بقلم : خالد عكاشة

 سباق عسكرى استخباراتى محموم؛ يجرى منذ أيام لإثبات مشاركة إيران فى الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال تزويدها الجيش الروسى بمسيرات إيرانية الصنع من طراز «شاهد» الانتحارية، حيث تبدو كييف مؤخرًا وقد أمسكت بطرف لخيوط عديدة تؤدى إلى كشف حقيقة هذا الاتهام. فهناك فى هذا الفصل من الصراع الذى بدأ عقب التفجير الأوكرانى لجسر القرم، مجموعة من المستجدات فى أداء الجيش الروسى، أهمها عودته لقصف العاصمة «كييف»، فضلًا عن التوسع فى نطاق استهداف منشآت البنية التحتية المدنية الأوكرانية. السباق والمساجلة التى تدور بين الجانبين تتمحور حول الاتهام الأوكرانى الغربى الذى يضع يديه على بعض من الأدلة المادية، لكنها تبدو حتى اللحظة «غير مكتملة» للحد الذى يمكن من إخراجها بصورة رسمية للعلن، ومن ثم المضى فى اتخاذ موقف دولى بحق طهران، قد يصل لفرض حزم قاسية من العقوبات كما لوح مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى «جوزيب بوريل».

 
على جانب آخر، ومنذ خرجت تلك الفرضية للعلن؛ لم ينقطع النفى الروسى الإيرانى رغم تفاقم وامتداد تلك الاتهامات، حتى إنها اشتبكت مع العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد طلب أوكرانيا من الأخيرة، التدخل وإمدادها بالمضادات التى تمكنها من التصدى لتلك المسيرات التى بدأت تخل بموازين الأمان على محاور جديدة عدة. لهذا بدأت التفاصيل الميدانية تكشف عن أن ما ظل اتهامًا معلقًا، تحت غطاء من النفى الإيرانى، يبدو أنه بات أقرب للإمساك بتفاصيله، فهناك ترجيح كبير أن «شاهد ١٣٦» المسيرة الانتحارية الإيرانية، هى موضوع الصفقة التى جرت بين موسكو وطهران خلال أشهر الصيف الماضى. وهى مسيرة كبيرة الحجم، فى حين تتميز بانخفاض تكلفتها، وتبلغ هدفها بواسطة إحداثيات لأحد أنظمة «جى بى إس» المفتوحة، حيث تتم تغذية المسيرة بها قبل إقلاعها، ومن ثم تحلق بعدها فى شكل ذاتى على علو منخفض قبل أن تبلغ هدفها، الثابت أنه يصعب على أجهزة الكشف الأوكرانية تتبعها طوال رحلة قد تمتد إلى مئات الكيلومترات. وهناك شكوك أخرى حول المسيرة «مهاجر ٦» باعتبار أنها تتشابه لحد كبير من حيث الوظيفة والحجم، مع المسيرة التركية «بيرقدار تى بى ٢»، التى تستخدمها أوكرانيا منذ بداية القتال فى بعض المهام الخاصة، قبل أن تبدأ روسيا فى التوسع باستخدام هذا السلاح الذى يسهم فى خفض نفقات القتال إلى حد كبير.
 
الجهد الاستخباراتى الأوكرانى المدعوم غربيًا، تمكن من الوصول إلى معلومات تفيد بأن عناصر من الحرس الثورى الإيرانى جرى رصد وصولهم لشبه جزيرة القرم، هذا توافق مع تأكيد مركز المقاومة الأوكرانى فى ١٢ أكتوبر، أن لديه ما يفيد بأن عددًا يصل لنحو «٥٠ عنصرًا» من المدربين الإيرانيين وصلوا مدينة «دزانكوى» فى القرم، غالبيتهم عبر ميناءى «زالزنى» و«هلاديفتسى» فى إقليم خيرسون. فى حين ذهبت معلومات أخرى إلى أن هذه العناصر لم تنخرط فعليًا فى عمليات تدريب، بل دفع بهم مباشرة إلى أن يكونوا هم المشغل الأساسى لمخزون الطائرات بدون طيار الإيرانية. ذلك من أجل التعامل مع مشاكل مثل توحيد استخدام المعدات والبرمجيات، كما أن وجودهم المباشر يبدد العقبات التى يواجهها الجيش الروسى عند إدماج منظومات الأسلحة الجديدة من مزودين جدد، فى ظل ظروف القتال التى لن تنتظر شهورًا كى تستوعب مثل تلك الإشكاليات. تبين بعد أسابيع من استخدام تلك المسيرات أن قسطًا وافرًا من نجاحها يعود إلى كونها سلاحًا جديدًا على مسرح العمليات، ويقدر أنها ستظل فاعلة إلى أن يتمكن الأوكرانيون من التقاطها وكشف إمكاناتها، كى يمكنهم تطوير أنظمة مضادة له أو استقدامها من الخارج، كما فى حال طلب المضادات من إسرائيل، أو أن تقدم الدول الغربية مزيدًا من أنظمة الدفاع الجوى التى يمكنها من إصلاح هذا الخلل، وتوفر بصورة عاجلة ما يقدم حماية للمدن الأوكرانية باعتبارها محل الاستهداف الرئيسى للمسيرات.
 
بالطبع الأمر لم تكن بدايته خلال تلك الأسابيع، حينما ظهرت الطائرات فى سماء أوكرانيا، إنما يمكن القول إنه مع بداية ظهور المشكلات أمام القوات الروسية خلال الأشهر الماضية، بدأت تحركات البحث عن حلول عاجلة حتى وإن كانت خارج روسيا. هذا يتأكد ويتوافق مع المعلومات التى سارعت واشنطن مؤخرًا عبر مستشار البيت الأبيض للأمن القومى «جيك سوليفان» برفع السرية عنها، من أجل ربط التحركات ببعضها البعض. فالثابت أن هناك مشاكل معقدة تواجهها روسيا لها علاقة بسلاسل الإمداد الناتجة عن العقوبات وغيرها من القضايا، تعوق الإنتاج المحلى للطائرات المسيرة فى روسيا، التى هى متأخرة فى إنتاجها من الأساس من قبل حربها مع أوكرانيا. هذا دفع «وفدًا عسكريًا» تابعًا للكرملين نشر البيت الأبيض له صورًا التقطتها الأقمار الصناعية، فى زيارة قام بها لقاعدة «الشهيد عبدالكريمى» للمركبات الجوية فى وسط إيران، القاعدة تديرها القوات الجوية التابعة للحرس الثورى الإيرانى، كما يعرف عن المنشأة التى تتشارك مدرجها مع مطار شبه مدنى فى مدينة «كاشان»، أنها شاركت على نحو واسع خلال السنوات الماضية فى عمليات، نفذتها طائرات إيرانية بدون طيار لوكلاء إيران فى سوريا واليمن ومناطق أخرى. هذه القاعدة هى الثابت أيضًا إشرافها على مشروع صناعة الطائرات بدون طيار فى إيران، حيث صمم فيها مجموعة كبيرة من النماذج الاستطلاعية والهجومية.. وأخيرًا الانتحارية، التى ظهرت بكثافة فى أوكرانيا، حيث يبدو توافق «ميكانيزم عملها» مع المتطلبات الروسية، فى حين تم تصدير أنواع وطرازات أخرى إلى دول مثل إثيوبيا وطاجيكستان وفنزويلا، وأخرى بتقنيات مختلفة للوكلاء فى لبنان «حزب الله» وفى اليمن «الحوثى».
 
الطائرة المسيرة الإيرانية «شاهد» تتمتع بقدرة تحليق طويلة قد تصل إلى ٢٤ ساعة، كما يمكن تزويدها بحمولة قصوى تصل إلى ٤٠٠ كلجم، وتأكد أن مداها الفعلى يمتد لنحو ٢٠٠٠ كلم عند استخدام معززات لمحطات ترحيل برية أو جوية. النسخة الانتحارية منها أثبتت كفاءة بعد أن تمكن الجانب الروسى من تجاوز، افتقارها القدرة على الاتصال بالأقمار الصناعية، لتبقى عملية انفجارها الأخير فى جسم الهدف بحمولتها كاملة هى الأخطر بالنظر إلى قدرتها على إحداث خسائر جسيمة. المهمة التى تسارع وحدات الاستخبارات الأوكرانية فيها الآن؛ هى الحصول على إحدى الطائرات المكتملة أو جزء كبير معتبر منها، كى تساعد الدول الغربية فى الإعلان الكامل عن اتهام إيران بـ«الجرم المشهود» الذى تأكد أمامها على الشاشات، دون أن تمسك بالدليل المادى حتى اللحظة كما يبدو رغم فداحة الخسائر التى تتنامى يوميًا
نقلا غن الدستور