الأب رفيق جريش
غريب حال بعض البرامج الحوارية «التوك شو» التى تُبث من المحطات الفضائية، والتى تعرض برامج عن مصر، فتارة تجدها تقدم ما هو جدى مثل ما تقدمه هذه الأيام عن المؤتمر الاقتصادى الذى انعقد أوائل هذا الأسبوع، أو عرض الاستعدادات لمؤتمر المناخ «COP 27» الذى سيُعقد الأسبوع القادم فى شرم الشيخ.
وكذا فقرات جدية أخرى، وتارة تقدم ما هو هزيل وهش، مثل التعرض للحياة الشخصية لبعض الفنانين وجعلها قضية الساعة والإيحاء بأنها أهم قضية تهم الرأى العام فى وقت العالم يغلى من الغلاء والتهديد بحرب عالمية ثالثة وأزمة طاقة وأزمة قمح وما إلى ذلك، أو عرض قضايا ثانوية تنم عن ضعف فى الإعداد وتعويضه بصراخ مقدم البرنامج وإفتائه فيما يخص القضايا الاقتصادية والسياسية، والإقلال جدًا من دعوة المتخصصين فى المجال المطروح أمامهم، مما ينم ربما عن ضعف فى ميزانية البرنامج على أساس أن المحاور أو المحاورة هما أبطال الحلقة.
انفصام آخر فى فقرات الطبخ لكل ما هو شهى، بينما 25% من شعب مصر تحت خط الفقر، والطبقة المتوسطة تزداد انحدارًا وتآكلًا، بينما نبدأ الحلقات بأن الحالة الاقتصادية خطيرة والحالة الغذائية أخطر، وأن المصريين على شفا مجاعة ثم تظهر فقرة الطبخ بما لذ وطاب. انفصام آخر للفقرات عن المشاكل العائلية السطحية بينما المحاكم مكتظة بالقضايا والمشاكل والمآسى العائلية، لماذا لا يأتون بمتخصصين لوضع حلول عملية وجذرية لهذه المشاكل وتوعية الأهل بمسؤوليتهم تجاه بيوتهم وأبنائهم بدلًا من جعلها فقرة من الضحك الهزيل؟.
برامج «التوك شو» حاليًا أصبحت متشابهة، وتختلف نوعًا ما بشخصية مقدمها، ومن أسباب عدم حفاظها على مكانتها أنها كثيرة جدًا ومتشابهة، فنحن نحتاج إلى إعادة النظر فيما يتم تقديمه فى هذه النوعية من البرامج، بأسلوب عصرى يواكب كل أطياف المجتمع، بمحتوى مختلف وشيق جاذب للمتابعة، دون الإطالة، لأنها من الأسباب الرئيسية لعزوف المشاهد، ويجب على مقدميها أن يكونوا متخصصين فى المجال، مع طرح الأفكار بشكل حيادى تام دون فرض وجهة نظرهم.
لاشك أن للإعلام دورًا كبيرًا فى تشكيل الرأى العام وتوجيهه، فمن الأولى أن يتم توجيه وفتح ذهنه لقضايا مهمة، خاصة العالمية التى تؤثر علينا فى مصر، وأيضًا القضايا الوطنية تحتاج أن تنمى التوعية وتطرح على المواطن دوره فى بناء مجتمع الجمهورية الجديدة لجعله مجتمعًا يعمل بجد والتزام بعيدًا عن الهراء، فالإعلام- خاصة الشاشة الصغيرة- له دور أخطر من المدرسة، لأن ما يُعرض فى البرامج الحوارية هو مواضيع حياتية ومواضيع الساعة.
لذا نشعر بأن هذه البرامج مصابة بانفصام فى الشخصية، وليس لها خط توجيهى تضعه لنفسها وتسير نحوه، بل تشبه من ينزل للسوق للتسوق وهو لا يعرف ماذا يريد أن يشترى فيسير تائهًا فى هذه السوق بغير هدى، ولكن الإعلامى القائم على البرنامج تائه والمشاهد تائه معه إلى أن يُمسك بالريموت كنترول فيغير المحطة ويجد ما هو مفيد. الإعلام هو ضمير الشعب وصوته الجهور وقلبه النابض.
الإعلام الصادق الأمين قادر على اكتساب ثقة الشعب فيستطيع إبراز الحقائق للشعب عبر ما يعرضه من أحداث وأخبار موضوعية دون محاباة أو مبالغة أو تقصير، لتشكيل الوعى لدى المواطن البسيط الذى يُعّد الإعلام هو مصدره الأساسى للثقافة والتنمية، فالإعلام يجب أن يعرض للمواطن الرأى والرأى الآخر، ويقدم له القضايا بتحليلاتها الموضوعية العلمية الصحيحة لكى يستطيع المواطن أن يكون على وعى وثقافة ومعرفة، تمكنه من لعب دور فى المشاركة فى تطوير الحياة عبر فهم القضايا التى تدور حوله.
نقلا عن المصرى اليوم