أحمد الخميسي
تسرح الغزلان في الغابات وتعاشر بعضها بعضا من غير أن تطرح أي سؤال عن تلك العلاقة، أما الانسان المبتلى بالوعي، رجلا كان أم امرأة، فإنه إذا أقام علاقة تساءل: هل هو الحب حقا أم أنها معاشرة؟
فإذا تيقن ن أنه العشق سأل: وهل الحب ضرورة؟ فإذا قلت له إنه ضرورة نظر إليك بتشكك وقال: وهل ينطبق ذلك على حالتنا؟! و لا يكف عن الأسئلة. يغرد الطير فوق الشجر ولا يستفسر: لماذا أغرد؟ أما الانسان المبتلى بالوعي فإنه يبدع كاتبا ثم يتريث متسائلا: ولماذا أكتب؟ فإذا قدمت له إجابة تساءل: وهل لذلك جدوى؟ فإذا وجدت له جوابا غمغم:" هذا من وجهك نظرك..لكن.." ولا يكف عن الأسئلة! ولاشك أن للتطور التاريخي والاجتماعي أسبابا كثيرة، لكن لعل الأسئلة والحيرة المقترنة بها أحد أهم أسباب ذلك التطور.
وفي اعتقادي أن الكاتب يكتب أولا وثانيا وثالثا ليس التزاما بفكرة أو مبدأ، فهذا يأتي لاحقا، لكن لأن هذه هي طبيعته، لذلك يكتب حينما تسد أمامه أبواب النشر، ويكتب حينما يضعونه في زنزانة، ويكتب وهو نائم مثلما كان يفعل نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة. الكتابة طبيعة ذاتية، شخصية، مثل التغريد في الطيور، والسباحة في الأسماك، ولذلك فإن آلاف الأسئلة لم تمنع أديبا من الاستمرار في عمله، كما لا يمنع الطقس السيء انسانا من التنفس، ثم تاتي بعد ذلك قضية ارتباط هذه الطبيعة الشخصية بما حولها من هموم الآخرين، وقضاياهم، والرغبة في تغيير العالم إلى الأفضل، لكن لابد بداية من أن تكون الكتابة طبيعة شخصية دامغة مثل التغريد في الطائر. تطرح الأديبة الأمريكية جويس كارول لوتس إجابة عن السؤال بقولها إن:" الأدب كله والفن كله ينبع من أمل التواصل مع الآخرين". نعم. في كل كتابة ثمة رسالة إلى آخرين، وأمل بالتواصل، لكن ذلك جزء من التفسير. ويقدم الأديب العملاق جوزيف كونراد جانبا آخر من القضية قائلا:" أكتب لكي أحارب فكرة الموت الذي نولد ونحن نعرف انه ينتظرنا في نهاية الطريق". وهذا جانب آخر، لأن كل فن عظيم يستعصى على الموت باستمراره في الوجود، فيعزي الانسان وينصره على الموت. ويضيف كونراد: "غير أن ذلك ليس وحده ما يكفي للكتابة، ففي عملية الكتابة تصبح لذة ابداع نص مسألة حياة أو موت، سعادة أو مأساة".
هكذا يعود الكاتب إلى قضية طبيعة التغريد الذاتية الكامنة وراء الابداع. ويطرح الكاتب المعروف جورج أمادو زاوية أخرى لتفسير دوافع الكتابة فيقول:" أكتب لكي أستطيع التأثير في الناس، هكذا أساهم في تغيير واقع بلادي عبر خلق رؤية لحياة أفضل". هكذا أصبحت لدينا رغبة التواصل مع الآخرين، وأيضا هزيمة الموت بالانتصار على الزمن، وأخيرا الرغبة في تغيير الواقع. أما الكاتبة المعروفة إيزابيل اللندي فإنها تضيف سببا آخر حين تقول:" تمنح الكتابة دائما شكلا من النظام لفوضى الحياة"، وهنا نفهم أن الكتابة نوع من إعادة الوعي بالعالم، وجعله أكثر منطقية، ونظاما، ومفهوما، ومبررا.
في بعض الحالات تجتمع كل هذه الأسباب لتشكل دافعا للكتابة، لكن إذا لم يكن الكاتب مغردا بطبيعته فلا جدوى من كل ذلك، لهذا كتب الشاعر النمساوي" راينز ماريا ريلكه": " يكفي أن يشعر المرء أن بإمكانه الحياة من دون كتابة ليكون الأجدر به ألا يكتب تماما"، أي إذا لم تكن الكتابة طبيعة شخصية ذاتية عميقة فلا تكتب. وفي كل الأحوال فإنك مهما طرحت من إجابات على السؤال المؤرق لن يكف الانسان عن التساؤل.
تسرح الغزلان في الغابات وتعاشر بعضها بعضا من غير أن تطرح أي سؤال عن تلك العلاقة، أما الانسان المبتلى بالوعي، رجلا كان أم امرأة، فإنه إذا أقام علاقة تساءل: هل هو الحب حقا أم أنها معاشرة؟
فإذا تيقن ن أنه العشق سأل: وهل الحب ضرورة؟ فإذا قلت له إنه ضرورة نظر إليك بتشكك وقال: وهل ينطبق ذلك على حالتنا؟! و لا يكف عن الأسئلة. يغرد الطير فوق الشجر ولا يستفسر: لماذا أغرد؟ أما الانسان المبتلى بالوعي فإنه يبدع كاتبا ثم يتريث متسائلا: ولماذا أكتب؟ فإذا قدمت له إجابة تساءل: وهل لذلك جدوى؟ فإذا وجدت له جوابا غمغم:" هذا من وجهك نظرك..لكن.." ولا يكف عن الأسئلة! ولاشك أن للتطور التاريخي والاجتماعي أسبابا كثيرة، لكن لعل الأسئلة والحيرة المقترنة بها أحد أهم أسباب ذلك التطور.
وفي اعتقادي أن الكاتب يكتب أولا وثانيا وثالثا ليس التزاما بفكرة أو مبدأ، فهذا يأتي لاحقا، لكن لأن هذه هي طبيعته، لذلك يكتب حينما تسد أمامه أبواب النشر، ويكتب حينما يضعونه في زنزانة، ويكتب وهو نائم مثلما كان يفعل نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة. الكتابة طبيعة ذاتية، شخصية، مثل التغريد في الطيور، والسباحة في الأسماك، ولذلك فإن آلاف الأسئلة لم تمنع أديبا من الاستمرار في عمله، كما لا يمنع الطقس السيء انسانا من التنفس، ثم تاتي بعد ذلك قضية ارتباط هذه الطبيعة الشخصية بما حولها من هموم الآخرين، وقضاياهم، والرغبة في تغيير العالم إلى الأفضل، لكن لابد بداية من أن تكون الكتابة طبيعة شخصية دامغة مثل التغريد في الطائر. تطرح الأديبة الأمريكية جويس كارول لوتس إجابة عن السؤال بقولها إن:" الأدب كله والفن كله ينبع من أمل التواصل مع الآخرين". نعم. في كل كتابة ثمة رسالة إلى آخرين، وأمل بالتواصل، لكن ذلك جزء من التفسير. ويقدم الأديب العملاق جوزيف كونراد جانبا آخر من القضية قائلا:" أكتب لكي أحارب فكرة الموت الذي نولد ونحن نعرف انه ينتظرنا في نهاية الطريق". وهذا جانب آخر، لأن كل فن عظيم يستعصى على الموت باستمراره في الوجود، فيعزي الانسان وينصره على الموت. ويضيف كونراد: "غير أن ذلك ليس وحده ما يكفي للكتابة، ففي عملية الكتابة تصبح لذة ابداع نص مسألة حياة أو موت، سعادة أو مأساة".
هكذا يعود الكاتب إلى قضية طبيعة التغريد الذاتية الكامنة وراء الابداع. ويطرح الكاتب المعروف جورج أمادو زاوية أخرى لتفسير دوافع الكتابة فيقول:" أكتب لكي أستطيع التأثير في الناس، هكذا أساهم في تغيير واقع بلادي عبر خلق رؤية لحياة أفضل". هكذا أصبحت لدينا رغبة التواصل مع الآخرين، وأيضا هزيمة الموت بالانتصار على الزمن، وأخيرا الرغبة في تغيير الواقع. أما الكاتبة المعروفة إيزابيل اللندي فإنها تضيف سببا آخر حين تقول:" تمنح الكتابة دائما شكلا من النظام لفوضى الحياة"، وهنا نفهم أن الكتابة نوع من إعادة الوعي بالعالم، وجعله أكثر منطقية، ونظاما، ومفهوما، ومبررا.
في بعض الحالات تجتمع كل هذه الأسباب لتشكل دافعا للكتابة، لكن إذا لم يكن الكاتب مغردا بطبيعته فلا جدوى من كل ذلك، لهذا كتب الشاعر النمساوي" راينز ماريا ريلكه": " يكفي أن يشعر المرء أن بإمكانه الحياة من دون كتابة ليكون الأجدر به ألا يكتب تماما"، أي إذا لم تكن الكتابة طبيعة شخصية ذاتية عميقة فلا تكتب. وفي كل الأحوال فإنك مهما طرحت من إجابات على السؤال المؤرق لن يكف الانسان عن التساؤل.
نقلا عن الدستور