كتب - محرر الاقباط متحدون
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت القداس الإلهي في استاد البحرين الوطني، في اليوم الثالث من زيارته الرسولية إلى مملكة البحرين، وتخللت القداس قراءة من سفر أشعيا (٩، ١ -٦)، ومن إنجيل القديس متى (٥، ٣٨ – ٤٨).
ألقى قداسة البابا فرنسيس عظة خلال ترؤسه القداس الإلهي سلط الضوء فيها على قوة محبة المسيح لافتًا إلى أن المسيح يعطينا القدرة نفسها، القدرة على المحبة، أن نحب باسمه، وأن نحب كما أحبّنا، بدون شرط، ليس فقط عندما تسير الأمور على ما يرام ونشعر بالحب، إنما دائما، ليس فقط تجاه أصدقائنا والقريبين منا، بل تجاه الجميع، حتى أعدائنا.
وشدد الأب الأقدس على أن نحب دائما ونحب الجميع، وقال إن كلام يسوع (راجع متى ٥، ٣٨-٤٨) يدعونا اليوم إلى أن نحب دائمًا، أي أن نبقى دائمًا في محبته، وننميها ونعيشها، وأشار إلى أن نظرة يسوع عملية؛ فهو لا يقول إن ذلك سيكون سهلًا ولا يقترح محبة عاطفية ورومانسية، بل هو واقعي، يتكلّم بصراحة عن "الأشرار" و "الأعداء" (متى٥، ٣٨. ٤٣).
إنه يعلم أن هناك داخل علاقاتنا صراع يومي بين المحبة والكراهية؛ وأنه حتى في داخلنا، كل يوم، هناك صدام بين النور والظلام، بين مقاصد ورغبات كثيرة في الخير وذاك الضعف الذي يتغلّب علينا مرارًا ويجرّنا إلى أعمال الشر. وهو يعلم أيضًا أننا نختبر، وعلى الرغم من الجهود السخية التي نبذلها، بأننا لا نتلقى دائمًا الخير الذي نتوقعه بل نتعرّض أحيانًا للأذى بشكل غير مفهوم. وهو يتألم عندما يرى في أيامنا هذه، في أنحاء كثيرة من العالم، ممارسات للسلطة يغذيها القمع والعنف، وتسعى إلى زيادة مساحتها بتقييد مساحة الآخرين وفرض سيطرتها والحد من الحريات الأساسية، وقهر الضعفاء. لذلك - قال يسوع – توجد صراعات ومظالم وعداوات.
وأضاف البابا فرنسيس: أمام هذا كله، فإن السؤال المهم الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا نفعل عندما نجد أنفسنا نعيش في مثل هذه الأوضاع؟ وأشار إلى أن اقتراح يسوع كان مفاجئًا وشجاعًا وجريئًا، يطلب من أتباعه أن يبقوا دائمًا، مخلصين، في المحبة، رغم كل شيء، حتى في وجه الشر والعدو. وأضاف الأب القدس أن ردة الفعل البشرية البسيطة تسمِّرنا بمبدأ "العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ"، لكن هذا يعني أن نصنع العدالة بنفس الأسلحة التي يستعملها الشر. وأشار إلى أن يسوع يقترح علينا شيئًا جديدًا، مختلفًا، لا يمكن تصّوره: "أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر" (متى ٥، ٣٩). هذا ما يطلبه الرب يسوع منا: أن نلتزم بأن نبدأ من أنفسنا، نبدأ في عيش الأخوة العالمية عمليًا وبشجاعة، ونثابر على الخير حتى عندما نلقى الشر، ونكسر دوامة الانتقام ونجرّد العنف من سلاحه. وتوقف البابا فرنسيس عند كلمات بولس الرسول "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير" (رومة ١٢، ٢١).
وأشار البابا فرنسيس في عظته إلى أن دعوة يسوع لا تتعلق أولًا بمسائل البشرية الكبرى، بل بأوضاع حياتنا العملية: علاقاتنا في العائلة، والعلاقات في الجماعة المسيحية، الروابط التي ننمّيها في بيئة العمل والواقع الاجتماعي الذي نوجد فيه. ستكون هناك لحظات توتر، وصراعات وتنوّع في وجهات النظر، ولكن من يتبع أمير السلام يجب أن يتوق دائمًا إلى السلام. ولا يمكن استعادة السلام من خلال الإجابة على كلمة سيئة بكلمة أسوأ. يجب أن نكسر سلسلة الشر ونحطّم دوامة العنف. يجب أن نبقى دائما في المحبة.
وتوقف البابا فر نسيس من ثم في عظته عند الناحية الثانية وهي أن نحب الجميع، وقال يمكننا أن نلتزم في المحبة، لكن هذا لا يكفي إن حصرناها في المجال الضيق: الذين نتلقّى منهم المقدار نفسه من المحبة، والذين هم أصدقاؤنا، ومن يشبهونا. وأشار إلى أنه من المهم، أن نستقبل تحدّي يسوع هذا: "فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ الجُباةُ يَفعَلونَ ذلك؟" (متّى ٥، ٤٦). التحدي الحقيقي، لكي نكون أبناء الآب ونبني عالمًا من الإخوة، هو أن نتعلّم أن نحب الجميع حتى العدو: "سَمِعتُم أَنَّه قِيل: أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم" (متى ٥، ٤٣ - ٤٤). في الواقع، هذا يعني أن نختار ألّا يكون لدينا أعداء، وألّا نرى في الآخر عقبة يجب أن نتجاوزها، بل أن نرى فيه أخًا وأختًا يجب أن نحبه ونحبها.
هذا وأشار البابا فرنسيس إلى أن قوة يسوع هي المحبة، ويسوع يمنحنا القدرة لكي نحب هكذا، بطريقة تبدو لنا فوق القدرة البشرية. وقدرة من هذا النوع لا يمكن أن تكون ثمرة جهودنا فقط، بل هي قبل كل شيء نعمة. نعمة يجب أن نطلبها بإصرار "يا يسوع، أنت الذي تحبّني، علّمني أن أحبّ مثلك. يا يسوع، أنت الذي تغفر لي، علّمني أن أغفر مثلك. أرسل عليّ روحك القدوس، روح المحبة". كما وأشار البابا فرنسيس إلى أن المحبة هي العطية الكبرى، وننالها عندما نُفسح المجال للرب يسوع في أثناء الصلاة وعندما نستقبل حضوره في كلمته التي تحوّلنا، وفي التواضع الثوري في خبزه المكسور. وهكذا، تسقط ببطء الجدران التي تقسّي قلوبنا، ونجد الفرح في أن نقوم بأعمال الرحمة تجاه الجميع. حينها نفهم أن الحياة السعيدة تمرّ عبر التّطويبات، وتكمن في أن نكون صانعي سلام (راجع متى ٥، ٩).
وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي في استاد البحرين الوطني صباح اليوم السبت، قال البابا فرنسيس: أودّ اليوم أن أشكركم على شهادتكم الوديعة والفرحة للأخوّة، ولأنكم بذار محبة وسلام في هذه الأرض. إنه التحدي الذي يقدمه الإنجيل إلى جماعاتنا المسيحية كل يوم، ولكل واحد منا. ولكم، أنتم جميعًا الذين جئتم إلى هذا الاحتفال من أربعة بلدان النيابة الرسولية لشمال شبه الجزيرة العربية، من البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، وأيضًا من دول الخليج الأخرى، وكذلك من مناطق أخرى، أحمل إليكم اليوم قرب الكنيسة الجامعة التي تنظر إليكم وتعانقكم، وتحبكم وتشجعكم. لترافقكم العذراء القديسة، سيدة شبه الجزيرة العربية، في مسيرتكم، ولتحفظكم دائمًا في المحبة نحو الجميع.