بقلم/ عادل يوسف - أستاذ بالولايات المتحدة الامريكية
مدينة الأقصر، أو حسب اسمها القديم، مدينة الشمس أو مدينة النور، بها البَرّ الشرقي – حيث شروق الشمس - والذي يُطلق عليه مدينة الأحياء لان به قد شُيّدت القصور والمعابد، ومن بينها معبد الاقصر الذي كان مخصصًا لعبادة الثالوث - ثالوث آمون رع وزوجته وابنهما. وبالمدينة أيضًا البَرّ الغربي - حيث غروب الشمس – ويُطلَق عليه مدينة الاموات لأن به بُنِيت مئات المقابر لملوك وملكات ونبلاء مصر القديمة بجانب العديد من المعابد الجنائزية.
 
ورَسَم اجدادنا القدماء الشمس ولها اجنحة على جدران معابدهم، وكان رَسْم مفتاح سر الحياة لديهم على شكل الصليب… ومن الواضح أن الشكلين كان لهما عمق في وجدان أولئك المصريين القدماء…
 
والأن، فإنه من المذهل حقا أن نجد أن الوحي الالهي وكأنه يخاطب هذا الوجدان الأصيل لاحقًا عبرالكتاب المقدس من خلال آية: "«وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملا ٤ : ٢)، ويرُد عليها ايضا بآية: " «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني»." (هو ١١ & مت  ٢)، ويرد على صورة مفتاح سر الحياة بآية: "… الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُدْعَى رُوحِيًّا سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضًا." (رؤ ١١: ٨)، في إشارة إضافية إلى ذبح خروف الفصح هناك أيضا … بمصر التاريخ والرموز والأصالة.
 
يوم الخميس ١٢ يناير ٢٠٢٣ صدر حكم برفض الطعن المقدم،قبلها بعامين، من جانب النائب العام المصري على براءة المتهمين بتعرية “سيدة الكرم"، وهو ما يعتبر حكمًا باتاَ بتأييد براءة هؤلاء المتهمين، وهو الحكم الذي كان قد صدر في ديسمبر من عام ٢٠٢٠. ورَفضُ الطعن جاء لأسباب إجرائية بحتة، وتم قبول القضية شكلا، ورفضها موضوعًا…
 
وكان المتهمون بتعرية السيدة سعاد ثابت قد طالبوا بعد حكم براءتهم الأول، منذ عامين، بتعويض لهم… ليكتمل العدل الارضي! وأما من جهتها فالسيدة سعاد ثابت والتي بكت بشدة عند سماعها، عن طريق محاميها، بحكم رفض الطعن، أعلنت إيمانها بأن عدالة السماء أفضل من عدالة الأرض…
 
ولربط الموضوعين أعلاه، نعود لكلمات الوحي الإلهي "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا..." (ملا ٤ : ٢). نعم، والشفاء في أَجنحتها… ولذا فنحن نصلي، بإيمان صادق بقوة فعل الصليب الذي حملته السيدة سعاد ثابت وذويها، لله الحنون أن يعطي شفاءا لنفس تلك السيدة العظيمة ببساطتها وبإيمانها، نفسها التي انكسرت، وأن يضمد جراحاتها ويعزيها ويسند كل مَنْ لها … ولكننا نؤمن أيضا أنه حينما تنتهي حلول الأرض، وتنعدم أو تحتجب عدالتها، فلابد أن يشرق علينا حكم وعدالة وتعويضات وتعزيات القادر على كل شيء، ضابط الكل الرب الهنا، لأنه قوي.
 
لكل مظلوم ومقهور ومتألم على الأرض، كطالبات وطلاب الصفر، وجرجس بارومي، والطفل شنودة، والست سعاد وأبنائها، وكل آخر على اختلاف معتقده ولونه وجنسه وهويته … نُذَكِّرَه بأننا على الارض، وأن أهل الارض محدودون في كل شيء، ولكن هناك رب للسماوات والارض، وهذا الرب قوي وقادر ورحيم وعادل و هو يرى ويسمع ويسجل، ونعلم أنه محب البشر وحده. كما نعلم أنه قاضٍ عادلٍ، ولكن لديه حساباته ولديه وقت لك شيء. ولكل من يدعو لله نقول: "يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ…" (إش ٦٢: ٦-٧).
 
ولكِ يا ست سعاد، يا من زرفت الدموع، مصرحة بما انفتحت عليه عيناك عن عدالة السماء بأنها أفضل من عدالة الأرض، نقول: إن حَمْل الصليب والرضاء به والصبر عليه ما هو إلا نعمة وهبة تُوهب، وهو كنز يَهرع لغصبِه من سكنوا مدينة النور ورأوا بالرجاء وبنقاء النفس وانفتاح الأعين الداخلية، بهاء المدينة التي لها الاساسات… ونقول لك أيضًا: أنتِ مصرية، و أجدادك سكنوا مدينة النور وأشرق عليهم شمس البر بإطلالته على أرض مصر قديمًا كطفلٍ صغيرٍ، وعلى أرضها ذُبح خروف الفصح قديمًا، ومن محافظتك ذُبح ابناء سمالوط، على شواطئ ليبيا الحبيبة التي وهبت لنا كنزًا من البركة. فهنيئا لكِ صليبك وهنيئًا لك قيامتك التي أُخفِيَ سِرُها، كما أُخفيَ سر قيامة كل من اشترك في صليب مخلصة ومخلصنا، عن كل حكماء الأرض … لأنه "إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ." (يو ١٢ : ٢٤).
 
ونشدد على أن: "كل محنة الصليب تنتهي بمجد"، و "لا يوجد صليب بدون قيامة، إن كان صليباً حقيقياً" كما صاغها الأب متى المسكين في عظته بعنوان "الصليب في حياتنا" في عام ١٩٧٧. ونضيف لكِ الكلمات المنيرة التي للوحي الإلهي بإشعياء النبي، "«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، ومجد الرب أَشْرَقَ عَلَيْكِ." (إش ٦٠ : ١).
 
ولبلدنا الثمينة مصر: نحبك، بتاريخك، وأرضك، ورئيسك، وحكومتك، وكل شعبك الطيب. ونصلي لكل المصريين على اختلاف انتماءاتهم بالخير، ولمصر أن تعلو بين الامم وأن تسطع بنور نهارٍ جديدٍ، يُفَرِّح فيه الله قلوب كل بنيها وساكنيها ويسندهم، وأن يصنع لهم على الدوام عدلاً وكرامةً وحقًا… أمين.
 
عادل يوسف