بقلم/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 22 طوبة الموافق 30 يناير بعيد نياحة الانبا انطونيوس والملقب بأبو الرهبان ؛ ويحتل الانبا انطونيوس مكانة هامة ومتميزة في التراث القبطي ؛فهو المؤسس الأول والحقيقي للرهبنة القبطية والتي أمتد تأثيرها إلي العالم كله ؛ولقد ولد الانبا انطونيوس "انطونيوس كلمة يونانية معناها عوض " في بلدة قمن العروس بمحافظة بني سويف عام 251م ؛ من أبوين مسيحين تقيين ؛وكان والده رجلا غنيا يمتلك أكثر من 300 فدان من أجود الأراضي الزراعية في مصر ؛ وعندما توفي والده نظر أنطونيوس إلي جثمانه وناجاه قائلا "ياأبي أنت خرجت من العالم بدون إرادتك ؛وأنا أريد أن أخرج منه بإرادتي " غير أن اللحظة الحاسمة في حياة الانبا انطونيوس جاءت عندما دخل الكنيسة وسمع الآية التي تقول "إن أردت أن تكون كاملا ؛أذهب بع كل مالك وأعط الفقراء وتعال أتبعني فيكون لك كنزا في السماء "فأعتبر انطونيوس هذه الآية موجهة إليه شخصيا ؛فباع الثلثمائة فدان التي ورثها عن أبيه ؛ وأستودع أخته أحد أديرة العذاري ؛وترهب في البداية في المنطقة المعروفة حاليا بدير الميمون ؛ غير أنه فكر في التوغل في الصحراء بسبب موقف معين إذ شاهد ذات يوما أحدي السيدات وهي تستحم في النهر أمامه ؛فأنتهرها قائلا "كيف تستحمين أمام راهب مثلي " فأجابته المرأة قائلة "الراهب الحقيقي يعيش في الصحراء الداخلية وليس علي حدود النهر " فشعر أن هذا هو أمر الله له وقد جاءه عن طريق هذه المرأة فتوغل في الصحراء حتي وصل إلي المنطقة الموجودة به ديره الحالي بالبحر الأحمر ؛وعندما ذاع خبره توجه إليه مجموعة من الشباب طالبين الرهبنة والتلمذة تحت يديه ؛ كما أسس العديد من العديد التجمعات الرهبانية الأخري التي ظهرت في وادي النطرون ومنطقة جبل نتيريا والفيوم .... الخ وحرص علي زيارتها باستمرار ؛كما زار مدينة الإسكندرية ليشدد المؤمنين في حربهم ضد الأريوسية ؛وتقابل مع القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية في ذلك الوقت "والذي يعتبر أول من فكر في الكتابة علي النقش البارز لكي يستطيع مكفوفي البصر أن يقرأوا عن طريق لمس الخشب ؛وهو الاختراع الذي تحقق علي يد لويس برايل بعد ذلك بخمسة عشر قرنا " . ثم توفي أخيرا في ديره بالبحر الأحمر في يوم 22 طوبة عام 356م ؛وله من العمر حوالي 105 سنة ؛ ودفن جثمانه بمنطقة الدير ؛غير أنه غير معروف مكانه حاليا وذلك بناء علي وصيته أن يظل قبره مهجورا لا يعرفه أحد .
أما عن دير الميمون الذي ترهبن فيه أولا ؛فهو رسميا يعتبر أقدم دير عرف في تاريخ الحياة الرهبانية في العالم كله ؛ ويقع هذا الدير علي البر الشرقي من النيل عند حاجر الجبل الشرقي22 كم شمال بني سويف ؛ 12 كم جنوب الكريمات ؛وتوجد علامة علي طريق مصر المنيا الشرقي تشير إلي مكان الدير ؛وكانت تعرف قديما في كتب التاريخ بمنطقة بسيير ؛ ولقب الدير بعدة ألقاب نذكر منها ( الصومعة الخارجية ؛الجبل الخارجي ؛ الدير البراني ؛ دير الجود ؛دير الجميزة .... الخ ) ولقد كتب أبو المكارم في كتابه "تاريخ الكنائس والأديرة " عن هذا الدير تحت أسم تحت أسم "دير الجميزة " فقال عنه "دير الجميزة علي شاطيء بحر النيل المبارك وبجواره جوسق وبستان وطاحون ومعصرة وهو قريب من دهروط "مغاغة حاليا " . أما المقريزي فقال عنه "دير الجميزة ؛ويعرف أيضا بدير الجود ؛وهو قبالة الميمون ؛وهو عزبة لدير العزبة "البحر الأحمر حاليا " بني علي أسم أنطونيوس ويقال أنطونة " .أما الرحالة الألماني فانسليب ( 1635- 1679 ) فلقد ذكره في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة 1671 " فقال عنه " في الميمون نحو الشرق ؛دير القديس أنطونيوس " كما زار الدير الرحالة"جان كوبان " فيما بين عامي 1638 ؛1648 م وكتب عن حالة الإهمال الشديد التي وصل إليها . كما زاره الراهب اليسوعي الفرنسي كلود سيكار في 21 أغسطس 1719 كما ذكره في رسائله عن زيارة مصر . وذكره القمص عبد المسيح صليب المسعودي البراموسي ( 1848-1935 ) في كتابه "تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين " فقال عنه "دير الميمون علي أسم الأنبا أنطونيوس بمديرية بني سويف .شرقي النيل ؛ذكر في سجل الكنائس في كرسي بني سويف والبهنسا .وذكره المقريزي في وجه 502 .وقال أن أسمه دير الجميز .... الخ " . وزاره الرحالة النمساوي جوزيف روسيجر ؛وكان ذلك عام 1836 ؛ ووضع وصفا له . وذكره أيضا علي باشا مبارك في كتاب الخطط التوفيقية (نشر عام 1888 ؛وصدرت منه طبعة خاصة عن مكتبة الأسرة عام 2008) فقال عنه "الميمون قرية من مديرية بني سويف في قسم الزاوية ؛واقعة في غرب النيل بنحو 700 متر ؛وفي مقابلها بالجبل الشرقي دير يقال له دير الميمون به كنيسة ويسكنه القسيسون والرهبان ".
أما عن وصف الدير ؛يوجد به كنيستان قديمتان ؛الكنيسة الأولي بأسم الأنبا أنطونيوس ؛ويوجد بها المغارة القديمة التي أقام فيها الانبا انطونيوس زمنا ؛ وهي تقع في الجانب القبلي من صحن الكنيسة ؛علي عمق 1,95 متر ؛وطولها 1,75 متر ؛وعرضها 80 ,. متر ؛ومغطاة بباب خشبي موضوع علي الأرض ؛ولقد ذكرت بعض المراجع أنها أصلا مقبرة فرعونية . أما الكنيسة الثانية فهي علي أسم مرقوريوس أبو سيفين ؛وهي كنيسة صغيرة وقبابها متهدمة ؛وبها مذبح واحد وشمال الهيكل سلم يؤدي إلي برج الجرس ؛ويوجد بها كرسي يعتقد أن البابا كيرلس الرابع كان يجلس عليه عند زيارته للدير .
ولقد جاء خبر عن الدير في "تاريخ البطاركة " ؛ حيث ورد عنه خبر في سيرة البابا غبريال السابع البطريرك (95 ) ( 1525- 1568 ) حيث ذكر عنه أنه قام بتعمير دير الميمون كما وجه همته أيضا إلي عمارة الأوقاف ؛كما ورد في خبر نياحته أن السلطان العثماني وقتها فرض علي جميع التجار اليهود والخواجات والنصاري ألفين دينار بسبب سفر الجيش المتوجه به سنان باشا الوزير العثماني فتوجه البابا حزينا وهاربا من شره إلي دير القديس أنطونيوس بالميمون فعند وصوله إلي الميمون نزل المعدية ومات فيها .ومن الآباء البطاركة الذين زاروا هذا الدير نذكر البابا كيرلس الخامس البطريرك ال112 ( 1874- 1927 ) حيث قام بزيارة الدير وهو في طريقه إلي السودان ؛وكان ذلك يوم 3 فبراير 1904 ؛وأصطحب معه في هذه الزيارة الأنبا يؤانس مطران البحيرة والمنوفية "البابا يؤانس التاسع عشر البطريرك 113 (1929- 1942 ) فيما بعد ؛ والأنبا مرقس مطران اسنا والانبا بخومويس أسقف دير المحرق .أما الزيارة الثانية فكانت في يوم 25 يناير 1909 ؛ وكتب عنها بالتفصيل يوسف بك منقريوس "أول مدير للمدرسة الإكليركية الحديثة والتي تأسست في 29 نوفمبر 1893 " في كتابه "تاريخ الأمة القبطية مدي العشرين سنة الماضية من سنة 1893- 1913 "