بقلم : إسماعيل حسني
من الظواهر المثيرة للانتباه في جماعة الإخوان المسلمين، أن اختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين أعضاءها لا ينعكس باختلاف مماثل في إسلوب ممارسة العمل السياسي على الأرض. وهو ما ينبغي دراسته وأن تقدم فيه أكثر من ورقة بحثية.
فعندما بدأ حسن البنا دعوته في منتصف الحقبة الليبرالية حين كانت مصر تنعم بثمار حركة الإحياء والتنوير ولم يستطع أن ينفذ بأفكاره الرجعية إلى شرائح المتعلمين والمثقفين، الذين كشفوا حقيقته، وعرفوا أنه مجرد باحث عن السلطة باسم الدين، ولم يجد من يصغي إليه سوى نجار وحلاق ومكوجي وميكانيكي وجنايني وعجلاتي، وهي المجموعة التي شكلت النواة الأولى لجماعة الإخوان، لم يكن غريبا أن تتسم ممارسة الإخوان للسياسة في تلك الفترة بالتخبط واللاأخلاقية والإنتهازية، ولم يكن غريبا أن تنتهج الجماعة نهج العصابات الفاشية والإجرامية من مراوغة، وغش، وكذب، وتقية، وتكفير الخصوم، واغتيالهم، وزرع القنابل في الأماكن العامة، وإزهاق أرواح عشرات الأبرياء، حتى كان الناس يطلقون على البنا ألقاب قبيحة مثل "الشيخ الأحمر" و "حسن راسبوتين" وغيرها.
أما وقد نجحت قوة التنظيم عبر السنين في اجتذاب الباحثين عن القوة والزعامة من المتعلمين، بل ووصل التنظيم إلى حكم البلاد، فكان يفترض أن يرتقي إسلوب الجماعة في ممارسة السياسة، وأن تنزه نفسها عن ارتكاب ما يخالف القانون وقواعد الأخلاق، خاصة وأنها تدعي تمثيل دين هو في الأساس يدعو إلى مكارم الأخلاق.
إلا أن ما نراه اليوم يسير تماما في عكس هذا الاتجاه، فلا تزال الجماعة في ممارستها للعمل السياسي تستبيح كل قواعد الأخلاق والقانون، ويستوي في هذا جميع أعضاءها بصرف النظر عن درجاتهم العلمية، فإذا وضعنا أسلوب قاض وطبيب من قيادات الإخوان تحت المجهر سنرى أنه يتطابق في المضمون مع أسلوب الإخواني الأمي أو نصف المتعلم الذي يضطلع بدور البلطجي، مما يؤكد أن ارتفاع مستوى التعليم لا يقي صاحبه شر السقوط عندما يختل بداخله سلم القيم الإنسانية، ويتخلى عن المنهج العقلي في سبيل إشباع شهواته وتحقيق أهدافه.
فهل هناك فرق بين الإخواني الذي يتجمهر أمام المحاكم، ويقوم بسب وتهديد القضاة والمحامين والمدعين والاعتداء عليهم، أو يقتحم مظاهرة لتفريقها وضرب المشاركين فيها، وبين القيادي الإخواني الطبيب الذي يقود هذه المعارك من مكتبه في حزب الحرية والعدالة، ويشن حملات فاشية على الإعلاميين من أجل إرهابهم وإخراس أصواتهم، وبين القاضي الذي اشتهر بالدفاع عن استقلال القضاء فلما أتته السلطة لم يتردد في الاعتداء على القضاء، وإهانةتيكما رموزه وهيئاته.
لقد استطاع الإخوان لأسباب عديدة الوصول إلى الحكم، ولكنهم لن يستطيعوا البقاء فيه طويلا لأن العقلية الانتهازية التي تستبيح لنفسها تحريف المقدسات الدينية لخدمة أطماعها السياسية لا تستطيع إقامة نظام يحترم القيم الإنسانية والأخلاقية التي هي عدة أي نظام وأهم مقومات بقائه.