بقلم- شفيق بطرس
يقولون هنا في بلاد العم سام عن مارس أنه يأتي كأسد ويذهب كحمل، وذلك لأن مارس هو الدفء الذي يأتى بعد الصقيع وهو الربيع الذي يأتي بعد الشتاء ويقولون أنه لا ربيع يأتي إلا وقبله شتاء ولا دفء يأتي إلا ويسبقه برد وصقيع، وأقول ربما نحن نرى نهاية شهور الشتاء قد إقتربت وبدأ الجو أن يشعرنا ببعض الدفء.
بدأت الأرض تنفض عن كاهلها صقيع الشتاء ونفخت الرياح أغصان الشجر الجافة لتسقط كل ما تحمله من أوراق جافة ولكنها كانت متعلقه وتأبى الرحيل وتأتي رياح مارس تقول لها كفى.. فقد جاء وقت التجديد، هيا أتركى هذا المكان للبراعم الجديدة والتي في طريقها للظهور وستأتي أمطار ابريل لتغسل عنها الجفاف والبرد والقِدَم، تعطيها النشوة والأمل في حياة جديدة، لن تمكثي كثيراً أيتها الأوراق الجافة على أطراف الأغصان فستزرى رياح مارس كل ما هو جاف لتنتعش وجه الأرض وتعاود التنفس من جديد لتستقبل قُبلات الشمس الدافئة والتي تنفخ في جوفها روح الحياة الجديدة، تتسلل هذه الأذرع الخفية الدافئة داخل جوف الأرض لتبحث عن بذور الماضي المدفونة، المختبئة من صقيع الثلوج.
تحيطها بحب وحنان جارف، لتَدُب فيها النشوة وتستيقظ بعد طول نُعاس، تُحَضر نفسها لأول قطرة مطر لتنزع عنها قسوة الجفاف، وتسري فيها الليونة ويتحول القفر القالح إلى رحم طري دافيء تنبعث منه حياة جديدة، براعم جميلة تحمل في أوراقها الرقيقة كل ألوان قوس القزح.
ونرى الفروع الجرداء اليابسة قد تحولت إلى اللون الأخضر الجميل وأصبحت أكثر ليونة يوماًَ بعد يوم فهي تُحضر نفسها لتكون في شرف إستقبال البراعم الجديدة، لينتهي الجفاف والغصن اليابس ويبدأ الغصن اللين المملوء بالحياة، قد إنتهى وقت النوم والسكون ليبدأ وقت الحركة والحياة والأمل.
وهذه هي سُنة الحياة يجب أن تستمر ويجب أن تتجدد وبالتجديد يبقى الإستمرار، وبما انني من مواليد مارس وسمعت مُر الشكوى من زوجتي ومن كل من عاشرني وعرفني عن قُرب ولهم ألف حق ولا ألومهم فمولود هذا الشهر يحمل التناقض والإختلاف والتغير المفاجىء في طباعه فنجده هادىء ووديع كصفحة البحر الصافي وفجأة ينقلب إلى موج عالي وعواصف وأعاصير ولكنها سرعان ما تهدأ وتتحول إلى نسيم عليل جميل رقيق.
هذا مولود مارس الذي بدأ كأسد وإنتهى كحمل، بدأ بصقيع الشتاء وإنتهى بدفيءْ وجمال الربيع ونجد من صفاته الغموض وتقلب المزاج، فنجد طباعه في يوم واحد كما نجد في أيام شهر مارس الدفيء والبرد والغيوم والجو الصافي والحرارة والصقيع والمطر والرياح العاصفة، ولا تعرف ان كان ليلة طويلاًَ مثل ليل الشتاء أو قصيراًَ مثل ليالي الصيف، ولتسامحنى حواء في أن نقول أن البشرية إختارت مارس ليكون هو شهر المرأة، مثل يوم المرأه العالمي ويوم المرأة المصرية وكذلك إختار مصطفى أمين 21 مارس ليكون عيداً للأم، والسؤال هو: هل هناك روابط بين مارس وحواء؟
إن سألتني أقول:.. (يمكن) ربما قد شعر وقتها مصطفى أمين بالحيرة، ووجد في مارس صفات حواء.
فنجد حواء بنت الجيران التي قد حيرتنا أيام الشباب بغموضها، بالإبتسامة أو التكشيرة أو الرضا أو عدمه ولا كنت أعرف إنها تبتسم بسمة موافقة على ميعاد أو على شقاوتي وجرائتي أو فقط لترضيني وتجاملني، وهي الخطيبة التي جرينا وراءها نحاول لحظة رضا والإقتراب منها لفك بعض الطلاسم وما أصعب طلاسم حواء، وهي الزوجة التي دوخت الأزواج ولهُن في ذلك ألف طريق وطريق وغلبان معها يا آدم.
وهي الأم التي تحير إبنها فيكون بين إختيارين أن يرضيها وينفذ أؤامرها لأنها تشعر بخطر إقتراب إبنها من صديقة أو حبيبة وأن حواء الجديدة التي تقترب من الإبن قد تعتلي عرش قلبه وتتربع عليه وتزيح من فوقه الأم الملكة (السابقة).
ونجد الزوج أدم الغلبان محشوراًَ بين الحواءتين (الأم والزوجة) الملكة (السابقة) والأميرة وولية عرش قلبه (الحالية) وكانت تكفيه حواء واحدة لتطلع عينيه، وبعدها الإبنة وكم أحتار (أدم) الأب ليرضيها أو يعرف الطريق الوسط بين التمسك بالتقاليد وبين النواهي والممنوعات.
ولذلك كله من حق مارس أن يكون شهر أعياد المرأة بحق ولكن مارس رغم غموضه فهو شهر الربيع والزهور والحياة الجديدة والجمال والحنان، كما هي تماماً حواء فهي الأم وحنانها، والزوجة وحبها، والإبنة وعطفها.
وعلى كل (أدم) بعد أن يقرأ كل هذا الكلام أن يحذر من مارس ومن (حواء) المارسوية، ويفتح بكل حذر عينه... مش كده ولا إيه...