بقلم: للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى
حضور الله وسلامه خلال الضيقات ...
+ كانوا من خيرة الشباب الصالحين والمشهورين بالاستقامة والبر والاخلاص فى اداء عملهم فى خدمة الملك والمملكة وتأمر عليهم الاشرار اثاروا غيظ الملك فامر بالقائهم فى أتون نار محماة سبعة اضعاف، وقد نتسأل لماذا تحدث الامور الرديئة للصالحين، ولماذا الظلم والاعتداء؟ واين هو الله من كل ما يحدث فى العالم من شرور؟ وهل يستطيع الله ان ينجى؟ وهل هو اله لا يبالى بما يحدث لنا؟. وهل لامانتنا لله أجر عنده؟. ان قصة الثلاثة فتية فى بابل قديما تتكرر فى كل جيل بصور شتى، فهناك الذين يعانون من الظلم والاضطهاد الديني والعرقي والجنسى، ومن يقعون تحت نير مع شريك حياة قاسى او بخيل او سادي او لامبالي ، وهناك من يعانى الآلم والضيق المرضى او النفسي والوحدة والقلق والاكتئاب، وهناك من يقع تحت نير الفقر والحاجة والضيق المالي والاجتماعي وعدم الأمان. وهناك من يفقد عزيزا لديه فى حادث او نتيجة مرض صعب. فهل يمكن ان نحيا السلام فى وسط الاتون ؟. اننا يجب ان نتذكر ان الله لم يعدنا بحياة هادئة مترفة بل قال لنا { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم }(يو 16 : 33). ان الله يستخدم التجارب والضيقات كجزء من عمله الحكيم لخلاصنا واعلان مجده، وتتحد الآمنا بالآم المسيح المخلصة لتتجلى فى نفوسنا نعمته الغنية ونحيا فى سلام الله خلال ووسط اتون النار المتقدة للتطهير والتنقية ونسبح الله على عنايته وقيادته لنا عبر رحلة الحياة وما بعدها لنرث أكاليل المجد .
+ سلام وتسبيح وسط اتون النار.. كان الثلاثة فتيه امناء لله وفى عملهم وحسدهم الاشرار وامر الملك ان يلقوا فى الاتون فلنقرأ ما جاء عنهم فى الكتاب المقدس{ فان كنتم الان مستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل انواع العزف الى ان تخروا وتسجدوا للتمثال الذي عملته وان لم تسجدوا ففي تلك الساعة تلقون في وسط اتون النار المتقدة ومن هو الاله الذي ينقذكم من يدي. فاجاب شدرخ وميشخ وعبد نغو وقالوا للملك يا نبوخذنصر لا يلزمنا ان نجيبك عن هذا الامر. هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا من اتون النار المتقدة وان ينقذنا من يدك ايها الملك. والا فليكن معلوما لك ايها الملك اننا لا نعبد الهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته. حينئذ امتلا نبوخذنصر غيظا وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو فاجاب وامر بان يحموا الاتون سبعة اضعاف اكثر مما كان معتادا ان يحمى. وامر جبابرة القوة في جيشه بان يوثقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو ويلقوهم في اتون النار المتقدة. ثم اوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم واقمصتهم وارديتهم ولباسهم والقوا في وسط اتون النار المتقدة. ومن حيث ان كلمة الملك شديدة والاتون قد حمي جدا قتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبد نغو. وهؤلاء الثلاثة الرجال شدرخ وميشخ وعبد نغو سقطوا موثقين في وسط اتون النار المتقدة. فكانوا يتمشون في وسط اللهيب مسبحين الله ومباركين الرب. ووقف عزريا وصلى هكذا وفتح فاه في وسط النار وقال مبارك انت ايها الرب اله ابائنا وحميد واسمك ممجد الى الدهور. لانك عادل في جميع ما صنعت واعمالك كلها صدق وطرقك استقامة وجميع احكامك حق} (دا15:3 -27). لقد نجا الله الفتية لانهم وثقوا به ورفضوا ان يسجدوا للاصنام من أجل مجد عالمي زائل لا محاله، وكان الله معهم وسط الاتون فتحول الى ندى بارد بل ورايناهم يمشون وسط النيران مسبحين الله فى حضوره معهم. فمتى كان الله فى حياتنا تختفى الضيقة ويحل مجد الله وسلامه وفرحه فى قلوبنا ويشع على من حولنا ونجد التعزية والسلام فى من قال لنا { سلاما اترك لكم، سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). ان الله يطمئننا بوعوده الامينة { والان هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي. اذا اجتزت في المياه فانا معك و في الانهار فلا تغمرك اذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لاني انا الرب الهك قدوس اسرائيل مخلصك} (أش 1:43- 3). لقد أعترف الملك باله الفتية الثلاثة وانقاذه لهم ومن يستطيع ان ينجى من النار سوى الله القادر على كل شئ { فاجاب نبوخذنصر وقال تبارك اله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي ارسل ملاكه وانقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك واسلموا اجسادهم لكيلا يعبدوا او يسجدوا لاله غير الههم}( دا 95:3)
+ عالم مريض وسلام فريد.. اننا نحيا وسط عالم ملئ بالحروب والقلاقل والنزاعات الداخلية والخارجية وتضارب المصالح والاهداف وفى حياة الشعوب كما الافراد نسمع كثيرا عن الخلافات حتى بين الاخوة والاقارب، وعن الخصومات والحوادث الماسأوية التي تحزن كل أنسان له ضمير حي، وللأسف الشديد نجد البعض يعطى للبغضة والكراهية طابع ديني وينسب لله صفات تنفر الناس من الله والتدين، واصبح عالمنا يفتقر الى السلام على المستوى الجماعي كما هو الحال على المستوى الفردي، وعندما يغيب الأيمان السليم يغيب الأمن والأمان والطمأنينة والهدوء. ان فاقد الشئ لا يعطيه. وكيف لمن يمجد القتال والكبرياء ويحيا حياة الخطية والشر ان يحيا فى سلام {لا سلام قال الرب للاشرار} (اش 48 : 22) والله المحب يتعجب ويقول للظالم كما قال لقايين قديما {ماذا فعلت صوت دم اخيك صارخ الي من الارض} (تك 4 : 10) وهكذا تصرخ الدماء البريئة حتى الان واين يهرب الظالم من يد الله .
+ مع هذه الآلام والمعاناة، فان الإنسان المؤمن يحيا فى سلام داخلي عميق لان الرب حصنا وملجا له ومع داود النبي يترنم { الرب نوري وخلاصي ممن اخاف الرب حصن حياتي ممن ارتعب. عندما اقترب الي الاشرار لياكلوا لحمي مضايقي واعدائي عثروا وسقطوا. ان نزل علي جيش لا يخاف قلبي ان قامت علي حرب ففي ذلك انا مطمئن. واحدة سالت من الرب واياها التمس ان اسكن في بيت الرب كل ايام حياتي لكي انظر الى جمال الرب واتفرس في هيكله. لانه يخبئني في مظلته في يوم الشر يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني} (مز1:27-5). نعم نحن نحتاج للسلام الداخلي لنستطيع ان نعطى سلاما لبعضنا البعض وكم يحتاج العالم لقلوب صافية لا تكره وافكار سلام نحو الجميع وسعي حقيقي لصنع السلام {طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9). لقد دعى اسم الله " عمانوئيل" اي الله معنا وهو يقول لنا من وسط اتون النار " انا معكم" لنثق فى محبته وانه امس واليوم والى الابد ويستطيع ان يخلص من الاتون المتقدة نار ومن فخ المكائد الشيطانية والمجد الباطل ونراه أكثر قوة وحضورا وسط الضيقة والتجارب وعبر درب الآلام وفوق الجلجثة . فالتجربة والمحنة فى حياتنا ليست هزيمة او تخلى من الله بل هي مراهم وادوية علاجية لخلاصنا ومجدنا وبها يختبر الايمان ونرى الله خلال المحنة معنا عبر الزمان والمكان وفى قلب وحياة الانسان المؤمن.
+ كأس الالم والمرارة ... فى خروج الشعب قديما من امام بطش فرعون وصلوا فى البرية الى مدينة تدعى "مارة" وكانت اسم على مسمى اذ ان حتى بئر المياة فيها كانت مرة ومالحة، وما أصعبه على شعب فى حر الصحراء ان لا يجد الا المر من الماء!. وهذا هو ما يروى منه العالم محبيه فى كل جيل . صرخ الشعب الى موسي النبي وصرخ موسى رافعا هموم الشعب الى الله فامره ان يطرح شجرة فى الماء المر وفعل وهنا تحولت المياة المرة الى عزبة وحلوة { ثم ارتحل موسى باسرائيل من بحر سوف وخرجوا الى برية شور فساروا ثلاثة ايام في البرية ولم يجدوا ماء. فجاءوا الى مارة ولم يقدروا ان يشربوا ماء من مارة لانه مر لذلك دعي اسمها مارة. فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. فصرخ الى الرب فاراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذبا هناك وضع له فريضة وحكما وهناك امتحنه} (خر22:15-25). ان الشجرة كانت رمزا لربنا يسوع المسيح الذى جاء عنه { ها ايام تأتي واقيم لداود غصن بر} (5:23). وهو الذى قال { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب} (يو 7 : 37).فان كنت فى وادى المرارة فاصرخ الى الله ولن يتركك ابدا، وسواء على مستوى الفرد او الاسرة أو الجماعة يستطيع الله ان يخرجنا من وادى مارة. وكما صرخ الشعب قديما من العبودية المرة فارسل لهم الرب موسى ليقودهم للتحرر من العبودية المرة، فانه لله حرب مع عماليق من دور لدور، ونحن نثق فيه كقائد لمسيرة حياتنا { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14).
+ فى بذل السيد المسيح ذاته على الصليب راينا مؤامرات الاشرار وتحالف رجال الدين والسياسة مع الرعاع والغوغاء واعوجاج القضاء وكل هؤلاء لن يهربوا من الدينونة العادلة لله، لكن راينا ايضا مشورة الآب السماوي وطاعة ومحبة الكلمة المتجسد وانتصار المحبة الباذلة وسحق الشيطان وفداء العالم، وعندما اراد بطرس الرسول ان يدافع عن سيده بالسيف قال له السيد المسيح { فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد الكاس التي اعطاني الاب الا اشربها} (يو 18 : 11). كما صلى القديس بولس الرسول من اجل شوكة المرض ولكن الله كان له راي أخر فقال له { فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح} (2كو 12 : 9). ان الكأس المرة التي تقدم لك يجب ان لا تعتبرها مقدمة بيد قيافا او يهوذا ولا من بيلاطس بل من يد الآب السماوي وبهذا تشربها وانت واثق انها لخيرك وصالح ابديتك وان شاء الله ان تعبر عنك او تشربها حتى النهاية فكن مطمئن لانها ستكون كأس الخلاص { لانه قد وهب لكم لاجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط بل ايضا ان تتألموا لاجله} (في 1 : 29).
مقومات السلام الداخلي
+ الإيمان والصلاة ... نحن لا نستطيع ان نغير العالم من حولنا ولكننا نستطيع ان نغير من أنفسنا ونحيا فى سلام قلبي وفى سلام مع من حولنا وعلى قدر طاقتنا نسالم جميع الناس ونصلى ونعمل من اجل. السلام. ان السلام هو عطية من الله يهبها للإنسان المؤمن الذى يحيا فى ثقة بوعوده ويحيا فى مخافته. من أجل هذا السلام نصلي ونطلب ان يمنحنا اياه الله ونقول يا ملك السلام أعطينا سلامك ،قرر لنا سلامك وأغفر لنا خطايانا وهو يعطينا الوعود بان لا نخاف { فان الجبال تزول والاكام تتزعزع اما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب} (اش 54 : 10). ورغم الضيقات التي نمر بها فان الله أمين، لقد نجا الله يونان قديما من بطن الحوت وأنقذ دانيال من جب الأسود، وكان القديس بطرس الرسول فى السجن مقيدا وهو نائم فى سلام رغم المصير المحقق الذى كان ينتظره والكنيسة تصلى من اجله فارسل الله ملاكه وفك قيوده وفتح ابواب السجن وخلصه من موت محقق، والله هو هو أمس واليوم والى الابد، ومتى سمح لنا بتجربة او اضطهاد فنحن لانخاف شراً ولا نجزع من الموت حباً فى من مات من أجلنا { طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} (مت 10:10-12). لقد واجه اجدادنا القديسين كل ظروف الحياة سلام داخلي عميق لانهم وثقوا فيه وأمنوا بكلامه وهو قادهم فى موكب نصرته. السلام الحقيقي يبدأ بالقلب لا في ساحات المعارك. السلام الحقيقي هو نزع الأحقاد والبغضاء على مستوى كل إنسان لنحيا إنسانيتا الحقة، وعندما يمتلئ القلب بالسلام الحقيقي تُنـزع الأسلحة وتتوقف الحروب، وتحل المحبة مكان الحقد والضغينة والبغضاء. السلام الحقيقي هو انتصار تلك المحبة وسيطرتها على حياة الإنسان المؤمن الواثق فى الله والمصلى اليه كل حين والذى يسلم حياته بين يدى القدير.
+ التوبة وحياة السلام ... ان الإنسان الشرير لا ينعم بالسلام من اجل هذا قال الإنجيل { لا سلام قال الرب للاشرار }(اش 48 : 22). ولما كان الله اله رأفة ورحمة لذلك هو يدعونا الى التوبة {من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم }(ام 28 : 13). وهو جاء ليهبنا التوبة لغفران الخطايا ولكي ما ننعم بالسلام { فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مر 2 : 17). ولقد أشار الرب الى اهمية التوبة لحياة السلام الد اخلى عندما غفر للمراة الخاطئة فقال لها {فقال للمراة ايمانك قد خلصك اذهبي بسلام }(لو 7 : 50). ولهذا يجب علينا ان نسرع فى التوبة والإقلاع عن الخطية {لا تؤخر التوبة الى الرب ولا تتباطأ من يوم الى يوم }(سير 5 : 8) ونعترف بخطايانا ونقترب من الله والأسرار المقدسة بتقوى وقداسة وبر ونعمل على إصلاح سيرتنا ومصالحة أنفسنا مع الله وقبول الغفران منه وحينئذ نستطيع ان نسامح الذين المخطيين الينا { ومتى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم } (مر 11 : 25). عندما نعلم ان الله يقبلنا كما نحن لنصير الى حال أفضل نستطيع ان نقبل الآخرين كما هم ونغفر لهم زلاتهم نحونا ونقول مع السيد المسيح المصلوب ظلماً وحسدا {يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو 23 : 34).
+ الجهاد وعمل النعمة .. لابد ان نجاهد لكي ما نحصل على حياة السلام الداخلي ، ونبتعد عن الغضب والكراهية والشهوات التي تحارب النفس وعلينا بالصلاة طالبين عمل نعمة الله فينا بتواضع وثقة . نعم قد توجد حروب ومعوقات خارجية او داخلية ولنستمع لنصيحة القديس ثيؤفان الناسك لكسب السلام الداخلي ( يوجد اضطراب في الداخل وهذا تعرفه من الخبرة. يجب أن تقضي عليه، وهذا ما تريده وقد قررت ذلك. ابدأ مباشرة بإزالة سبب هذا الاضطراب. السبب هو أن روحنا فقدت أساسها الأصلي، الذي هو في الله، وهي تعود إليه مجدداً بتذكر الله. إذاً، الأمر الضروري أن تتعود على تذكر الله بدون انقطاع، إلى جانب خوفه وتوقيره. كًنْ مع الله، مهما فعلت، ووجّه نحوه كل عقلك، محاولاً أن تتصرّف كما في حضرة ملك. سوف تعتاد على هذا سريعاً، فقط لا تستسلم أو تتوقف. إذا تبِعتَ هذا القانون البسيط بضمير حي، سوف تقهر الاضطراب الداخلي). اننا نجاهد بروح الصلاة الواثقة بعمل نعمة الروح القدس فينا، ليحول الاضطراب الى هدوء والحزن الى فرح واليأس الى رجاء.
+ الهدوء والسلام الداخلي .. الهدوء شجرة حياة لا يموت الذين يأكلون منها لقد جاء عن مخلصنا الصالح انه كان { لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته} (مت 12 : 19). يجب ان يكون لنا هدوء ورقة اللسان {هدوء اللسان شجرة حياة و اعوجاجه سحق في الروح }(ام 15 : 4).{كلمات الحكماء تسمع في الهدوء اكثر من صراخ المتسلط بين الجهال} (جا 9 : 17) وعندما تحاربنا أفكار الغضب او المرارة من اساءة أحد ما فيجب ان نهدأ ولا نسرع الى الحديث او الرد {ان صعدت عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك لان الهدوء يسكن خطايا عظيمة }(جا 10 : 4) كم مرة تكلمنا ونحن فى لحظات الثورة والغضب فخسرنا أحباء لنا وندمنا ولم ينفع الندم {انه هكذا قال السيد الرب قدوس اسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم فلم تشاءوا }(اش 30 : 15). ان كنا لا نستطيع ان نتحكم فى الظروف الخارجية او الضجيج فيجب ان نسرع لاقتناء الهدوء الخارجي من هدوء الحواس والفكر والقلب وعدم التقلب فى الاراء او السير وراء الاهواء وفى الهدوء نتحدث الي الله ونصغى لصوته الحنون ونقتنى بالإيمان نعمة قيادة روحه القدوس لنا ذلك الروح الوديع الهادئ يقودنا فى سلام عبر أمواج وتيارات العالم .
+ المحبة طريقنا للسلام ... المحبة تجعلنا نحيا فى تناغم وانسجام مع الله والناس، فالله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه. ان محبة الله اذ تدخل القلب تطرد الخوف المرضي الي خارج وتجعلنا نحيا فى سلام. ان الله يقدر ان يحررنا من الخوف والضعف والإضطراب والقلق { فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا }(يو 8 : 36) . وان ارضى الإنسان ربه جعل حتى أعدائه يسالمونه. المحبة تجعلنا ودعاء ولطفاء . وتعطينا القدرة والحكمة للعيش فى هدوء { البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب }(ام 11 :12). { المحبة تتأنى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ }(1كو 13 : 4) المحبة لا تسقط ابداً . لنصلى اذا ان يحل سلام ربنا يسوع المسيح في حياتنا لننعم بالحياة التي فيها نكون منتصرين في كل حين، فعندما نواجه الضعف وتخور قوانا امامنا احدى الامرين، أما ان تخور قوانا ونستسلم للفشل والهزيمة واما نسلم ضعفنا الى الله القوى ومن ثم نثق فيه ليعمل معنا ويهبنا المحبة والسلام والقدرة والطاقة، فلا يطير النوم من عيوننا بل ندع الله يسهر مدافعا عنا ويهبنا الطاقة المتجددة وروحه القدوس وخيراته للذين يحبونه.
+التطلع الي الأبدية .. اننا نحيا الان كغرباء على الأرض وكسفراء للسماء يجب ان نحيا وعيون قلوبنا ناظرة الى رئيس ايماننا ومكمله { لذلك لا نفشل بل وان كان انساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما. لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل مجد ابديا. ونحن غير ناظرين الى الاشياء التي ترى بل الى التي لا ترى لان التي ترى وقتية واما التي لا ترى} (2كو 12:4-16).ومن أجل الابدية السعيدة نحيا فى حياة التواضع وانكار الذات والمحبة نحو الجميع وعدم التعلق بمقتنيات العالم. ان كثيرا من الصراعات الفردية والجماعية تنشأ من الأنانية ونزعات السيطرة ومحبة الذات واللذات ولهذا نجاهد ونفرح لا لشهوة ننالها ولكن لرغبة غير مقدسة نخضعها ونسيطر عليها وضابط نفسه خير من مالك مدينة . أخيرا يا اخوتى اقدم لكم لنتأمل فيما قاله الوحي فى رسالة القديس بطرس الرسول { فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم . اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تألمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم. له المجد والسلطان الى ابد الابدين امين} (1بط 6:5-11). ان مفعول القيامة لا نناله بعد الموت بل هو حقيقة يومية تنشط النفس والروح والجسد وتغفر الخطايا وتنير الذهن وتطهر القلب وتهب القوة للصبر فى الضيقات والانتصار فى الملمات وتنعم لنا بسلام وافراح القيامة وقوتها { لان كل من ولد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم ايماننا}(1يو 5 : 4).
ياملك السلام أعطينا سلامك..
+ ايها الرب الاله ياملك السلام، وسط عالم يسوده الإنقسام والصراعات والحروب والأنانية وعدم الهدوء. انت هو سلامنا وقوتنا، منك نستمد السلام ونحيا فى هدوء وإنسجام ، نسعى فى أثر السلام وصنعه ونتصالح معك بالتوبة والرجوع اليك ومحبتك من كل القلب والفكر والنفس والقدرة ونصلى طالبين ان يحل سلامك فى قلوبنا وحياتنا وبيوتنا وكنسيتنا وبلادنا .
+ انت هو سلامنا ومنك نتعلم كيف نحيا متواضعين ولوصاياك طائعين ولعمل نعمتك وارشاد روحك القدوس منقادين . فعلمنا يارب ان نحيا فى إنسجام ووئام فلا يكون لدينا الإنقسام بين مطالب الروح وشهوات الجسد بل نضبط ذواتنا فى كل شئ مستأسرين كل فكر الى طاعتك، وعندما يهيج علينا العدو فاننا بك نحتمى وفى أحضانك الإلهية نرتمى وبروحك القدوس نجد الرائحة والامن والأيمان الواثق .
+ الهى ومخلصي علمنا ان نكون رسل سلام ووحدة ومحبة ، وارشدنا فى دروب السلام ومسالك الحق والعدل والفضيلة ، انت الهنا القوى وقادر ان تسكت أمواج بحر العالم الهائجة ضدنا وتسد أفواه الأسود وتطفئ سهام إبليس المتقدة نارا . اننا نصلى من أجل السلام الدائم والشامل والعادل فى بلادنا وشرقنا والعالم . فالهم القائمين على أمورنا حكمة وقوة ونعمة ليكونوا صناع سلام ، واشملنا بعطفك ورحمتك لنحيا فى سلام ومحبة وهدوء بك ياربنا ليعظم إنتصارنا وليجرى السلام كينبوع متجدد فى قلوبنا لمجد اسمك القدوس، أمين .