أمينة خيرى
تأتى الإعلانات بكل شكل ولون. وهى صناعة وفن بالإضافة لكونها «بيزنيس» ضخماً يسعى إليه الكثيرون فى العالم. ويظن البعض أن الإعلانات شطارة وفهلوة وشكل من أشكال النصب الوسطى الجميل. تجذب العميل بكلمات جميلة ووعود براقة وصور خلابة وعروض تبدو كأنها قادمة من تاريخ مضى، حيث رخص الأسعار وجودة النوعيات. لكن الجذب يختلف عن الاحتفاظ بالعميل أو ضمان قيامه بدور الجاذب لغيره من العملاء.خذ عندك مثلاً عميل حجز شاليهاً أو شقة فى الساحل الشمالى على الورق بناء على لوحات إعلانية ضخمة وحملات منظمة واتصالات من مندوبين جعلت المشترى يتخيل أنه سيمتلك البحر ويحظى بالرمال ويعيش عيشة المصطاف المتميز. دفع المقدم، وانتظم فى سداد الأقساط وحين حان موعد تسلم الشقة التى ترى البحر، اكتشف أن الشقة تشعر بالبحر ولا تراه.وخذ عندك كذلك الإعلان الذى نطالعه جميعاً فى كل صوب وحدب. «تخلص من البواسير نهائياً دون جراحة ودون ألم».

الإعلانات تدغدغ مشاعر الملايين المصابة بهذا الكابوس المؤلم. وبعد تكبد عناء الحجز أو السفر أو الانتظار ساعات فى عيادة الطبيب الذى يعد بالتخلص من البواسير نهائياً دون جراحة، يتضح أن النظام المقصود حكر على درجة طفيفة من درجات البواسير وليس جميعها، ولكن بعد أن يكون «الزبون» قد سافر وحجز وانتظر ودفع «الفيزيتا».ولأن بين النصب والوعد خيطاً رفيعاً، وبين الاحتيال والاجتزاء منطقة رمادية تتداخل فيها المعلومات والمحتوى، فإن القول بأن من يروج للبيزنيس الخاص به بأنه يعالج البواسير دون جراحة، أو يفقدك الدهون دون مجهود، أو ينحت جسمك بـ400 جنيه، أو يطلع شعر حواجبك بـ150 جنيهاً، أو يحول الشعر المجعد إلى حرير يتطاير على الوجه مدى الحياة، أو يعالج الضعف الجنسى بالكركمين وغيرها هو نصاب أو محتال أمر صعب.لماذا؟ لأن مثل هذه الإعلانات غزت عقولنا وسيطرت على عيوننا على مدار عقود دون ضابط أو رابط ما جعلها واقعاً يعيش فينا ونعيش فيه ولا يزعجنا. يؤلمنا فقط لوهلة حين نفقد عزيزاً أو يحترق شعر قريب أو يتعرض صديق لوعكة صحية أو يفقد أحدنا تحويشة العمر بعد الوقوع فى براثن مثل هذه الإعلانات. نغضب ونحزن ونقلب الدنيا رأساً على عقب، ثم نهدأ ونستسلم ونعود إلى قواعدنا إلى أن تحدث مصيبة جديدة.فى تلك الأثناء، تستمر هذه الإعلانات فى الوجود والتمدد وتطوير أدائها وتوسيع دوائر انتشارها.

لم تعد مجرد لوحات عشوائية فى الشوارع، أو أوراق رديئة يوزعها صبية فى الإشارات. أصبحت مدمجة فى برامج تليفزيونية ومفروضة علينا فى منصات الـ«سوشيال ميديا»، وتستخدم كل أنواع الحيل والألاعيب التى تضمن سقوط المزيد من الأبرياء أو السذج أو المتعلقين بحبال الأمل لعلاج أو تجميل أو ما شابه.أوجه الشبه بين من يدعى أنه يجلب الحبيب أو يرد المطلقة أو يزوج العازبة أو يرزق الزوجين بطفل بقراءة آيات قرآنية وتحضير أعمال وأحجبة، وبين من يدعى علاج شخص يتألم من مرض أو عرض أو مشكلة تؤرقه فى مظهره دون جراحة ودون ألم ودون مجهود ودون حرمان هو أن كليهما يستغل حاجة الناس الشديدة أو تقطع سبل الأمل بهم، بالإضافة بالطبع إلى قدر من قلة الوعى اللازم للتفرقة بين الصالح والطالح.فوضى الإعلان متعددة الأوجه.

وهى لا تقتصر على المضمون المضلل، الذى تشوبه شبهة النصب والاحتيال، ولكن منها ما يمتد كذلك إلى تشويه الممتلكات العامة والخاصة بـ«لطع» ملصق أو كتابة اسم ورقم هاتف ونوع خدمة يقدمها المعلن على جدار مدرسة أو مبنى حكومى أو عمارة سكنية. سمسار شقق ومأذون معتمد وأفلاطون الفلسفة وابن خلدون الاجتماع وأرشميدس الرياضيات وشكسبير الإنجليزية وسيبويه العربية وسمكرى السيارات وسباك الحمامات و«تربى» الدفن وغيرهم يعلنون عن تجارتهم على جدراننا دون استئذان أو عقاب أو محاسبة، لا على نشاط غير قانونى أو إعلان غير مرخص.وأزيدكم من الشعر بيتاً. منصات التواصل الاجتماعى تحوى «شىء وشويات» عن الإعلانات.

ومنها على سبيل المثال، إعلانات «البشعة العرفية» تخبرنا أنها الطاسة الحديد التى توضع فى النار ثم «يلحسها» المتهم بالسرقة أو جرائم الشرف وغيرها ثلاث مرات، فإن كان بريئاً لم يمسسه ضرر، وإن كان الفاعل احترق لسانه. وعلى الراغب الاتصال بأرقام الموبايل المرفقة.غاية القول أن الإعلانات صناعة وفن. وهى علم له قواعد. ولها قوانين تحكمها وتضبطها. مطلوب بالطبع أن يكون أفراد المجتمع على قدر من الوعى الذى يمكنهم من التفرقة بين النصب والترويج وبين الاحتيال والتسويق. لكن الوعى وحده لا يكفى. عوامل الضبط والربط لا غنى عنها. النقابات وجهاز حماية المستهلك والقانون أساسيات تشد من أزر الوعى وتمكنه.
نقلا عن الوطن