كتب - محرر الاقباط متحدون 
وجهت مطرانية بور سعيد للاقباط الارثوذكس، رسالة لشعب الكنيسة ، بعنوان "كيف تبدأ عام جديد" وجاء بنصها : 
 
 نهنئكم ببدء عام جديد نرجوا أن يكون عامًا سعيدًا في حياتنا ، وأن يكون كذلك بالنسبة إلى بلادنا ، وإلى العالم كله 
 
المهم في العام الجديد أن يكون جديداً في أسلوب حياتنا،بحيث نشعر فيه أن حياتنا قد تغيَّرت إلى الأفضل، سواء الظاهر منها في معاملاتنا، أو ما يخص قلوبنا وأفكارنا... فهل تشعر فعلًا وأنك من بداية العام الجديد قد قُمت بتصحيح بعض نقاط في تصرفاتك، كان يلزمها أن تتغيَّر... أم أنت كما أنت؟!.
 
أوَّل واجب علينا في عامنا الجديد، أن نشكر اللَّه من عُمق قلوبنا على كل ما فعله معنا من خير في العام الماضي سواء نحن أو مَن نحبهم.. ذلك لأنه كما يقول أحد الآباء " لا توجد عطية بلا زيادة إلاَّ التي بلا شُكر"... وقد قال داود النبي في أحد مزاميره: "سبِّحي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل إحساناته". ولاشكَّ أن إحسانات الرب إلينا كثيرة جدًا.
 
يحتاج الإنسان أيضًا في بداية العام الجديد، أن يجلس جلسة صريحة مع نفسه ، لا يُجامل فيها ذاته إنما يفحص حياته بكل دقة ، ويرى كيف يسير وهل توجد له ضعفات مُعيَّنة ، أو أمور يلومه البعض عليها؟ وهل أفكاره كلها نقية؟ وهل مشاعر قلبه كلها طاهرة؟ وهل تصرفاته بلا عيب وكذلك كل علاقاته؟.
 
عليه أيضًا في هذه الجلسة أن يبحث ما هي علاقته باللَّه ؟ وهل هي عبادة شكلية روتينية يهتم فيها بالمظهر فقط، أي يعبد اللَّه بشفتيه أمَّا قلبه فمُبتعد عنه بعيداً ؟! وهل هو أمين في جميع واجباته الدينية؟ وهل هو يُنفِّذ جميع وصايا اللَّه؟ .
 
وفي هذه الجلسة أيضًا ، عليك أن تبحث علاقتك مع بعض الفضائل الرئيسية مثل نقاوة القلب ونقاوة الفكر ، مثل الوداعة والهدوء ، وفضيلة العطاء ، وفضيلة العفة ، ونزاهة الكلمة وصدقها ، ومدى أمانتك في عملك .
 
إن كشف النفس فضيلة كبرى، ولوم النفس على أخطائها فضيلة أخرى. وما أصدق وأعمق قول ذلك الأب الروحي: "احْكُم يا أخي على نفسك قبل أن يحكموا عليك".
 
على أن كشف النفس ولوم النفس، ينبغي أن يصحبهما أيضًا تقويم النفس، أي إصلاحها. والإنسان قد لا يقبل أحيانًا توبيخ الآخرين له، ولكنه يقبل ذلك عن نفسه. ولوم الآخرين له قد لا يكون عن معرفة دقيقة بحقيقته. ولكن لومه لنفسه يكون عن معرفة تامة لنفسه. كما أن كشف الآخرين لأخطائه، قد يحرجه أمام الغير، أمَّا كشفه لنفسه فلا إحراج فيه. وهو كذلك يقبل التوجيه من ضميره أكثر مما يقبله من أي إنسان.
 
لذلك اهتم بنفسك ومصيرها في العالم الآخر، وكذلك سُمعتها في العالم الحاضر. فأنت تملك نفسًا واحدة، إن خسرتها خسرت كل شيء، وإن ربحتها ربحت كل شيء. وقد قال السيد المسيح في عبارة خالدة: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!"...
 
وأنت في فحصك لنفسك، وفي كشفك لأخطائك وتقصيراتك ونقائصك، احذر كل الحذر من تغطية كل ذلك بتبريرات وأعذار لا تستطيع مُطلقًا أن تريح الضمير، وليست مقبولة عند اللَّه... وقد صدق ذلك الإنسان الروحي الذي قال: "إن طريق جهنم مغروس بالأعذار والتبريرات "!! والواقع أنَّ الأعذار والتبريرات، إنما هدفها أن يلمّع الإنسان نفسه أمام الغير، بينما هو مكشوف أمام اللَّه... كما أنَّ الهدف أيضًا هو تغطية الخطية وليس إصلاح النَّفس!.
 
وإذ تعرف حقيقة نفسك في بدء العام الجديد، حاول إذن أن تضع لك خطة تشمل علاقتك مع اللَّه والناس ونفسك، بحيث تقودك إلى حياة أفضل. على أن تكون خطة عملية وسهلة التنفيذ. ولا مانع من أن يكون فيها عنصر التدرّج الذي به تصعد السلّم الروحي درجة درجة، وتصل إلى ما يمكن لنفسك أن تصل إليه، ولو بعد حين.
 
وفي كل ذلك تطلب المعونة الإلهية. لأنك بدون معونة اللَّه لا يمكنك أن تفعل شيئًا. إذن افتح قلبك أمام اللَّه، وقُل له بكل صدق وإخلاص: "ها هي نفسي أمامك يا رب، بكل نقائصها وضعفاتها، تطلب إليك أن تتولَّى أنت قيادتها. تتولَّى قيادة قلبي وفكري وحواسي وإرادتي. إنني لك أنت الذي أوجدتني. فلا تترك الشيطان يخطفني من يدك".
 
وبعد هذه الصلاة، اجلس أيضًا وادرس العوائق التي وقفت أمامك في الماضي، تعطلك في طريق الفضيلة، وتوقف نموك الروحي. واطلب من الرب قوة لاجتياز كل تلك العوائق. ومن جانبك حاول أن تسد جميع الأبواب التي تأتي إليك منها الخطيئة... وضع لنفسك قيمًا مُعيَّنة تلتزم بها مهما كانت الظروف الخارجية.
 
وكما تضع خطة لحياتك الخاصة، ضع لك أيضًا نموذجًا لعلاقتك مع الآخرين، وكيف تسودها المودة والتعاون والبُعد عن كل أنواع التصادم. وعلى قدر طاقتك سالم جميع الناس. البعض منهم تمنحه من عطائك، والبعض تحتمله في رقتك، والبعض تتحاشى غضبه. وكل هؤلاء تُصلِّي من أجلهم: أن يحفظهم الرب بسلامه، وأن يحفظك من أذية أي أحد منهم.
 
لا تنسَ في بداية العام الجديد أن تُصلِّي من أجل وطننا العزيز وسلامة كل فرد فيه، ليكن الرب معنا. وليكن هذا العام مُباركًا وسعيدً.