الأقباط متحدون - طلقة رصاص.. ومقص
أخر تحديث ٠٣:٥٧ | الجمعة ١٩ اكتوبر ٢٠١٢ | ٨ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩١٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

طلقة رصاص.. ومقص

منذ سنوات طويلة مضت، تحديداً وأنا فى الصف الأول الإعدادى تعرضت لعقاب من مدرس اللغة العربية مازلت أشعر بمرارته حتى اللحظة التى أكتب فيها هذا المقال، عقابى كان الوقوف طوال الحصة فى مواجهة الحائط وظهرى للفصل، كانت جريمتى أننى كثيرة السؤال، وهو ما اعتبره أستاذى مضيعة للوقت، ولم يشفع لى عنده أننى كنت الأولى على الفصل وأننى اسأل لأفهم، كانت النتيجة أننى أصبحت أحضر حصة اللغة العربية وأنا كارهة لها، ولم أغفر لأستاذى ظلمه لى حتى الآن، فعقابه سبب لى إحراجاً شديداً بين زميلات الفصل، وشعرت معه بالمهانة. تذكرت قصتى مع أستاذ اللغة العربية وأنا أتابع عقاب المعلمة إيمان كيلانى، المدرسة بمدرسة الحدادين الابتدائية بالأقصر، للتلميذتين «علا» و«منى» بقص شعرهما، عقاب فريد من نوعه لم يحدث من قبل، لماذا؟ لأنهما تركاه عارياً دون حجاب!!.

تذكروا أننا نتحدث عن تلميذتين فى ابتدائى، تصورت نفسى مكان «منى» فاسمانا حروفهما متقاربة، وتخيلت نفسى هى، حضرت للمدرسة وأنا سعيدة كالعادة لأننى سألتقى بزميلاتى، مرت الحصص الأربع الأولى بسلام وجاءت حصة العلوم ودخلت أبلة إيمان، كنت أشعر برهبة فلقد كررت طلبها بأن ألبس الحجاب كباقى الزميلات وإلا ستقص شعرى، بالطبع لم أصدق تهديدها ولا وعيدها، ولكنى كنت خائفة.. لو فتحت معى الموضوع سأحاول أن أعتذر بذوق كما نصحنى أبى، دخلت أبلة إيمان الفصل، ومن وراء النقاب شاهدت عينيها تبحثان عنى وعن «علا»، صرخت: «مش قلت لك إنت وهى إن الحجاب فريضة.. برضه جايين من غيره»، فجأة أطبقت الأبلة على شعرى بقوة لم أستطع الفكاك منها، يدها الأخرى كانت تحمل مقصاً، صرخت لأ.. لأ.. لأ.. يا أبلة والنبى حرام عليك، فى ثوان كانت خصلات شعرى ملقاة تحت قدمى جثة هامدة، لم أستطع أن أمنع نفسى من البكاء، صرخت هذه المرة فى وجهها: «عملت كده ليه؟»، لم تتأثر ببكائى بل أسرعت إلى «علا» وكررت ما فعلته معى، لم أستطع أن أستوعب ما حدث، بكيت أنا و«علا» كما لم نبك من قبل، كان يوماً أسود رجعنا لبيوتنا وعيوننا كاسات دم، لم تستطع أمى أن تخفف عنى مصيبتى ولكن أبى أقسم أن يجيب لى حقى من أبلة إيمان، وذهب فى اليوم التالى لوكيل الإدارة التعليمية وقدم فيها شكوى ووعده بأن ينفذ القانون. انتهى الفصل الأول من رواية «منى بربش الراوى» و«علا منصور» والتى عرفناها من وسائل الإعلام، ولكن ما لم نعرفه هو كيف ستبقى هذه الذكرى فى نفوس الصغيرتين؟ هل ستظل محفورة فى ذاكرتيهما كما حدث معى أم سيغمرها النسيان؟

حاولت المعلمة إيمان أن تبرئ ساحتها، وقالت إنها فعلت ذلك للحفاظ على هيبتها فى الفصل، فلقد هددت من قبل بأنها ستقص شعر من ستحضر دون حجاب، وكان لابد أن تنفذ وعيدها، وهى لم تقص سوى بضع سنتيمترات فقط من شعر التلميذتين، لكن الإعلام ضخَّم المسألة!

عذر أقبح من الذنب، فمن أعطى المعلمة الفاضلة الحق فى تهديد التلميذات بقص شعورهن فى حالة حضورهن للمدرسة دون حجاب، وفى هذا خروج سافر على القانون، وهل يكفى خصم شهر من راتبها كعقاب مع نقلها من المدرسة؟ فهل تصلح معلمة بهذا التفكير والسلوك للتدريس؟ وماذا ستغرس فى نفوس الصغار؟

إن ما فعلته المعلمة إيمان مع «منى» و«علا» ليس بعيدا عما فعله متشدد من حركة طالبان مع الفتاة الباكستانية «ملالا يوسف زادى»، التى أطلق عليها النار لأنها جهرت برأيها فى حق المرأة فى التعليم، ملالا (١٤سنة) ترقد الآن فى أحد مستشفيات لندن بين الحياة والموت، لكنها أصبحت أيقونة فى بلدتها الصغيرة والعالم كله، وخير دليل على قوة الإرادة الإنسانية فى مواجهة التعصب المدجج بالسلاح.

المرأة دائما هى أولى ضحايا التعصب الدينى، فالمتعصبون مصممون على قراءة الكتاب من أول السطر، وستظل المرأة بالنسبة لهم خطيئة متحركة.. ميراث الجهل هو أكبر عدو للمرأة، وعلينا جميعا أن نتصدى لأمثال إيمان المنتشرين فى قاعات الدرس فى كل مكان من حولنا.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع