بقلم: مهندس عزمي إبراهيـم
من نلــوم!؟؟ سؤال أوجهه إلى كل "مصري" مسلم أو مسيحي أو حتى كافر ملحد، ما دام يحظى بشرف أن يُلقب مصرياً ويتشرف بمصريته دون قيد أو شرط أو إضافة. أوجه سؤالي إلى كل مصري يُقَدِّر ويعتز أن الله قد منحه عيناً كعين الكاميرا تعكس له بصدق تام وبلا زيف أو رياء أو مغالطة ما يجري من حوله من أمور. فتعرض له الأبيض والأسود، والبحر والبر، والخير والشر معاً في لوحة واحدة بواقعية صارخة لا لبس فيها ولا تدليس.
أسأل كل مصري يُقَدِّر ويعتز أن الله قد منحه عقلا يستعمله في التفكير والتقدير والتحليل فيفرز الشر عن الخير، والضلال عن الحق، والزيف عن الحقيقة، والظلام عن النور، والظلم عن العدل، كما يفرز القش والرمل والحصى عن القمح والرز.
أسأل كل مصري: من نلــوم!؟؟
من نلــوم عندما نملك متحفاً (أو قصراً أو بنكاً أو مخزناً أو ما شابهه)ً، وكنا مطمأنيين آمنين لأن لدينا فريق من حرسٍ، قادرٍ مؤهلٍ مدربٍ ومسلحٍ، مكلفاً برقابة الطريق وبوابة وكل منافذ المتحف. حرس مسؤل عن الحفاظ على المتحف وعلى ما فيه من نفوس وكنوز. حرس يعلم كل العلم مسبقاً أن هناك عصابة من لصوص متربصة عرض الشارع كامنة مقابل المتحف متنكرة متخفية متحيِّنة الفرصة للهجوم على خزائن وكنوز المتحف، بل على المتحف ذاته استعداداً لنهبه وسلب كل ما فيه وحقوق كل من فيه ولو بسفك الدم. وإذ يوم بعد يوم، وبتوالى الأيام، والحرس المحنك المستأمَن يتناعس ويتغافل ويتهاون في واجبه إذاء مناوشات جائرة لا تخفى على ضرير. وإذ في لحظة سوداء يترك الحرس باب المتحف على مصراعيه ويسلم مفتاحه للعصابة السارقة بلا مقاومة بل بكل تعاون وسلام مغلف بشبهات. من نلــوم!؟؟
منذ نكسة 25 يناير 2011، مرت بمصر، أمام أعيننا جميعاً وأمام أعين العالم كله، أحداث متلاحقة ومتداخلة مليئة بالمنعطفات الملتوية والحنايا المعتمة. أحداث مدعمة بثوابت لا يغفل عنها إلا غبي أو جهول أو مغرض. فبعد قيام ثورة 25 يناير وما حدث بها من تداخلات وتضارب من كل الفئات المخلصة (شباب الثورة الشرفاء) والفئات المغرضة.(رجال النظام السابق والاخوان والسلفيين والوهابيين والجهاديين)، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية حكم مصر مبدئياً. ومنذ ذلك الحين وحتى تمت انتخابات رئاسة الجمهورية وأعلن الرئيس المحظوظ، ولسبب ما أو لأسباب عدة، شاعت الفوضى الأمنية في أنحاء مصر بادئة تجاه الأقباط الأبرياء ومقدساتهم وممتلكاتهم بل وحياتهم. وما لبثت حتى أن تحولت إلى فوضى أمنية مطلقة في سرت نارها في دروب مصر وحواريها وميادينها وقراها ومدنها كلها بل وعلى المصريين جميعاً. ذلك دون أن يحرك المجلس الأعلى للقوات المسلحة إصبعاً لضمان سلامة المواطنين واستقرار الوطن. بل أظهر بطولاته بدهس أبناء الوطن تحت مدرعاته.
ظهرت على المسرح المصري تيارات لا يمكن أن تكون تلقائية أو عفوائية حيث لا يمكن أن تغفل العين والعقل عن أنها مدفوعة ومنظمة ومخططاً لها بدقة. أقصد بذلك تيارات "الفوضى المنظمة" (إذا صح هذا التعبير لغوياً رغم تناقض شقَّيْه). فوضى منظمة، من مغرضين ومأجورين ومدفوعين ومدفوع لهم من السعودية ودول الخليج وربما أمريكا بتخطيطاتهم المشوبة. حيث وجدوا الساحة في مصر مفتوحة على مصراعيها لأغراضهم الدفينة، ساحة لم يحلموا بها، أو حلموا بها ولكن فوجئوا بمتاحتها. أتاحتها لهم "ثــورة" من شباب حر ولكن بلا خبرة..غاضب ولكن بلا قائد.. وعسكر حاكم متغافل متواطئ.
تضاعفت وتفاقمت هذه الفوضى حتى وصلت إلى رفع أعلام السعودية على أرض مصر، والهتاف باسم السعودية في أكبر مدن مصر وأعظم ميادينها علنا وبلا خجل. وقطع السكك الحديدية أكثر من مرة وفي أكثر من موقع فاصلين جنوب الوطن عن شماله، واشعال الحرائق وهدم المنشئات وإلغاء الوجود البوليسي بشوارع مصر مما كبل المصالح العامة والخاصة والخدمات الحيوية على غالبية شعب الأمة المصرية، مما أدى بالتالي إلى النزول بالاقتصاد المصري إلى الحضيض وضياع دخل السياحة وقلة الانتاج وارتفاع الأسعار. وتلا ذلك انتشار البطالة والفقر والجوع وسوء الأخلاق بين أبناء مصر. تجاه كل هذا وقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم للبلاد وقفة المتفرج، خاصة فيما يخص الأمن والاقتصاد وخاصة أكثر تجاه ما يعتبر في أي دولة حرة خيانة عظمى، وأقصد رفع أعلام دولة أجنبية والهتاف باسمها في مظاهرات عامة على أرض مصر.
لم تقم مظاهرات او تجمعات خلال حكم العسكر إلا ظهرت بها الأسلحة البيضاء وغير البيضاء النارية الحمراء والسوداء بكميات كبيرة تدل على التدبير والتخطيط والاستعداد للهجوم في لحظات كما تم في ماتش كورة في استاد بورسعيد. ظهور الأسلحة الآلية والأتوماتيكية والصواريخ وظهور تنظيم القاعدة علناً وجهاراً في شوارع وميادين مصر يدل على محاولات وأهداف كل العناصر السرية والـ لاسرية لهدم الهوية المصرية وضمها لأفغانستان والصومال والسودان واليمن. مجرد ساحات لاقتناص السيطرة عن طريق اشاعة الخراب والدمار وسفك الدماء والفوضى المطلقة. مثلهم مثل الصراصير والدود والذباب وباقي الحشرات التي لا تعيش إلا في أكوام الزبالة.
ما السبب الفعلي لهذا التراخي من المجلس الأعلى للقوات العسكرية حاكم البلد؟؟ هل كان سوء تقدير منه للأمور؟؟ أم يرجع إلى عدم حنكة سياسية؟؟ أو عدم خبرة بادارة الأمن الداخلي؟؟ أم كان مرغماً لضغوط داخلية من خلايا عناصر الاخوان والسلفيين بداخل الجيش ومِن حوله؟؟ أم مرغمأً لضغوط خارجية على المجلس الأعلى من دول أجنبية ممولة للجيش وهي السعودية وقطر واخواتها ولايات الخليج وأمريكا وربما غيرهم؟؟
أم هو تضامن خفي مع قوى الفوضى على حساب أمن المواطنين؟؟
مهما كان السبب أو الأسباب الحقيقية خلف موقف العسكر من انتشار الفوضى الأمنية التي هي السبب الأعظم في ظهور واستقواء العناصر الطامعة والهدامة لأمن مصر واستقرارها، فهو موقف غير مشرف للجيش حينئذ، فقد كان القوة الوحيدة المسئولة عن أمن الوطن داخلياً وخارجياً في تلك الفترة.
منذ عام 1928، ومصر بحكوماتها وجيشها ورجال أمنها وأجهزة مخابراتها تعلم بوجود جماعة الأخوان المسلمين ونواياهم في السيطرة والتسلط والهيمنة على مفاصل مصر قبل أي دولة أخرى، لأن مصر مفتاح الشرق ودوله. ومنذ ذلك الحين ومصر تعاني من تخطيطات الأخوان ضد حكوماتها سواء ملكية أو جمهورية، كما قامت باغتيالات العديد من نجوم المجتمع المصري ورجال السياسة المصرية.
ولا تنسى مصر ما يسمى بـ "حريق القاهرة" الذي نسب تخطيطه وتدبيره وتنفيذه إلى قيادات وأعضاء الأخوان المسلمين. وهو حريق كبير اندلع في 26 يناير 1952 في عدة منشأت في عاصمة مصر. في خلال ساعات قلائل التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة.
ففي الفترة ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا والساعة الحادية عشرة مساءً التهمت النار نحو 300 محل بينها أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر مثل شيكوريل وعمر أفندي وصالون فيردي، و 30 مكتبًا لشركات كبرى، و 117 مكتب أعمال وشققا سكنية، و 13 فندقًا كبيرًا منها: شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا، و 40 دار سينما بينها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي، و 8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و 10 متاجر للسلاح، و 73 مقهى ومطعمًا وصالة منها جروبي والأمريكين، و 92 حانة، و 16 ناديًا. وقد أسفرت حوادث ذلك اليوم عن مقتل 26 شخصًا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا, (وقد ذكر اللواء محمد نجيب في مذكراته ان القتلي 46 مصري و 9 اجانب) .
كما أدت إلى تشريد عدة آلاف من العاملين في المنشآت التي احترقت، وقد أجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان على أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التي قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، فقد اتضح أنهم كانوا على معرفة جيدة بأسرع الوسائل لإشعال الحرائق، وأنهم كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة في تنفيذ العمليات التي كلفوا بها، كما كانوا يحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة ومواقد إستيلين لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، وقد استخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم في وقت قياسي، كما أن اختيار التوقيت يعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط لتلك العمليات، فقد قامت هذه العناصر بالحرق والتخريب في عدة مناطق بالقاهرة في وقت واحد. كما انها اختارت لتنفيذها بعد ظهر يوم السبت حيث تكون المكاتب والمحلات الكبرى مغلقة بمناسبة عطلة نهاية الأسبوع، وتكون دور السينما مغلقة بعد الحفلة الصباحية.
وفي نفس ليلة الحريق قدم رئيس الوزارة "مصطفى النحاس باشا" استقالته، ولكن الملك رفضها، واجتمع مجلس الوزراء، وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى.
وتم تعيين "النحاس باشا" حاكمًا عسكريًا عامًا في نفس الليلة، فأصدر قرارًا بمنع التجول في القاهرة والجيزة من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وأصدر أمرًا عسكريًا بمنع التجمهر، واعتبار كل تجمع مؤلف من خمسة أشخاص أو أكثر مهددًا للسلم والنظام العام يعاقب من يشترك فيه بالحبس.
كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعلم منذ بدء حكمه لمصر، بل كان على علم تام من قبل ذلك بما يقرب من ستين عاماً، بوجود ونوايا وقدرات جماعة الأخوان المسلمين. وترك لهم الحبل على الغارب عمداً، ولم يقف في وجههم عندما تجاوزوا حدودهم الوطنية والأمنية تدريجياً، وهو المؤهل والمسئول عن حماية الوطن والقادر أن يصد جيوش الأعداء عن حدود مصر. تغاضى عن تجاوزاتهم حتى ما عادوا يخشون أحداً ولا هيئة (لا الأزهر ولا القضاء ولا الشرطة ولا الجيش ولا المواطنين) فاستأسدوا علناً.
أما عن الادعاء بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة استسلم لطلبات الجماعة فمنحها رئاسة مصر ومفتاح مصر استجابة لتهديداتهم خوفاً على دمار مصر. أقول هذا هراء في هراء. ففعل العسكر القادر المحنك، المسلح المؤهل، والمسئول عن حماية مصر ضد أي عدو لها من خارجها أو من داخلها هو فعل شائن للشرف العسكري ويعتبر في الدول الحرة خيانة عظمي يعاقب عليها. فقد ساهم في وضع قبضة الأخوان على عنق مصر وأحذيتهم على صدر مصر. وهذا هو الدمار ذاته.
من نلـــوم!؟؟
أنا أحتقر لصوص المتحف، ولكني ألـوم بل أديـن حرّاس المتحف المكلوفون بحمايته بتواطئهم مع اللصوص. لقد أخطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينما تهاون في أمن البلاد تدريجياً على مدار فترة حكمه لمصر. وأخطأ حينما تهاون أمام تعديات وتحديات وتجاوزات التيارات الهادمة لمصر وهوية مصر وحرية مصر. وأخطأ حينما تواطأ مع عملاء من داخل وخارج الوطن في صفقات مشينة أدت إلى تسليم الوطن لأيدي أعداء الوطن، عالماً أنهم حقاً أعداء الوطن.