.. و"بوابة الأهرام" تكشف كواليس الحقيقة
حينما قال المستشار محمود مكي، نائب رئيس الجمهورية، اليوم السبت في أول مؤتمر يعقده مع محرري الرئاسة، لإعلان تفاصيل أزمة النائب العام وتراجع الرئيس محمد مرسي عن قراره، إنه "سعيد بهذا اللقاء مع الصحفيين"، ففي الحقيقة أن اللقاء لم يسعد الصحفيين بالمرة، ذلك لأن نائب الرئيس أراد أن يصور للناس أن الإعلام أو بعضا منه "هو المجرم الآثم" أو على الأقل "المخطئ" في أزمة النائب العام.
فقد قال نائب الرئيس نصا: "أزمة النائب العام ترجع إلى أن بعض وسائل الإعلام تناولت الأمر بشكل فيه استغلال وتشويه للحقائق لأن النائب العام لم يتقدم باستقالته ولم تتم إقالته، وما تم معه بتعيينه سفيرا هو نفس ما يتبع مع كل رجال القضاء على مر العصور بأن أي رجل قضاء يعرض عليه منصب تنفيذي فيكتفي بالحصول على موافقته شفويا للبدء في إجراءات تعيينه بالمنصب دون الحاجة إلى استقالة مكتوبة، حيث إن قرار تعيينه في المنصب التنفيذي هو بمثابة بديل الاستقالة وتتخذ بناء عليه الإجراءات التالية".
نائب الرئيس هنا حاول أن يحصر الأمر في معانٍ جدلية أو افتراضية لا تؤثر في الحقيقة، بل إنه أراد أن يلفت انتباه الناس بعيدا، ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظر أن تخرج الرئاسة لتعترف بخطأ أنها اتخذت قرارا متسرعا دون تنسيق وأن هناك من مستشاري الرئيس الرسميين أو غير الرسميين نقلوا له معلومات خاطئة، مفادها موافقة النائب العام على ترك منصبه، أو أن تقول الرئاسة إن النائب العام وافق ثم تراجع، وجد نائب الرئيس في الإعلام ضحية سهلة لا ثمن لها ولا حتى فدية أو على الأقل وقفة من أبنائها الغيورين على مهنتهم.
نائب الرئيس لم يذكر أن الدكتور أحمد عبد العاطي، مدير مكتب الرئيس، أعلن في مؤتمر صحفي، حضره جميع محرري الرئاسة وأذيع على التليفزيون الرسمي أن الرئيس أصدر قرارا جمهوريا صريحا لا لبس فيه، مفاده تعيين النائب العام المستشار عبد المجيد محمود سفيرا لمصر بدولة الفاتيكان على أن يقوم أحد مساعدي النائب العام بمهام منصبه لحين تعيين نائب عام جديد.
نائب الرئيس فاته أيضا أنه تم سؤال مدير مكتب الرئيس في نفس المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه القرار، عما إذا كان النائب العام وافق على ذلك أم لا حسب ما يقتضي قانون السلطة القضائية الحالي؟ أم أن الرئيس استخدم سلطة التشريع في تعديل قانون السلطة القضائية ليبعد النائب العام عن منصبه دون الحاجة لموافقته؟.. فكانت إجابته بأن القرار صدر بعد مشاروات مما يفيد أن النائب العام وافق.
نائب الرئيس نسي أن مستشاري الرئيس أنفسهم وعلى رأسهم مستشار الرئيس القانوني هم من تحدثوا في الفضائيات عقب القرار مباشرة، وأكدوا الحصول على موافقة النائب العام وأنه تقدم باستقالته من منصبه ولذلك تم تعيينه سفيرا لمصر بالفاتيكان.
نائب الرئيس فاته أن عددا من أعضاء حزب "الحرية والعدالة" هم أول من وصفوا الأمر بالإقالة.
نائب الرئيس فاته أيضا أن النائب العام هو الذي قام طواعية بإصدار بيان نشرته وسائل الإعلام وبثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية كما هو دون تحريف، ونفى فيه أن يكون قد وافق على ترك منصبه بل وأكد تعرضه لضغوط من المستشارين أحمد مكي، وزير العدل، وحسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
نائب الرئيس أغفل أيضا السجال الإعلامي بين شقيقه المستشار أحمد مكي، وزير العدل، والمستشار محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانوني للرئيس، حيث اتهم الأول مستشاري الرئيس ومؤسسة الرئاسة بأنها تسرعت في إعلان الأمر، بل ونفى ما أكده نائب الرئيس اليوم، حيث فجر المستشار أحمد مكى مفاجأة غير منطقية لـ"قناة الحياة" أمس، حينما قال إن الرئيس لم يصدر أية قرارات بشأن النائب العام وأن الأمر كان في إطار المشاورات.
ولا يفوتنا هنا أن نتساءل: إذا لم يكن قد أصدر الرئيس أية قرارات فهل كان المؤتمر الذي عقده مدير مكتب الرئيس وحضرناه وتلا فيه القرار مجرد فوتوشوب؟...ولماذا عقد نائب الرئيس مؤتمرا اليوم السبت ليعلن فيه تراجع الرئيس عن قرار لم يتخذه؟
أما المستشار القانوني للرئيس فقد اتهم وزير العدل بأنه المسئول عما حدث وأنه بالفعل أبلغ مؤسسة الرئاسة بموافقة النائب العام ونفى أن تكون مؤسسة الرئاسة قد ارتكبت خطأ كما قال وزير العدل.
ولا يمكن إغفال الإشارة هنا إلى اتهام الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم الرئاسة، لـ"بوابة الأهرام" بأنها نشرت تصريحًا غير صحيح للمستشار القانوني للرئيس بشأن اتهامه لوزير العدل بالتسبب في الأزمة، وكما قال كاتب هذه السطور للدكتور ياسر على في المؤتمر ردا على اتهامه هذا.. نكرر له ثانية بأن المستشار القانوني أدلى بهذا التصريح لي بصفتى مندوبا بالرئاسه وللزميلة "بوابة الشروق".
وبالمناسبة فالمستشار القانوني في تصريحاته طالب المستشارين أحمد مكي ومحمود مكي، بكشف الحقيقة للناس تحقيقا للشفافية، ولكن للأسف فإن المستشار أحمد مكي وزير العدل كشف حقيقة صادمة تدينه ولا تبرئه، فقد اعترف في تصريحاته وبياناته أنه بالفعل اتصل بالنائب العام وطالبه بترك منصبه ويعود لمنصة القضاء ولما رفض النائب العام، لجأ الوزير إلى توسيط المستشار حسام الغرياني الذي عرض على النائب العام منصب سفير الفاتيكان، ولكن الرجل لم يوافق أيضا – حسب بيان وزير العدل- لأنه طلب أن يكون سفيرا بدولة عربية..فمن أين إذن فهم وزير العدل وفهمت الرئاسة أن الرجل وافق بالفعل؟
أما الحقيقة التي أعلنها المستشار محمود مكي نائب الرئيس اليوم فهي أبعد ما تكون عن الحقيقة، ذلك أن نائب الرئيس كان في مأزق، فعليه إما التضحية بشقيقه الوزير ويقول إنه نقل للرئاسة موافقة لم تحدث، أو يقول إن النائب العام وافق ثم خرج للناس ليعلن أنه لم يوافق، أو يقول إن مؤسسة الرئاسة تعاملت مع الأمر بعشوائية.
نائب الرئيس اختار أن يتهم طرفا ليس صانع قرار ولا مشتركا فيه، طرف كل ما فعله أنه ترك الميكرفون لجميع أطراف القصة فهم الذين كذبوا بعضهم البعض، وحينما تصالحوا يريدون التضحية بهذا الطرف البعيد تمام البعد عما حدث.
نائب الرئيس أراد التضحية بالإعلام بقوله إن "الصحفيين نشروا الأمر على أنه إقالة بينما هو ليس إقالة ولا استقالة"، وقد قلت له في المؤتمر وقالت زميلتي "أميرة إبراهيم- محررة جريدة التحرير" إن الأمر ليس كما تصوره في إقالة أو استقالة..إن الأمر هل النائب العام وافق أو لم يوافق؟...الأمر هو هل هناك طرف ثالث ورط الرئاسة في الأزمةأم أن الرئاسة ورطت نفسها؟
فحينما يكون رد نائب الرئيس على كل تلك الأسئلة المنطقية بإجابة غير منطقية بأن ما حدث، وما أعلن من الرئاسة كان صحيحا 100% ولم يحدث خطأ وأن النائب العام وافق فعلا، لكن حدث سوء فهم وأن هناك من نقل إلى الرئاسة أنه وافق وهو لم يكن قد وافق بشكل نهائي....إذن فالإعلام هو الطرف الثالث وهو السبب فعلا!!