هاني صبري - المحامي
تنشط في مثل هذا الأيام من كل عام بعض الدعوات من قبل المتشددين للمطالبة بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم وفِي بعض الأحيان تكفيرهم، لكن طبيعة الشعب المصري الأصيل يرفض مثل هذه الفتاوي الشاذة والدعاوى التكفيرية الدخيلة علي تقاليد وقيم مجتمعنا وفِي كل عام يبرهن المصريين علي ترابطهم وتماسكهم وأنهم نسيج واحد وصمام أمام لهذا الوطن الحبيب.
ويتبارى المصريون في تقديم التهاني لبعضهم البعض في مشاهد تصيب هؤلاء المتشددين بالصدمة ولكنهم لا يتعملوا من دورس الماضي لذلك يجب ردعهم وفقاً للقانون وذلك لأن من آمن العقاب أساء الأدب.
وقد إصدرت دار الإفتاء المصرية، فتاوي كثيرة تقرر فيها إنه لا مانع شرعًا من تهنئة المسلمين للمسيحيين بأعيادهم وتقديم الهدايا لهم .
فنحن لسنا ضد إصدار الفتاوي وفق الإجراءات والضوابط المقررة قانونياً.
اما ما يدَّعيه هؤلاء المتشددين، وغير المصرح لهم بالفتوي من دعاوي تحريضية تمثل جرائم استغلال الدين للترويج لأفكار غير صحيحة بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين المسيحي والطوائف المنتمية له ، والإضرار بالوحدة الوطنية وتعكير السلم والأمن العام.
في تقديري أن ما يقترفه هؤلاء المتشددين يعد جريمة ازدراء أديان مكتملة الأركان وهذا ثابت من خلال تصريحاتهم والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي الدين المسيحي.
ويستفاد ذلك من نص المادة ( 98 و) من قانون العقوبات تنص علي "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا.
أن حرية الإعتقاد والرأي مكفولة بمقتضى الدستور والقانون، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه،.. فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
وأن مثل تلك الدعوات التي تحض على الكراهية تعد مخالفة أيضاً لميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى، فنحن نحتاج إلى ضبط الأداء الإعلامى، والتدقيق فيما يقدم للمشاهدين والبعد عن الأمور التى تحدث أى إثارة أو بلبلة، حيث يرتكب هؤلاء المتشددين بتصريحاتهم غير المسؤولة مخالفة كود الاخلاق الذى نص على عدم التحقير من الاشخاص ، ومخالفة المادة (16) من لائحة الجزاءات والتى تنص على ان استخدام الفاظ تؤذى مشاعر الجمهور مخالفة تقتضى توقيع الجزاء على المخالف.
والدستور المصرى الصادر فى 2014 فى المادة 211 منه أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسئولية وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الأعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على مقتضيات الأمن القومى، وأوجب عليه القانون رقم 180 لسنة 2018 اتخاذ الإجراءات المناسبة اللازمة لبلوغ تلك الغايات، وخوَّله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير وتوقيع ما يراه ملائماً من الجزاءات المعينة له فى هذا المقام.
وطبقاً للمادة 211 من الدستور الصادر عام 2014 والمادة (94) من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واللوائح الصادرة تنفيذاً له، فإن تلك الأفعال غير المسؤولة التي تصدر منهم مخالفة لميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى فى باب أولاً المبادئ العامة فى فقراتها أرقام (2، 4 ، 6، 9) والتى نصت على التالى:
1- الفقرة رقم 2 على احترام القيم المجتمعية وآداب وتقاليد المهنة.
2 - الفقرة رقم 4 احترام الوحدة الوطنية.
3- الفقرة رقم 6 احترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة إلى أى فئة من فئات المجتمع.
4- الفقرة 9 تنص، على احترام حقوق الجماهير مستمعين ومشاهدين.
كما تنص الفقرة الثانية فى باب الواجبات، على عدم مخالفة الالتزام بالموضوعية فى التناول، والتوازن فى عرض وجهات النظر، وعدم تغليب المصالح الخاصة على الاعتبارات المهنية.
لذلك يجب أن يكون هناك توازن دقيق بين الحق في حرية الرأي والتعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية ، واحترام مقدساتهم وأن الأستهزاء بعقائد الآخرين والطعن في الذّات الآلهية لا يدخل ضمن الحرية الشخصية .
نتمني أن يتعايش الجميع في سلام وبحرية ومساواة رغم الاختلاف لان في التنوع ثراء وليس تهديد.
لدينا حلم وأمل .. أننا سنكون قادرين على شق جبل اليأس والتعصب بصخرة الأمل. وسنكون قادرين على تحويل أصوات الفتنة إلى لحن جميل من المحبة والإخاء. وسنكون قادرين على العمل معاً والكفاح معاً من أجل حياة أفضل لنا ولمجتمعنا وللعالم بأسره.
وبناء عليه فأنني أناشد السيد الأستاذ المستشار النائب العام بصفته صاحب الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوي الجنائية ضد أي شخص يحضّ علي الكراهية والتمييز بين المصريين أو ازدراء الديانات الإبراهيمية حيث تتولى النيابة العامة سلطتي التحقيق والاتهام وإحالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية العاجلة إذا ما ثبت تورطهم في تلك الجريمة.
كما أطالب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أعمالاً للمادة 94 من القانون رقم 180 لسنة 2018 حجب مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة التي تزدري الدين المسيحي .
ونطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م مواجهة مثل هذه الدعاوي التحريضية التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر بالمجتمع ومواجهتها بكل حزم وفقاً للقانون للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.
كما أناشد مجلس النواب : إنشاء مفوضية عدم التمييز المنصوص عليها في المادة ٥٣ من الدستور الحالي.