كتب - محرر الاقباط متحدون
القى قداسة البابا فرنسيس ، بابا الفاتيكان ، كلمة في ختام أعمال ملتقى البحرين للحوار : الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، بحضور ملك البحرين، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وجاء بنص كلمته :
أصحاب السمو الملكي، أخي العزيز فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أخي العزيز قداسة البطريرك برثلماوس، البطريرك المسكوني، السلطات الدينية والمدنية المحترمين، سيداتي سادتي،أحييكم تحية قلبية وأشكركم على حفاوة الاستقبال وعلى عقد منتدى الحوار هذا، الذى تم تنظيمه تحت رعاية صاحب الجلالة، ملك البحرين.
يتخذ هذا البلد اسمه من المياه المحيطة به، في الواقع، كلمة "البحرين" تذكر بـ "بحرين" اثنين، لنفكر في مياه البحر، التي تربط بين الأراضي وتوصل الناس بعضهم ببعض، وتربط بين الشعوب البعيدة.
يقول المثل القديم "ما تقسمه الأرض يوحده البحر"، وكوكبنا الأرض إذا نظرنا إليه من اعلى ، يبدو وكأنه بحر أزرق واسع يربط بين شواطئ مختلفة، من السماء، يبدو أنها تذكرنا بأننا عائلة واحدة، لسنا جزرًا، بل نحن مجموعة واحدة كبيرة من الجزر، هكذا يريدنا الإله العلي، وهذا البلد مجموعة جزر مكونة من أكثر من ٣٠ جزيرة، يمكن أن يكون رمزا لهذه الإرادة الإلهية.
ومع ذلك، فنحن نعيش في أوقات فيها البشرية المرتبطة بعضها مع بعض كما لم تكن من قبل، تبدو أكثر انقساما وغير متحدة.
يمكن أن يساعدنا اسم "البحرين" في متابعة تفكيرنا، "البحران" اللذان يشير إليهما هما المياه العذبة في ينابيعها الجوفية، ومياه الخليج المالحة.
كذلك نجد أنفسنا اليوم أمام بحرين متعارضين في مذاقهما، من ناحية العيش المشترك، بحر هادئ وعذب، ومن ناحية أخرى البحر المرير من اللامبالاة، وتشوبه العلاقات التي تثيرها رياح الحرب، وأمواجه المدمرة والمضطربة بشكل متزايد، والتي تهدد بهلاك الجميع.
وللأسف الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين، لكن، نحن هنا معا لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه، واختيارنا هو طريق اللقاء، بدلا من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى "الشرق والغرب من أجل العيش الإنساني معا".
بعد حربين عالميتين مروعتين، وبعد حرب باردة ظل العالم فيها حابسا أنفاسه، مدة عشرات السنين، وسط صراعات مدمرة في كل جزء من العالم، وبين أصوات الاتهام والتهديد والإدانة، مازلنا نجد أنفسنا على حافة الهاوية في توازن هش، ولا نريد أن نغرق.
نحن أمام وضع تناقضات غريبة من جهة، غالبية سكان العالم يجدون أنفسهم موحدين بنفس الصعوبات ويعانون أزمات خطيرة في الغذاء والبيئة والوباء، بالإضافة إلى العبث المتزايد بكوكبنا، ومن ناحية أخرى، عدد قليل من أصحاب السلطان يتركزون في صراع حازم من أجل المصالح الخاصة، يحيون اللغات القديمة "لغات الحرب"، ويعيدون رسم مناطق النفوذ والكتل المتعارضة.
وهكذا يبدو أننا نشاهد سيناريو مأساوي وكأنه وقوع في "الطفولة"، في الحديقة الإنسانية، بدلا من أن نعتني ونهتم بالكل، نلعب بالنار، وبالصواريخ والقذائف، وبأسلحة تسبب البكاء والموت، وتغطي البيت المشترك بالرماد والكراهية.
هذه العواقب المريرة، إن واصلنا في زيادة التناقضات، ولم نعد إلى أن نكتشف من جديد مقدرتنا على التفاهم، وإن استمرينا حازمين لفرض نماذجنا ورؤانا الاستبدادية والإمبريالية والقومية والشعبوية، وإن كنا لا نهتم بثقافة الآخر، وإن لم نستمع إلى صرخة عامة الناس وصوت الفقراء.
وإن لم نتوقف عن التمييز، على طريقة المانوية، بين صالح وشرير، وإن لم نجتهد في أن نفهم بعضنا بعضا ولم نتعاون لخير الجميع، هذه الخيارات موجودة أمامنا، لأنه في عالم معولم لا يمكن أن نتقدم إلا إذا وضعنا أيدينا على المجاديف معا، لأننا إن أبحرنا وحدنا ستتقاذفنا أمواج البحر.
في بحر الصراعات العاصف، لنضع أمام أعيننا "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، ففيه أمل للقاء مثمر بين الغرب والشرق، مفيد لشفاء الأمراض فيهما.
نحن هنا مؤمنون بالله وبالإخوة، لنرفض "الفكر العازل"، وطريقة النظر إلى الواقع التي تتجاهل بحر البشرية الواحد، لنركز فقط على التيارات الخاصة فيه، نريد تسوية الخلافات بين الشرق والغرب من أجل خير الجميع.
ظهور الصراعات يجب ألا يجعلنا نغفل عن المآسي الكامنة في الإنسانية، مثل كارثة عدم المساواة، حيث يختبر معظم الناس الذين يسكنون الأرض ظلما غير مسبوق، ومصيبة الجوع المخجلة، وكارثة تغير المناخ، نتيجة إهمال العناية بالبيت المشترك.