(بقلم : أشرف ونيس ) .
لم يكن يعهد بشرًا و أشباهًا لذلك ، أبدان لكثير من عواقل الأرض و من هم على شاكلتهم بلا بهجة أو ابتسامة تتقوس على شفاههم ..... ، انتابه الدهش حين تطلع إلى الكثير من الوجوه وقت أن رآها تمتلك التشابه و التنافر ، التماثل و التضاد ، التآلف و الاختلاف ..... ! صارت نجواه - حديث نفسه إلى نفسه - على أشدها وقت أن تساءل مستنكرا و مستفسرا ؛ لِمَ كل هذا العناء و الانشراح الذى يتجسد على هؤلاء و يرتسم على أولئك ؟! لماذا ينتفخ الكثيرون  مختالين و مغرورين بما يملكونه بينما يتوجع  الأكثر ألما و جوعا و تضورا ؟! تزاخمت أمامه  بعض من علامات التعجب و العديد من علامات الاستفهام إلى أن ارتسم بذهنه كلمتان تحملان بين كلتيهما كل ألوان التباين و التباعد و التنابذ و الاختصام ؛ الثراء و الفقر !!!!!

توارى الحق عن موضعه و برزت إحدى نتاجه و نتائجه و هى الحقيقة حين تمثلت و تجسدت أمام أعيننا بلا أدنى مواربة فى ذلك ، فقد تلازم الفقر بحرمانه مع الثراء بكل شبعه و اشباعه ، تلازما لكنهما لم يتوحدا ، تقارنا بلا أدنى ألفة بينهما . واجها البشر باختلاف نوعياتهم تاركين فيهم غرورا و تعاسة ، تباهيا و تواضعا ، تكبرا و استكانة ، توحدا فى أعين ذاتهما و تشرذما بين طيات نفسيهما ...... ، فقد اتسع الفتق على الراتق حين حاول الإنسان جاهدا تعايشه مع الفقر مستميتا فى أن يحول دون وصول براثنه إلى قلبه و كل جسده ، لكن هيهات له ان يحدث ذلك ! فلقد تجزأ الإنسان مشاعرً تأثرا بفقر  مدقع كما انتثرت إنسانية الإنسان جراء غنى و ثراء فى كل وحشة و وحشية و افتراء !!! و هكذا انجزا ما لا يمكن لغيرهما أن ينجزه و هو تبديل أحوال البشر الى لا بشر بل تمثل و ظلال و خيال لذلك !!!

و أى من الأشياء يضاهى رؤية الند مترفعا رافعا قدره الى عنان السماء ، متسيدا مستأسدا متألها ، و أى من الأحرف يحيط وصفا بما تلج به الصدور حين التطلع إلى أحد رفقاء الحياة وقت انزوائه عن رفقته ضاربا بكل المثل عرض الحائط . إنه الانسلاخ من الآدمية بكل مالها و التقوقع بين حجرى رحى لا يدركان من دنياهم سوى الدهس و السحق و الاكتساح ، رؤية التلاشي عن الوجود دون النطق و التعبير و الحديث ، الانحناء و الانبطاح بل و الاجتثام لكل تيارات الألم دون رؤية ما يمر أو يعبر ، إنه التحدى المقسوم له بالانقسام ، النزال الناظر إلى مثواه الأخير و  الحتمى وقت انهزامه ، الصراع و الجهاد و الاقتتال المتطلع دائما أبدا إلى الانهزامية بكل التزام و انضباط و اعتدال ، إنه الفقر و العوز فى مواجهة الفيض و التملك ، الحاجة و الاحتياج أمام الاغتناء و الاستغناء ، انه عصر اليُسر و الثراء فى زمن الفقر و الفقراء !!!