في مثل هذا اليوم قبل 15 عاما اغتيلت بنظير بوتو، التي كانت تولت منصب رئيسة الوزراء في بلادها لفترتين منفصلتين. حدث ذلك بعيد إلقائها كلمة في تجمع لأنصارها في مدينة روالبندي.
عقب حديثها أمام الحشد في محاولة منها للعودة إلى الحياة السياسية مجددا، استقلت بوتو التي كانت تعرف باسم "الوردة السوداء" سيارة مصفحة، لكنها في اللحظة الأخيرة أطلت من السيارة لتودع الحشود، وانطلق الرصاص في اتجاهها، ثم فجر انتحاري نفسه في الجموع.
قتل في هذا الهجوم ما لا يقل عن 23 شخصا، ونقلت بنظير بوتو إلى المستشفى بإصابات خطيرة، وفي غرفة العمليات ومن دون أن تستعيد وعيها فارقت "الوردة السوداء" الحياة، وكانت حينها تبلغ من العمر 54 عاما.
لقيت بنظير بوتو حتفها في محاولة الاغتيال الثانية. وكانت قد جرت محاولة اغتيالها قبل ذلك بشهرين في 18 أكتوبر 2007، في أول يوم بعد عودتها من الخارج إلى بلادها. في ذلك الوقت دوى انفجاران وسط حشد من الأنصار في طريق موكب بوتو، وقتل حوالي 139 شخصا وأصيب 500 آخرون، ولم تصب بنظير بسوء، كما لو أن الموت ضرب لها موعدا، قبل أربعة أيام من العام الجديد 2008.
توصف بوتو، وهي الابنة البكر لأربعة أبناء لرئيس الوزراء الباكستاني الأسبق ذو الفقار علي بوتو من زوجته الثانية الإيرانية نصرت أصفهاني، توصف بأنها واحدة من أكثر سياسيي القرن العشرين إثارة للجدل، حتى أنها في كثير من الأحيان كانت تقارن بكليوباترا!
كانت أول امرأة ترأس حكومة بلد مسلم. وهي سليلة أمراء حكموا مقاطعة السند الهندية. تلقت تعليمها في جامعتي هارفارد واكسفورد وتخرجت منهما بمرتبة الشرف، وفعلت الكثير أثناء توليها رئاسة الحكومة في بلادها في فترة أولى بين عامي 1988 – 1990، وثانية من 1993 إلى 1996 من أجل اكتساب المرأة في بلادها المزيد من الحريات.
وبظهورها أيضا أصبح الدواء مجانيا، وعلّقت عليها آمال في الاستقرار وتجذر الديمقراطية، إلا أن الفساد في عهدها ازدهر، وكان يشتبه في تورطها في غسيل ملايين الدولارات، وحتى في جرائم قتل.
رغم أن "الوردة السوداء" ولدت كما يقال وفي فمها ملعقة من ذهب، إلا أنها مرت بمحن قاسية، فقد اعتقلت ووضعت خلف القضبان خلال الانقلاب الذي أطاح بوالدها رئيس الوزراء الباكستاني الشهير ذو الفقار علي بوتو، الذي يعد صاحب مشروع القنبلة النووية الباكستانية، وقد صرّح في عام 1965 عندما كان حينها وزيرا لخارجية بلاده أن الباكستانيين على استعداد لأكل الأعشاب كي تدخل بلادهم إلى "النادي النووي".
نفذ نظام الجنرال ضياء الحق الذي انقلب على بوتو، حكم الإعدام في والدها ذو الفقار علي بوتو في عام 1979، على الرغم من النداءات التي وجهها قادة دوليون مثل الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف والرئيس الأمريكي حينها جيمي كارتر والزعيمة الهندية إندير غاندي، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر.
وعن محنتها القاسية في السجن، كتبت بنظير بوتو في سيرة ذاتية عن تلك الأيام تقول: "حرارة الصيف حوّلت زنزانتي إلى فرن ملتهب. الجلد متصدع ومتآكل، وتساقط جلد اليدين إلى أشلاء. كان الوجه مغطى بالبثور، وتساقط الشعر. كانت الزنزانة مليئة بجحافل من الحشرات. للتواري عنها، تغطيت من الرأس ببطانية، ولم أكن أخلعها إلا حين يصبح التنفس صعبا".
أنهت فضيحة فساد مدوية ولايتها الحكومية الثانية. واشتبه في قيام بنظير بوتو وزوجها آصف علي زرداري بغسيل 12 مليون دولار تم الحصول عليها بشكل غير قانوني من خلال البنوك السويسرية. أصر مرتضى شقيق بنظير على إجراء تحقيق شامل في هذه القضية، إلا أنه توفي في ظروف غامضة خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في عام 1996، وتوجهت أصابع الاتهام في مقتله إلى بنظير وزوجها الذي أصبح في وقت لاحق رئيسا للوزراء واشتهر بلقب "آصف – عشرة بالمئة" في إشارة إلى شغفه بالعمولات.
خوفا منها من الملاحقة، غادرت بنظير بوتو مع أطفالها البلاد في عام 1999، وأقامت في البداية في دبي، ثم في لندن، وألقت محاضرات في جامعات مختلفة حول العالم، واستمرت أيضا في دعم قيادة "حزب الشعب"، وعادت "الوردة السوداء" إلى بلادها في عام 2007 لتلاقي مصيرها المأساوي هناك.