ماجد سوس
المحبة إحدى صفات الله الآب العظمى التي جعلته يرسل ابنه المحبوب يسوع الذي تجسد وتأنس وصلب لأجل محبته للبشر. تلك الصفة التي جعلت آباء الكنيسة الأُوّل يسطرون شهادة حب عن الله، في كتاب التسبحة اليومية، فكتبوا عنه أنه "غُلِبً من حبهِ وتحننه" وهي دعوة تهليل وفرح تقدم للخاطي، فهو موضوع حب الله. فدمعة واحدة تسقط من عيني الخاطي تحرك قلب الله ليطرح خطايا ذاك الخاطي في أعماق البحارٍ (ميخا ٧: ١٩).
وللمحبة رسل عبر التاريخ، يحملونها في قلوبهم يعيشون بها ويقدمونها لمن حولهم حتى لإعدائهم ومن أشرهم يوحنا الحبيب الذي قدم أعظم تعاليم للمحبة في التاريخ منها قوله:"إن قال أحد: «إني أحب الله» وأبغض أخاه، فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟ (١ يو ٤ :٢٠). الأمر الذي دعى رسول الايمان بولس أن يعتبر المحبة أعظم من الإيمان فكتب يقول: " إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئا"(١كو١٣: ٢). "أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة."(١ كو١٣:١٣).
وفي أيامنا هذه، كانت إرادة الله الصالحة المرضية لكنيسته أن يرسل لها رسولاً جديداَ للمحبة. يقودها بها ممزوجة بحكمةٍ واتزان. رجلٌ يحيا المحبة لا على مستوى الكلام أو اللسان، بل بالعمل والحق (١يو٣: ١٨) عن الكنيسة يحبها ويبذل نفسه وجسده عنها، بدأ بإصلاح البيت من الداخل من الدقيقة الأولى لتوليه المسئولية. بداية من تغيير لائحة انتخاب البابا وإعطاء الفرصة لأكبر عدد من الإكليروس والخدام والشعب للإدلاء بصوتهم ومروراً بتعديلات في كل المجالات، أحوال شخصية، أوقاف، اختيار القيادات الكنسية، مناهج التعليم الكنسي وتطوير المعاهد والكليات اللاهوتية (الإكليريكيات).
أما عن حبه للوطن، حدث ولا حرج. الحب فيه يسري داخله حتى النخاع. عهد على نفسه، من اليوم الأول، أن يسند الوطن في محنته. يقف في الثغرة، يمنع فتنة، ليحفظ للوطن تماسكه ووحدته، حتى استطاع أن يكسب حب قيادات الدول جميعا ويجعل الدول تبني الكنائس في كل المدن والأحياء الجديدة دون أن تطلب الكنيسة. ولأول مرة في تاريخ مصر تعطى تراخيص، بأثر رجعي، لكل كنائس مصر بعد أن كانت غالبيتها مبنية دون تراخيص.
عن صاحب القداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني، حفظه الرب، أتحدث، الذي لا يكل عن العمل الجاد اليومي من أجل وطنه وكنيسته دون التفات، كما اسلفت، لأتعاب الجسد وآلامه والتي لاحظها الكل عليه في الفترة الأخيرة، على أن كلنا يرى أن آلامه الجسدية ترى وكأنها أكثر احتمالا من آلام النفس التي قد تأتيه لتثبيط همته، تارة بإشاعة الأكاذيب وتارة بحسد إبليس. قسوة الأمر أن الحرب من الداخل ومن الخارج (٢كو٧: ٥). إلا انه يبقى متمسكاً بالمحبة ولاسيما لأعدائه ومضايقيه، محبة تضرب بها الأمثال. الصامد الصامت تلك المقولة التي تنطبق على قداسته حين نراه يظلم لا يفتح فاه، يفترى عليه، لا ينطق ببنت شفه.
الذي دفعني اليوم للكتابة عن قداسته هو ظهور كتابه التاريخي " سنوات من المحبة لله وللوطن" والذي حقق وفقا للتليفزيون الرسمي الوطني أعلى نسبة مبيعات مع بداية طرحه في الأسواق. وقد شهد توقيع قداسته للكتاب الكثير من السادة الوزراء ورؤساء الجامعات والشخصيات العامة من الأمم المتحدة ومن المفكرين والمثقفين، والإعلاميين، والصحفيين، وغيرهم.
الكتاب حررته الإعلامية شيرين عبد الخالق، وكتب مقدمته المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية الأسبق، والذي وصف فيها قداسة البابا بأنه "شخصية وطنية، جذورها ضاربة في أعماق الأرض المصرية، وأنه رغم ما واجهه من صعاب، كان رجلًا رابط الجأش، لا تهزه العواصف والنوائب مهما عظمت".
وقد أكد رئيس جامعة عين شمس الأستاذ الدكتور محمود المتيني، في كلمته في ذاك اليوم، عن سعادته بهذا الكتاب وما يضمه، وأعتبر أن قداسة البابا تواضروس الثاني رمز وطني، ساعد بحكمته على العبور بسفينة الوطن بسلام في فترة كانت مليئة بالتحديات.
أما الناشر وهي الدار المصرية اللبنانية فقد كتب رئيسها: " هذا الكتاب الذي تفخر الدار بإصداره يمثل إضافة حقيقية لوعي المثقف المصري والعربي، إذ يقدم قصة البطريرك رقم 118 في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويطرح رؤيته التنويرية ودوره المهم خلال السنوات الماضية ومواقفه الوطنية العظيمة في ثورة 30 يونيو وما بعدها وإصراره الدائم على دحض الصور المغلوطة عن مصر لدى الإعلام الغربي".
عزيزي أدعوك لاقتناء هذا الكتاب النفيس الذي يحكي صفحات من تاريخ مصر وكيف كانت يد الرب أقوى من قوى الظلام وكيف انتشل الله مصرنا قبل أن تهوى من علوها. صفحات لمجد الله تؤكد مقولة أبونا البطريرك، بابا المحبة الذي قال يوماً: "أن كل دول العالم في يد الله ولكن مصر في قلب الله".