طارق الشناوي
قالت الداعية الإسلامية، فى آخر حوار قرأته لها، إن ارتداء المرأة للحجاب أمر قطعى لا لبس فيه وذكرت الآيات التى تؤكده، وأضافت أن خلعه معصية، وعلى المرأة أن تتمسك به رغم إغراءات خلعه، فى الحقيقة أنا لم أشهد أبدا أى إغراء حدث مع امرأة لخلع الحجاب، العكس هو الصحيح، للأزهر الشريف أيضا رأى يتوافق تماما مع الداعية بين الحين والآخر يتم تداوله عبر الصفحات التابعة له، وهو أن الحجاب أمر قطعى لا اجتهاد فيه.

مازلت أتساءل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كان عدد من شيوخ الأزهر، ناهيك قطعا عن كبار الأئمة، لماذا لم يطلبوا من زوجاتهم أو بناتهم ارتداء الحجاب، ولم يحدث أن قرأنا عن ذلك فى أى جريدة، كيف يسمحون بالتقاط صور فوتوغرافية لأقرب النساء إليهم بلا حجاب؟.

كلنا نتذكر سخرية الرئيس جمال عبدالناصر من الهضيبى، عندما طلب منه تحجيب النساء، ولم تكن كلمة الحجاب من بين المفردات المستخدمة، ولهذا قال عايزنى ألبس طرح للسيدات فى مصر، وهو مش قادر يلبس طرحة لابنته الطالبة فى كلية الطب، (مالبستهاش طرحة ليه)، وأضاف: (إذا كنت مش عارف تلبس بنتك طرحة، عايزنى ألبس 10 ملايين طرحة فى البلد).

ملحوظة: كل حفلات أم كلثوم التى سجلها التليفزيون المصرى فى الستينيات تؤكد أن المصريين لم يعرفوا الحجاب، هل علىّ أن أصدق مثلا أن كل هؤلاء فى نظر الأزهر الشريف أخطأن فى حق الدين، ولم يجدن من يرشدهن إلى طريق الصواب.

علينا أن نتفق أولا أن الزى الذى يرتديه الإنسان، رجلا أو امرأة، هو تعبير مباشر عن ثقافة المجتمع، وأن ما تتوافق عليه عادة الأغلبية هو الذى يشكل الملمح الرئيسى فى الشارع، وهكذا تصبح من لا ترتدى الحجاب تعبر عن الأقلية، بينما الناس فى حياتها عادة لا يخرجون بعيدا عن الصف، الحجاب يعبر عن قوة اجتماعية فرضت قانونها فى كل التفاصيل، ومع توفر عنصر الخوف من الخروج على ما ارتضته الجماعة وتوافقت عليه وجدنا الحجاب مسيطرا، كما أن عددا كبيرا من رجال وسيدات الأزهر لا يتوقفون عن إرسال مثل هذه الأقوال، حتى إن من تفكر فى خلعه تدرك خطورة ما سوف تواجهه، ومن لم ترتديه حتى الآن تستشعر فداحة الذنب الذى أقدمت عليه.

الحجاب فى الشارع والجامعة والمدرسة بمثابة فرز طائفى للمجتمع، وأغلبنا يريد أن يريح ويستريح مرددا: (كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس)، هناك بعض من الأصدقاء صاروا يجبرون بناتهم الصغار على ارتداء الحجاب، كما أن إحدى الفنانات غير محجبة صرحت بأنها سعيدة بحجاب ابنتها، وتتمنى أن يلهمها الله لتمضى على طريق ابنتها.

البوصلة تميل ناحية هذا التوجه للزى الموحد، الذى يرضى القطاع لا أقول إنه بالضرورة الأكبر، لكنه، فى الحدود الدنيا، يشكل القسط الأعلى صوتا فى الشارع، وهو تقريبا يتحكم فى الوسائط الاجتماعية، ورأيه له الأولوية فى كل المجالات.

فى المملكة العربية السعودية أسقطوا القانون الذى يجبر المرأة على ارتداء الحجاب، فى مصر لا يوجد قانون يفرض الحجاب، لكنهم أحالوه إلى عرف اجتماعى راسخ فى الوجدان يعاقب المرأة أدبيا لو لم ترتديه، والأعراف الاجتماعية التخلص منها أشق ضراوة على النفس من القانون، العرف قابع فى الوجدان الجمعى، ويملك سلطة أقوى من القانون!!.
نقلا عن المصرى اليوم