محمود العلايلى
خلال رحلة قصيرة الأسبوع الماضى إلى مدينة الغردقة، مر بذهنى الكثير من الأفكار طوال الطريق، حيث سلكت العديد من الطرق والمحاور الهائلة التى تم إنشاؤها مؤخرا سواء حول القاهرة، أو طريق الجلالة الرائع وما تم بناؤه حوله من مدينة وجامعة ومنتجعات، وبالطبع لم أمر على كل تلك الطرق دون أن أشاهد عن بعد الإنشاءات الكبيرة التى تمت فى العاصمة الإدارية والتى تظهر بوضوح للمسافر على طريق القطامية-العين السخنة.

والحقيقة أن الأمر لايتوقف بالنسبة لى عند الإنشاءات ولكننى رجعت لما سمعت وقرأت خلال الفترة الماضية من آراء وخاصة بعد التعويم الأخير لسعر صرف العملات الأجنبية، وما صاحب ذلك من إنتقادات للوضع الإقتصادى وما وصل إليه حجم الدين الخارجى، وما استتبع ذلك من إشارات إلى المشروعات القومية الكبرى التى تم إنهاؤها، أوالتى مازالت فى طور العمل فيها، والكلام عن ماكان يجب أن يؤدى وما كان لا يجب أن يبدأ من الأساس، ثم الحوارات المتبادلة بين المواطنين وبعض المفكرين على منصات التواصل الإجتماعى الذى يجد عليها الأكثرية المساحة الأرحب من الصحافة أو المواقع الإلكترونية التقليدية، وذلك لمناقشة تلك الأفكار بقدر أكثر من الحرية المسموح بها على المستوى الرسمى والتقليدى.

أما الحقيقة الأخرى التى أهمتنى بالأكثر، هى أن أغلب الإنتقادات لايمكننا إعتبارها مرجعية يمكن أن توثق لوضع أو تؤسس لنقد فى هذه المسألة، وبالتالى لا يمكننا أن نعتبر كل هذه الإنتقادات إلا من قبيل إبداء الرأى، والحقيقة الثالثة أن هذا ليس نقيصة لدى من يدلون بآرائهم وذلك لأن لا أحد يملك الأرقام المحددة لأى من تلك المشاريع سواء ما أنفق عليها أو المرتجى تحقيقه من وراءها سواء بشكل مادى أو بهدف إستراتيجى، أما الحقيقة الرابعة فإن عدم توافر هذه المعلومات ليس مسئولية من يدلى برأيه بقدر ما هى مسئولية من يخفى المعلومة بغرض عدم الإفصاح وعدم التمكين للنفاذ إلى المعلومات الدقيقة مما قد يؤدى إلى خروج بعض الآراء والإنتقادات بشكل غير دقيق وبالتالى قد يؤثر على صورة الحكومة ويشكك فى أعمالها، بينما أحيانا تكون تلك الإنتقادات فى مكانها وتوقيتها الصحيحين مما يظهر الحكومة بمظهر الذى يخفى المعلومات لهدف سياسى قد لا يكون فى مصلحتها من جانب المهتمين والمتابعين، بينما أرى أن الحقيقة الخامسة أن كل هذه الأنشطة على مختلف المنصات تأتى لأن المجالس النيابية لم تقم بدورها المفهوم من التصديق على تلك الخطط ومن ثم الرقابة والمتابعة  لتنفيذها بعد العرض والمناقشة الدقيقة، وبالتالى صار رواد منصات التواصل الإجتماعى يقومون بهذه الأدوار بحسب المعلومات التى قد تتوافر، ومن خلال التقارير الأجنبية التى يمكن الوصول إليها، أو من خلال المنشورات التى تنشرها الحكومة بشكل غير مباشر، أو التى يدسها المناهضين لنظام الحكم لمحاولة التأثير السلبى.

والحقيقة السادسة أن الوضع لا يحتمل الآن إلا الوضوح، وذلك عن طريق أن يضطلع كل بما أوكل إليه، فالحكومة عليها أن تخرج لتفصح عما جرى وماذا يجرى وما هو المنتظر فيما هو قادم، كما أنه على البرلمان بغرفتيه-على الرغم من الطريقة التى تم تشكيله بها- أن يقوم بدوره فى الإشتراك فى التخطيط لما يمكن عمله لتدارك الأزمة الإقتصادية الواقعة، لأن ذلك ليس دور رواد منصات التواصل حتى لو أرادوا بحكم قصور المعلوات أو إنعدامها.

أما الحقيقة السابعة، فإنه ليس من حق الحكومة أن يغضبها ما يجرى على المنصات طالما أن آليات الشفافية وحرية النفاذ إلى المعلومات قد إنسدت، وطالما أن آليات المحاسبة والرقابة قد تعطلت، وبالتالى لم يبق للمواطنين سوى طاقة الغضب والسخرية للتعبير عن ذواتهم.