يعتبر شرب كوب من القهوة روتينا يستهل به الكثيرون يومهم، لكن يبدو أن هذا الروتين قد يتحول إلى رفاهية في أوروبا بعد الزيادات المستمرة في السنوات الأخيرة في سعر القهوة الذي يمكن أن يصل إلى مستويات أعلى في عام 2023.

 
بحسب أرقام "يوروستات"، التي حصل عليها موقع "سكاي نيوز عربية"، فقد قفز سعر القهوة في الاتحاد الأوروبي من زيادة بنسبة 5 % في يناير 2022 مقارنة بشهر يناير 2021 إلى 14% في يونيو و 17% في نوفمبر الماضي. وفي البلدان الأكثر حساسية للتضخم، مثل ليتوانيا أو المجر، تتجاوز الزيادة 35 %.
 
ويعتبر معهد الإحصاء للاتحاد الأوروبي أن هذه "الزيادات الأخيرة في الأسعار قد تحول هذا المنتج الاستهلاكي حتى الآن إلى منتج فاخر".
 
 ويرجع خبير السوق وأحد رواد صناعة "القهوة المتخصصة" في فرنسا، كريستوف سيرفيل أسباب هذا الارتفاع في الأسعار إلى عوامل كثيرة، أهمها بحسب حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، "التغير المناخي وارتفاع أسعار الطاقة".
 
ويوضح "عانت القهوة في البداية من التغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري الذي أثر بشكل سلبي على زراعة البن وحجم المزارع. ثم الأزمة الصحية التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا، إذ وقع شلل في النقل العالمي، فأشجار البن تزرع في المناطق الاستوائية، وبعد عملية الجني والتحميص يتم نقل الحبوب عبر السفن إلى أماكن الاستهلاك الجماعي مثل أوروبا، مما يؤدي إلى تحمل تكاليف لوجستية وطاقة كبيرة. وقبل التعافي من تبعات الأزمة الصحية، انطلقت الحرب في أوكرانيا وارتفعت فواتير الطاقة بشكل أكبر ما زاد من مصاريف الإنتاج والتوزيع".
 
 ويبدو أن هذا الوضع الذي يخص جميع أنواع القهوة، وجميع مناطق المزارع حول العالم، والفاعلين في هذا السوق الذي تبلغ قيمته 385 مليار دولار في عام 2021 لم يؤثر على شهية المستهلك، إذ لا تزال القهوة تحتل المرتبة الثالثة في قائمة أكثر المشروبات استهلاكا في العالم بعد الماء والشاي.
 
وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي في المجال الزراعي، أوليفييه فري، لموقع "سكاي نيوز عربية" بقوله "يظل الطلب مستقرًا، وقد يفوق العرض بسبب الأزمة التي تمر منها مزارع البن".
 
ويشير إلى أن هذا الارتفاع ليس وليد اليوم، إذ خلال السنوات الأخيرة بدأت تدق نواقيس الخطر. خصوصا بعد أن أعلنت البرازيل، المنتج والمصدر الأول، عن تراجع محصولها بسبب موجة الصقيع التي ضربت المحاصيل في عام 2021.
 
ولم تكن موجة البرد هذه هي الأولى، لكنها كانت عنيفة بشكل خاص، لأنها أتت مباشرة بعد الجفاف وتصادفت مع الجائحة العالمية.
 
 وقبل أسبوع، حصدت بدورها كولومبيا، ثالث أكبر منتج للبن في العالم، 11.1 مليون كيس من الحبوب في عام 2022 ، بانخفاض 12 % عن العام الماضي، وفقًا للأرقام الصادرة عن الاتحاد الوطني لمزارعي القهوة في البلاد.
 
وهو أسوأ محصول لها منذ عام 2013 وسببه انخفاض درجات الحرارة التي تؤدي إلى هطول أمطار غزيرة.
 
 وعندما يسعل منتجو البن يصاب عالم القهوة بنزلة برد، قد تكون حادة بحلول عام 2050، بعد أن تنبأت دراسة نشرت من قبل باحثين من جامعة زيورخ في يناير من العام الماضي في المجلة العلمية "Plos One" باختفاء 50 % من الأراضي المخصصة لزراعة القهوة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. فلكي تنمو شجرة البن تحتاج ما بين 18 و20 درجة مئوية، وعندما تنخفض درجة الحرارة أو ترتفع، يتضرر المحصول.
 
هل ستتمكن مزارع القهوة إذن من تلبية الطلب الملح في أوروبا؟
 
بالنسبة لكريستوف سيرفيل، "سيشرب الأوروبيون قهوة أقل ولكن بجودة أفضل". إذ أن "عشاق القهوة بدأوا يتحولون إلى السوق الراقي".
 
وأردف "سيعرف سوق "القهوة المتخصصة"- قهوة عالية الجودة وأغلى ثمناً، تُباع عادةً في المتاجر المتخصصة- في أوروبا تطورا ملحوظا خلال السنوات العشر المقبلة. سيرتفع ثمنها أكثر لأن الطلب عليها يزداد يوما بعد يوم، كما حصل مع سوق واللحوم، نستهلكهما بكميات أقل لكن جودتهما تحسنت".
 
 ويضيف "قبل الحرب العالمية الثانية، كان البن في أوروبا يعتبر منتجا فاخرا، واليوم نشهد بداية عودة حبوب القهوة إلى هذا العصر. سيتغير تصور الناس لهذا المشروب، بدل أن يشربوا ستة أكواب في اليوم، لأن ثمن الكوب الواحد بخس، سيتناولون كوبا واحدا لأن الثمن مرتفع والجودة أفضل".
 
ولهذا يقول الخبير في سوق البن: "توجه العديد من المزارعين من الجيل الجديد إلى زراعة "القهوة المتخصصة" لأنها مدرة للربح وتحافظ على البيئة ويزداد عليها الطلب يوما بعد يوم، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض دول آسيا".