بقلم الدكتور : مجدى شحاته
عشر سنوات على تجليس قداسة البابا تاوضروس الثانى بابا المدينة العظمى الاسكندرية وبطريركا الكرازة المرقسية . فى تلك الايام المجيدة تعيش الكنيسة القبطية الارثوذكسية رحلة أبائية يقودها قداسة البابا تاوضروس الثانى فى مسيرتها الى اورشليم السمائية ، على خطى الآباء وعلى درب المعلمين الاولين . حاملا تعليم وشهادة أباء الكنيسة بفاعلية وروحانية . عشر سنوات مرت وقداسة البابا يحمل على كتفيه مسؤوليات ضخمة وأعباء تركة ثقيلة للغاية تنوء عن حملها الجبال . جاء فى وقت كان الوطن يمر فيه بلحظات فارقة وغامضة عشر سنوات غنية وحافلة بالمواقف الوطنية العظيمة والانجازات والنجاحات التى ترقى الى مستوى المعجزات ، ما كنا نحلم ان تتحقق على ارض الواقع . عشر سنوات أيضا كانت حافلة بالتحديات وسلبيات قديمة متراكمة منذ عقود قديمة . علاوة على ضيقات وحملات واكاذيب وشائعات . فى الوقت الذى نرى فيه قداسة البابا ، راعى السلام، يعبر بالكنيسة الى بر الامان متخذا من السلام والحب والحكمة منهجا فى التعامل مع كل البشر .
تُعرف الرجال بالمواقف ، وتُذكر المواقف برجالها . من المواقف بالغة الصعوبة ، عندما تعرضت الكنائس المصرية فى أغسطس 2013 لموجات عنيفة ضارية ممنهجة نتج عنها تدمير وحرق ما يزيد عن 85 كنيسة ومبنى خدمات ومدرسة ومستشفى كلها تابعة للكنيسة . وكان الغرض من كل ذلك بث الفتنة الطائفية ونشر الفوضى وتدمير الوطن . وكتم العالم انفاسه مترقبا رد الفعل من اقباط مصر بعد تدمير وحرق كنائسهم ؟! وسط تلك الاحداث الخطيرة الملتهبة ، قال البابا ردا عما حدث : " لو حرقوا الكنائس سوف نصلى مع اخوتنا المسلمين فى المساجد ، ولو حرقوا المساجد سوف نصلى معهم فى الشوارع " وأضاف مقولته التى ابهرت الكل " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن " .. وهنا يًعرف الرجال بالمواقف . لقد تعامل البابا فى ادارة هذا الملف الشائك ، كشأن داخلى ، دون الاستعانة أو الاستقواء بالخارج أو التصعيد الدولى . وكان الكونجرس الامريكى قد عرض مشروعا يهدف الى المساهمة فى اعادة اعمار الكنائس المتضررة وهنا اصدر قداسة البابا بيانا جاء فيه " ترفض الكنيسة القبطية الارثوذكسية وبصورة قاطعة اى حديث عن مشروع قانون امريكى خاص بترميم الكنائس المتضررة ، وتعلن ان الحكومة المصرية قامت بواجبها الكامل باصلاح وترميم الكنائس بجهود وأموال مصرية " . وعندما تًذكر المواقف برجالها ، العالم كله يتذكر جيدا يوم التوافق الوطنى ( 3 يوليو 2013 ) ويذكر جيدا الوقفة الوطنية الجريئة لقداسة البابا حيث اصطف الى جوار فضيلة الشيخ احمد الطيب شيخ الجامع الازهر، مع سائر القوى الوطنية لتاييد وتامين ثورة الشعب مدافعا عن استعادة مصر من ايدى الخاطفين .
عشر سنوات تحقق خلالها الكثير من الانجازات فى كافة الشئون الكنسية وترتيب البيت الكنسى من الداخل ليتحول بشكل كامل لعمل مؤسسى جماعى لا يعتمد على الراى الفردى والاهواء الشخصية ووضع اساس راسخ للنظام الادارى . انجازات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، وهنا اكتفى بالتنويه عن اثنين فقط من تلك الانجازات التى كنا نحلم بتحقيها على مر سنوات طويلة . كان قداسة البابا ملهما وفاعلا فى السعى لاصدار قانون بناء الكنائس . القانون الذى كان يراود احلام الاقباط منذ عقود طويلة لينهى كابوس الخط الهمايونى منذ العهد العثمانى الذى كان يجسد مشكلة ازلية تسببت فى كثير من الاحتقانات الطائفية . القانون الذى تم بمقتضاه بناء العديد من الكنائس . فضلا عن توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بضرورة بناء كنيسة فى كل مدينة او مجمع سكنى جديد دون الانتظار بان تتقدم الكنيسة بطلب للبناء . الانجاز الثانى والمبهر يتمثل فى تشكيل اللجنة الرئيسية لتقنين اوضاع الكنائس برئاسة السيد المهندس مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء شخصيا وخلال اربع سنوات تم تقنين 2526 كنيسة ومبنى كنسى بمعدل 50 كنيسة شهريا . وقد تم اصدار كافة التراخيص الرسمية المسجلة المعترف بها . وبالتالى تم القضاء نهائيا على مشكلة متأصلة ومتراكمة عشرات السنين كانت مصدر قلق بين الحكومة و الكنيسة ومنبعا مزعجا للخلافات الطائفية .
اذا كان التاريخ يسجل عشر سنوات من حبرية قداسة البابا تاوضروس الثانى ، فاننا نلمس ونشعر الواقع المعاش ونرى يد الله سيد التاريخ وخالق الزمن تقف وراء الاحداث تجسد المواقف الوطنية وتحقق الانجازات بل المعجزات ، وكلها من احسانات رب المجد يسوع المسيح له كل المجد والتبجيل والشكر .