بقلم: نبيل المقدس
كنت أود أن أبدي رأيي في الدستور الجديد , بعد ما أنهى دراسة بنوده حتي آخر بند فيه , وبعد ما أمارس حقي في مناقشته مع أصحاب الخبرة والمعرفة ببواطن أمور الدساتير , لكي لا أظلم هذه اللجنة الدستورية المنبثقة بطريقة غير دستورية .. وبالرغم أن مسودة الدستور مكتوب بعدة "أحرف" لكن أخذت علي نفسي عهدا أن يكون رأيي ليس من منطلق موقفي السياسي إتجاه من معهم زمام أمور مصر الأن .
ظننتُ بعد هذا المجهود المضني الذي أرهق أعضاء هذه اللجنة , أن أري مولودا فريدا حيث أنه في إعتقادي يُعتبر الإبن الرابع لثورة 25 يناير , بعد ما أنجبت لنا في ولادتها الأولي توأما " أحدهما مجلس الشعب والذي لم يكتمل نموه , ومات وهو في جهاز الحضّانة " و الأخر هو مجلس الشوري الذي وُلد ضعيفا ناقصا وعلي شفا الإنتهاء من أنفاسه الأخيرة .. أما المولود الثاني هو المؤسسة الرئاسية التي تم ولادتها عن طريق عملية قيصرية بعد تعسر الولادة 100 يوم , وما تزال هذه المؤسسة تحاول أن تجد لها مكانا بين الشعب المصري لأنها عجزت أن تجد الأليات المناسبة في تلبية متطلباته , مع ان هذه الطلبات سهلة في تحقيقها وتلبيتها , وأوّلي هذه الطلبات هى أن الشعب يريد إسترجاع جذوره العميقة المملوءة مجد وتقدم ورخاء ونهضة والتي كانت الفريدة بين الأمم حينذاك .. ثم أتت لنا الثورة بمولودها الثالث وهو لجنة كتابة دستور مصــر والتي تُعتبر مولودا مشوها , لا تتناسب أحجام ومقاييس أعضائها بالعُرف المحلي والدولي الذي به يتم تكوين هذه اللجان .. فأصبح لدينا لجنة دستورية من ذوي الإحتياجات الخاصة , والتي هي المفروض ان تكون مكتملة وبلا عيب او عور لكي تنتج لمصر دستورا غير مشوه ليرقي إلي مستوي سمعتها العظيمة السابقة علي مدي آلاف السنوات .
بدأت أقرأ مسودة الدستور بحرفيه الإثنين ( الأصلي والمرادف له).. ومن الطبيعي أن أقرأه بما أُنزل علي اعضائها حرفيا , ولا أتخذ حسن النية و ما يدور في ضمائرهم في مشروع دستور لا يحتمل التأويل أو تعدد المعني . فكلمات الدستور يجب ان تكون كالسيف القاطع الحاد والذي يفصل بين الحق والباطل بدون تردد أو شك يعتريه.
وكانت الصدمة الأولي لي كمصري .. عندما قرأت الباب الأول بحرفيه الإثنين للمقومات الأساسية للدولة :
المادة الأولي " بالحرف الأول " : تنص علي أن جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة , وهي موحدة لا تقبل التجزئة .. ونظامها ديمقراطي .. وأن الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية .. ويعتز بإنتمائه لحوض لنيل وافريقي وآسيا .. ويشارك في الحضارة الإنسانية .
نفس المادة " بالحرف الثاني " : تنص علي أن جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة وهى موحدة لا تقبل التجزئة ونظامها ديمقراطى والشعب المصرى جزء من الامة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة وهو جزء من الامة الاسلامية والقارة الاسيوية ويساهم فى تاخيها وتالفها ويعتز بانتمائه الى الجماعة الافريقية وحوض النيل ويسعى الى تكاملها واتحادها ويشارك بايجابية فى الحضارة الا نسانية .
إلي الآن وبعد ثورة عظيمة كما يُقال عنها , مازلنا نربط جذورنا بمكان نبتة ديانة الأغلبية .. فنحن مازلنا نضحك علي أنفسنا بأننا من أبناء العرب , وأن جذورنا عربية من خلال إحتلال عربي تم بغرض نشر ديانة المحتل , وأننا جزء من قارة آسيا .. وفي نفس الوقت نحن نعتز أن ننتمي إلي "الجماعة الإفريقية" وحوض النيل .. بأي وجه حق يستمرون في أقتلاعنا من جذورنا الأفريقية .. ومن أعطي لكم الحق في تهجين الجنسية المصرية الخالصة بجنسية آخري بعيدة عنها ثقافة وحضارة وتاريخ مملوء أمجاد وزهو وعلم وريادة فلكية وحربية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية ودينية , بجانب إختلافها في العادت والتقاليد . بأي حق يتم كتابة كلمة " الجماعة الإفريقية " .. هل افريقيا هي ما إلا جماعة ؟؟ .. وإن كانت جماعة فمن هو رئيسها ؟؟؟؟؟ . ألم يدركوا أن أفريقيا هي من أقدم القارات وأن مصر هي الرائدة دائما لهذه القارة السمراء ؟؟؟ ألم يعلموا أن القارة الإفريقية تتميز من بين باقي القارات بوجود مصر فيها , والمعروفة بأنها هي مهد الديانات والحضارات .؟؟؟؟
أكيد كل مصري مسلم يعتز بديانته الإسلامية وهذا جيد وعظيم ... وأتصور أن المصري هو الوحيد الذي صانها وجعلها تنتشر في العالم الغربي وغيره .. لكن هل هذا يجعله يتخذ جنسية أخري غير جنسيته الأصلية ؟؟. نحن نتمسك بأننا شعب مصري صافي وخالي من أي جنسية أخري مهما كانت ديانته .. نحن نعتز بأننا لسنا جزءا من أي ديانة أو اي قارة غير القارة السمراء ... بل نحن أصحاب الديانات نفسها لأن المصري له الفضل علي تنميتها وتخليدها .
لذلك وعندما قرأت البند الأول من هذه المسودة بحرفيها الإثنين ( الأصلي والمرادف ).. توقفت عن قراءة البنود الأخري .. فقد أحسست أن هذه المسودة موجهة لجنس آخر تم تهجينه لكي يصبح مصري مُزوّر ..!! لذلك أنا أرفض هذه المسودة حتي ولو كانت مكتوبة بعشرين حرف لأنها تسبب في إنتزاع أصلي وضياع هويتي المصرية الإفريقية .
أخيـــــرا إسمحوا لي بسؤال ... هل معني هذا أن من حق رئيس الجمهورية أن تكون زوجته عربية أي غير مصرية ( أجنبية ) .. ويُعتبر ليس مخالفا للدستور .. طبقا بما جاء بالمسودة أن الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية ...... دلّوني وتكسبوا ثواب !!؟؟؟