مصر أكبر من الأحزاب والجماعات ولابد للشعب أن يستعيد ذاته ومكانته في الحضارة العالمية.

- التأسيسية لن تسقط والدستور سيخرج.. ومصر لن تكون يومًا دولة دينية.

- لسنا "ديكورًا" في التأسيسية.. ووجودنا خيرٌ من العدم!

- لو جاء المسيح في هذا الزمان، ماذا سيقول للكنيسة وأمامه آلاف المعذبين في الحياة الأسرية"

- أسف جدًّا أن يخرج الدستور دون فقهاء!
حاوره:  محمد زيان
"مصر أكبر من الأحزاب والجماعات وتحتاج لأن يستعيد الشعب ذاته، عقله، مكانته في الحضارة الإنسانية الرائعة".. بهذه الكلمات، ابتدأ الدكتور "يوحنا قلتة"، رئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، ونائب بطريرك الأقباط الكاثوليك، حديثه معنا. وبلهجة الصعيدي الذي يستند إلى تراثٍ، ويستمد قوته من علمه وأصالة القيم التي تعيش حتى الآن في صعيد مِصر، تحدث معنا. هو رجلٌ مسيحي حتى النخاع، قابض على دينه مثل القابض على الجمر في هذه الأيام.. مثقف ثقافة عربية إسلامية بحكم تربيته، ودراسته للدكتوراة في الأدب العربي والإسلامي.. يتحدث إليك مثلما علَّمه أستاذه وقدوته "طه حسين"..
 
تحدثنا في مسائل كثيرة، فتطرقنا للجمعية التأسيسية للدستور، والقضايا الخلافية المثارة حولها، والمواد الملغمة كما وصفها البعض، والهجوم، والمطالبات التي تعرض إليها الأقباط المشاركون في تأسيسية الدستور، ووصْفِهم بأنهم "ديكور سياسي". أيضًا طرحنا عليه أسئلة حول "دور العبادة الموحد"، والأحوال الشخصية، ومشاكل الزواج والطلاق.. أسئلة كثيرة مع المفكر الأب والدكتور، الأنبا "يوحنا قلتة"، ابن أسيوط، الذي دائمًا ما يحنُّ في كلامه إلى قيم الصعيد وآدابه.
 
بداية.. سألناه عن اللجنة التأسيسة للدستور، ومشاركته فيها ممثلًا عن الكنيسة الكاثوليكية، وما أثير حولها من لغط على مستوى الشارع والمواطن البسيط والمثقفين؟
- بدأنا العمل في الجمعية التأسيسية للدستور، وفي قلوبنا قلق، وعقولنا حيرة وخشية، مما سنراه في الجمعية التأسيسية، لكننا فوجئنا بتفهم وود من جماعة "الإخوان المسلمين والسلفيين"! وليس معنى ذلك أنهم غيَّروا خُطتهم، أو رؤيتهم أو حُلمهم، لكنهم فهموا أن بجوارهم آخرين مختلفين في الدين والرؤية، لكنهم في النهاية من أبناء الوطن، ونحن وإن لم نصنع الدستور، فيكفينا فخرًا أن الجمعية التأسيسية أقامت جسورًا للحوار بين طوائف الشعب.
 
- وقد ذكرتُ في إحدى مقالاتي أن الدستور مصري توافقي، وبه أمور رائعة، إلا أن ملامح الجماعات الدينية واضحة فيه، وبالتالي فهو ليس دستورَا علمانيًّا، أو مدنيًّا، إنما هو يُعبِّر عن حال مصر في هذه المرحلة، فالمناخ العام يبدو دينيًّا، ونحن نعيش في أيام "حكم الإخوان"، ومصر تحاول أن تتشكل من جديد، وتصوغ مستقبلها من جديد، وتبتعد عن التطرف، كما يبتعد غير الإسلاميين عن التطرف أيضًا.
 
ويا ليتنا نستطيع أن ننهض بحضارة مصرية لها خصوصية بجناحيها العلمي والأدبي، والأخلاقي. ومن ناحية أخرى، لا ندع أحدهما يسود على الآخر. والعقلية العلمية التي أقول عنها، ليست جديدة على الإسلام، وأول مَن نادى باستخدام العقل هو "أرسطو"، ثم المعتزلة في الإسلام.. وانظر إلى قول "الجاحظ": "وكيل الله عِندي هو العقل.. ومائة شك خير من يقين واحد".. هذه أسس التفكير العقلي، وبناء النهضة على أسس العلم، والتعقل، وهي من صميم الحضارة العربية والإسلامية، وليست دخيلة عليها.
 
- أما من الناحية الأخلاقية، فهذا ليس معناه تقييد الشرائع الدينية بالعنف والقهر وقوانين تلغي حرية الاعتقاد.
 
لكن ما هو رأيك عما يُقال أن هناك محاولاتٍ من جانب جماعة "الإخوان" والتيار الديني لخطف الدستور لتحقيق مصالحهم؟
- أقول إن في مواجهة هذا التيار، هناك تيار آخر يحاول أن يُحرِّك العقل والفكر المصري أيضًا، حيث إن الإخوان أغلبية، والأمور لا تؤخذ بالأصوات، إنما بالتوافق. وفي اعتقادي، أن هناك نقطة هامة للإخوان، ومن الممكن أن أكون مخطئًا. لكني أرى أن "الإخوان" بدأوا يأخذون الأمور بصورةٍ مغايرة. فقبل نجاحهم، لم يكن هناك تفتح في الرؤية، كما هو حادث الآن، فأصبحوا يرحبون بقبول الآخر، وسماع الصوت الآخر، وإن لم يكن بنفس الدرجة المنشودة في الديمقراطيات!
 
لكن أنت تقول عكس ما يتردد عن أحادية الثقافة والفكر لدى "الإخوان" وعدم السماع للآخر، فضلًا عما يتردد أن لديهم حالة من الاستعلاء السياسي؟
- أن يكون هناك حالة من الاستعلاء والاستقواء لدى الأغلبية، فهذا أمر طبيعي في جميع المؤسسات العالمية، فللأغلبية قوة، لكن عليها ألا تنسى أن هدف الديمقراطية في الدستور حماية حقوق الأقليات.
 
وماذا عن المواد الخلافية في الدستور؟
- أنا شخصيًّا كنت أتمنى أن يكون الدستور وطنيًّا مِصريًّا خالصًا خاليًا من كل تفرقة دينية؛ لأن الدين من الثوابت، وهو في نفس الوقت حرية واختيار، يحمي أصحابه وأتباعه. أما الدستور، فهو عبارة عن "وثيقة" للعلاقة بين الشعب والسلطة، وكان ينبغي أن ينأى الدستور بنفسه عن الأمور الدينية؛ لأن الأديان لها كتبها المقدسة الموجودة قبل الدساتير، وبعدها، وكل من يريد أن يطيعها، ويتبع شرائعها، عليه أن يفعل هذا بنفسه، هو وأسرته، ولا يفرضها على الإنسان الآخر.
 
ومَن لا يريد أن يحيا متدينًا، فحسابه على الله. ومن هنا، ليس الدين "وثيقة متغيرة"، إنما "وثيقة إلهية" أعطيت للبشر؛ ليُقرروا بحرية اتباعها، ونحن كنا نتمنى، ولازلنا نناقش الأمور موضوع الخلاف التي يثيرها بعض الأعضاء..