فاروق عطية
أُذيع بيان وفاة عبد الناصر الذي تلقاه الشعب المصري كالصاعقة، وكان على السادات أن يواجه حقائق موقفه الجديد خاصة أمام المجموعة التي كانت مسيطرة على الأمور والتي عرفت بعد ذلك بمراكز القوى، والتي كانت في ذلك الوقت غير معادية له تماما أو معارضة لتوليه منصب رياسة الجمهورية، ظنا منهم أن السادات بكل سلبياته التي بعرفونها تمام المعرفة سيكون بالتسبة لهم سهل القياد والسيطرة عليه وتوجيهه كما بريدون.
تولىأنور السادات رئاسة الجمهورية مؤقتاً بصفته نائب الرئيس بعد بيانه أمام مجلس الأمة بوم 7 اكتوبر 1970م تم نرشيحه بالتزكية لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة. أجريت الحملة الانتخالبة للسادات على أساس أنه كان الرجل الذي اختاره الرئيس الراحل بنفسه لهذا المنصب حين أحس باحتمال وجود خطر على حياته. تم اجراء الاستفتاء بوم 15 اكتوبر 1970م وحصل على 90,04% من الأصوات مع نسبة مشاركة 84%. بعد إعلان نتيجة الاستفتاء توجه السادات إلى مجلس الأمة لأداء اليمين الدسنورية أمامه، وكان برنامجه الذي تقدم به لمجلس الأمه هو برنامج عبد الناصر، وأودع في المجلس نسخة من بيان 30 مارس الذي أصدره عيد الناصر ووافق عليه الشعب في استفتاء 1968م، وعندما انتهى من إلقاء خطابه استدار في حركة تمثيلية إلى تمثال نصفي لعبد الناصر كان موجودا على منصة المجلس وانحنى بطريقة مسرحية أمامه.
في 15 أكنوبر 1970م أصيح السادات حاكما لمصر، وإن لم بكن في الحقبقه له كامل الحرية في اتخاذ القرار، وكانت تنتظره تحديات كبيرة. لم يكن له في الحقيقة مقدرة ولا صبر على قراءة ومناقشة كل ما يقدم له من تقارير مختلفة عن الأمن الداخلي والسياسة الخارجية أو الحالة الاقتصادية للبلد، كان دائم الهروب من هذه التقاير والتنقل من مكان لآخر. وكانت حيهان زوجته عكسه تماما في هذا الأمر، تعكف علي قراءة ما بقدم لزوجها من تقارير، خاصة تقارير مراقبة التليفونات وتقارير المخابرات وتقارير اتجاهات الرأي العام ولكنها لم تهتم أو تقرأ التقارير الخاصة بالسياسة الخارجية والاقتصاد، وكان نشاطها هذا مفيدا في بعض الأحيان، وأصبحت هي في الحقيقة عيون السادات وآذانه.
تفجّر الصراع على السلطة خلال جلسة عقدتها اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكي العربي في 21 إبريل 1971م حيث شن علي صبري هجوما عنيفا على مشروع الوحدة المقترح بين مصر وسوريا وليبيا الذي كان السادات متحمسا له. وكان هذا الخلاف كاشفا للخلافات العميقة حول السلطة. كان في نية السادات تغيير شكل الدولة وإعادة تكوين مؤسساتها، خاصة اللجنة المركزية ومجلس الأمة وكانت الأغلبية الساحقة لهاتين المؤسستين في أيدي مراكز القوى التي تسيطر علي الاتحاد الاشتراكي، وكانوا هم أيضا قد اكتشفوا نواياه الدفينه، وتكتلوا لمعارضة المشروع ليس كرها في الوحدة ولكن تشبثا بالإبقاء على ما هو قائم من مؤسسات الحكم. كانت معهم الأغلبية الساحقة ولا يؤيده غير أقلية لا تذكر، وبدى ذلك جليا عندما ارتفعت ثلاث أيدي فقط تؤيده عند الاقتراع على المشروع بينما كان بافي الأعضاء (أكثر من ثلاثمائة) مع الجانب الآخر. كانت مجموعة مراكز الفوي تضم قيادات الاتحاد الاشتراكي واللجنة المركزية والعديد من المسؤولين في أكثر المواقع حساسية في الدولة كرياسة الجمهورية والمخابرات والإعلام والداخلية، وفوق ذلك جمبعا الفريق محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة.لكن بعد مرورأقل من ثلاثة أسابيع من هذه الدراما انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، وخرج السادات من هذا الصراع منتصرا.
كانت ليلة 11 مايو 1971م هي الحاسمة. في تلك الليلة بعد منتصف الليل وصل إلي بيت السادات ضابط شرطة يعمل في إدارة الرقابة على التليفونات بوزارة الداخلية، ومعه مجموعة من الشرائط المسجلة تكشف أن كل تليفونات الرئيس موضوعة تحت الرقابة. وكل تليفونات من يتصل بهم مراقبة بدون استثناء. في 13 مايو استنادا على واقعة الشرائظ المسجلة قدم شعراوي جمعة وزير الداخلية استقالته التي قبلها السادات فورا، وأصدر قرارا بتعيين ممدوح سالم (محافظ الاسكندرية) وزبرا للداخلية، وأدى هذا الأمر لأزمة مع باقي أفراد المجموعة الذين خططوا ثم قرروا أن يواجهوه باستقالات جماعية يفاجئونه بها وتهدده بما أسماها هو"إنهيار دستوري" قي الدولة. سمع من الإذاعة نبأ استقالة مشتركة قدمها له وزير الحربية ووزير رئاسة الجمهورية ووزير مجلس الشعب وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية ومدير المخابرات العامة.
نطورات الحوادث أظهرت فيما بعد وثيقة خطيرة، كان من الممكن لو أنها ظهرت في حينها ووقعت في يد الساداتلغيرت الكثير من الأحداث وقدم السادات رقاب الكثيرين لحبل المشنفة ولم يكتفي بسجنهم. في مساء 21 إبريل عقب الاحنماع العاصف في اللحنة المركزية واللحنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي حيث وقع الصدام علنيا وعنيفا بين السادات وبين محموعة مراكز القزى، كتب الفريق محمد فوزي بخط يده أمرا إلي الفريق محمد صادق نصه كالآتي: (باكر ترتبط وتنظم وتخطط مع: مخابرات حربية، فرقة سادسة ميكانيكية، لواء 22 مشاة، شرطة عسكرية) لأغراض تأمين القاهرة من أي احنمالات، الإذاعة، مداخل القاهرة، حرب الكترونية قفل أحهزة اللاسلكي، السفارات.تسلم الفريق محمد صادق هذا الأمر لكنه لميصدر تعليماته إلى ضباط آخرين بتنفيذ ما حاء بالأمر إنتظارا وترقبا. يقول هيكل أن الفريق محمد صادق أسرّ إليه في أحد لقاءاتهما قائلا: (قل لهذا الرحل أن يصحو من نومه وأن بأخذ حذره) وعلى إثر هذه الملاحظة نصحت السادات أن يبقى خطوطه مع الفريق صادق مفتوحة، وأن يتأكد من موقف اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري، وهكذا فعل.
بعد استقالة شعراوي حمعة (13 مايو) واستقرار رأي مجموعة مراكز القوى وعلي رأسهم الفريق محمد فوزي على تصعيد الأزمة، دعي الفريق محمد قوزي قادة الفوات المسلحة لاجتماع في مكتبه بوزارة الحربية وراح يحدثهم عن الأزمة قائلا: رئيس الجمهورية في طريقه لبيع البلد للأمريكان، وتساءل: هل القوات المسلحة تقبل هذا الأمر ؟. ساد الاجتماع صمت مطبق، كان معظم الحاضرين يشعرون أن الصراع في هذه المرحلة داخلي وهدفه السلطة مما يتعارض مع واجبهم العسكري بعدم التدخل في السياسة على حساب مهمة تحرير الوطن. انبري الفريق محمد صادق قائلا: "يا سيادة الوزير نعلم أنك قدمت استقالتك، والآن تعرض عليتاما لا دخل لنا فيه وما قد يترتب عليه عواقب وخيمة، أعتقد أنك الآن مجهد أنصحك بالتوحه إلى بيتك لتستريح، أما القوات المسلحة فيحب أن تظل مسؤولة فقط عن مهمتها الرئيسية". التفت الفريق محمد صادق إلى قادة القوات المسلحة المتواجدين في الاجتماع وسألهم عما إذا كانت القوات المسلحة مستعدة للتدخل في السياسة في الوقت الذي يتحتم عليها فيه أن تواصل استعدادها ليوم المعركة ؟. وكان الصمت الذي ساد القاعة أكثر تعبيرا عن مشاعر واتجاهات هؤلاء القادة. بدت الحيرة واضحة على وجه الفريق محمد فوزي، وبعد لحظات من التردد هب واقفا وترك القاعة ومغادرا وزارة الحربية.
وفي تلك اللحظات الحرجة مساء 13 مايو لم يكن أمام السادات وقت متاح للتردد، واتصل بالفريق محمد صادق تليفونيا وسأله عن الموقف، وتلقى منه ما طمأنه. أخطره السادات تليفونيا أنه قد عينه وزيرا للحربية وطلب منه أن يمر عليه. وبالفعل حضر الفريق صادق لمنزل السادات في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. هكذا فشلت محاولة مراكز القوي وخرح السادات منتصرا بعد أن خدمته الظروف بأكثر مما كان يتصور، وأنقذته روح الانضباط السائد في الحيش المصري. تم القبض على حميع المتأمرين وحكم على البعض منهم بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السحن المؤبّد.