغياب المراجعة والنقد الذاتى والاعتراف بفشلهم فى الحكم وإدارة الدولة.
المراجعة المطلوبة من القوى السياسية، أو بالأحرى درس يناير يقول إن عدم وجود قاعدة متوافق عليها بين القوى السياسية المدنية سيدفع الناس إلى عدم الإيمان بجدوى الديمقراطية، لأن ما يرونه هو «ضجيج بلا طحن»، أو ثرثرة لا تنجز، فإقصاء الحزب الوطنى، وليس الفاسدين من الحزب الوطنى، وحملات «امسك فلول» عقب يناير، فرغت جانبا كبيرا من المشهد السياسى لصالح الإخوان، والمطلوب حاليا هو مراجعة ما جرى فى 2011، حين فشلت القوى السياسية المدنية فى التوافق على قواعد اللعبة السياسية واستبعدت القوى المحافظة والتقليدية واعتبرتها جزءا من النظام القديم، وغطت المزايدات السياسية والفعاليات «الثورية» شبه اليومية على أى مشاريع بديلة للنظام القديم قادرة على الإنجاز وحل ولو جانب من مشاكل الناس. مطلوب من التيارات المدنية، وخاصة مع انطلاق الحوار الوطنى، أن تتمسك بخياراتها الإصلاحية بعيدا عن المزايدات الثورية، وألا تنحرف نحو أقصى اليسار أو أقصى اليمين، لأن الإصلاح يمثل الطريق الآمن لدعم التنمية الاقتصادية والسياسية معا.
على الجميع- الدولة والقوى السياسية- أن النظر إلى تفاعلات المجتمع وتنوعاته ومصالحه المختلفة باعتبارها طاقة إيجابية تساعد على التقدم وعدم وصف القوى المحافظة والتقليدية على أنها ثورة مضادة، وهو تعبير يتم استدعاؤه من متاحف التاريخ، ولم تعرفه كل تجارب التغيير الناجحة فى النصف قرن الأخير، التى اعترفت بوجود القوى المحافظة التى تؤيد الاستقرار، وبجانبها كانت هناك قوى ليبرالية ويسارية.
حضور السياسة مطلوب، والجدل السياسى حول برامج ورؤى يعزز من استقرار البلد وتقدمه.
نقلا عن المصرى اليوم