بقلم: محمد حسين يونس
التاسع من أبريل عام 1938أى في الليلة التي سبقت يوم ظهور نتيجة إستفتاء شعبيٍ المانيا و النمسا علي الوحدة - التي فرضتها قوات الغزو النازى عليهما- وقف هتلر في الرايخستاغ الالماني (مجلس الشعب أو البرلمان )يلقي خطابا هاما بصوت تخنقه العاطفة متوسلا :(( أيها الشعب الالماني إمنحني أربع سنوات أخرى عساى أحقق لك فيها ما تتوخاه من إستغلال للاتحاد الذى أقمناه لمصلحة الجميع )) قوبل هذا الحديث العاطفي بعاصفة مدوية وطاغية من التصفيق والاستحسان بحيث تضاءلت أمامها جميع إنتصارات الفوهررالسابقة من هذا المنبر..أكمل، متجاهلا أن الاستفتاء لم تظهر نتيجته بعد:
((أعتقد أن إرادة الله هي التي شاءت أن تبعث بشاب من أبناء هذه المدينة الي الرايخ ودفعته في معارج النهوض ورفعت من شأنه ليصبح زعيم الأمة و ليتمكن من ضم وطنه الي حظيرة الرايخ )).
(( هناك إرادة أسمي من إرادتنا ولسنا في الحقيقة إلا وكلاء لها فعندما نقض الهر شوشينج (رئيس وزراء النمسا ) وعده في التاسع من مارس شعرت أنذاك أن نداء العناية الالهية قد قرع بابي ولم أجد في كل ما وقع من الايام الثلاثة التالية الا تحقيقا لمشيئة العناية الالهية و رغبتها )).
(( وإني لأتطلع الي الله بالشكر الآن لأنه سمح لي بالعودة الي وطني ولأنه أراد أن أقوده إلي حظيرة الرايخ الالماني و الآن أسأل الله أن يمكن كل الماني من إدراك هذه الساعة وتقدير أهميتها وأن يمكنه من الوقوف خاضعا أمامه جل شأنه ليشكره علي المعجزة التي حققها لنا في غضون بضعة أسابيع )) .
وسرعان ما قفز ستمائة نائب كلهم من الذين عينهم هتلر شخصيا ،من الرجال الذين يحملون أجساما كبيرة ورقابا منتفخة وشعورا مجزوزة وكروشا ضخمة ويرتدون بذات بنية وأحذية ثقيلة ،عل أقدامهم كالالات الذاتية الحركة يمدون أذرعهم اليمني بالتحية النازية و يصرخون ((هايل هتلر ))بصوت واحد قوى .
في اليوم التالي ظهرت نتيجة الاستفتاء علي الوحدة موافقة 99.75 % من الشعب النمساوى المحتل و 99.08% من الشعب الالماني الغازى.
إذا تأملنا تلك السطور التي نقلتها عن كتاب وليم شيرر ((صعود وسقوط الرايخ الثالث ))فإننا سنجد أنفسنا أمام فصل متكرر كما لو كان سيناريومتعارفا عليه للسيطره علي مقدرات شعب بواسطة ديكتاتورا تصورله خيالاته أنه مبعوث العناية الالهية والمحقق لارادتها في وطنه.
إن هتلر ذلك الطاغية الذى جرالخراب علي العالم بما فيه رايخه الثالث المحبب فاستعبد وقتل وشوه عشرات الملايين من جميع شعوب الارض سواء في ذلك هؤلاء الذين حاولوا إسترضاءه أو إستسلموا له أو قاوموه يقف متواضعا بطهارة القديسين يستجدى ثقة شعبه واهما إياة من خلال ميلودراما هابطة مليئة بالاكاذيب والحيل النفسية بأن ما يفعله ما هو إلا إرادة الله التي قدرها لصالح أبناء الوطن ،لكنه بمجرد أن ينهي خطابه يصدر أوامره لزبانيته من محترفي الاجرام ليذيقوا كل من ساقته الاقدار ليقع تحت رحمتهم ويلات الذل و العذاب .
أعلنت الحكومة بصورة رسمية أنها تعتبر أول مايو ((عيدا قوميا للعمال ))وأنها تستعد للاحتفال به بصورة تفوق أية إحتفالات سابقة وقد ذهل الزعماء النقابيون من هذا العرض المفاجيء للصداقة تجاه الطبقة العاملة من النازيين فتعاونوا بحماس مع الحكومة والحزب في إنجاح الاحتفالات ووفد الي برلين زعماء العمال من جميع أنحاء المانيا وإرتفعت الوف الرايات واللافتات التي تعلن تضامن العهد الجديد مع العمال وأعد جوبلز في ميدان تمبلهوف العدة لاخراج أكبر عرض جماهيرى شهدته المانيا وإستقبل الفوهرر قبيل المهرجان ممثلي العمال معلنا لهم ((سوف ترون بأنفسكم مدى ما في الادعاء بأن الثورة موجهه ضد العمال الألمان من كذب وإجحاف )) ثم إنه ألقي خطابا بعد ذلك أمام مائة الف عامل ورفع شعاره ((فلنقدس العمل ونحترم العمال )) في صباح اليوم التالي إحتلت القوات النازية مكاتب النقابات في طول البلاد وعرضها وصودرت أموالها وصدر الامر بحلها وإعتقال قادتها وقد ضرب عدد منهم ضربا مبرحا وزج بهم في معسكرات الاعتقال .. ثم خطببعد ذلك موجها كلامه لهم ((أيها العمال إن منظماتكم مقدسة لنا معشر الوطنيين الاشتراكيين فأنا ابن فلاح فقير وأفهم معني الفقر وأعرف جيدا معني استغلال الرأسمالية )) ولم تمض ثلاثة أسابيع حتي أصدر قانونا وضع حدا للمساومة الجماعية ونص علي قيام وكالات عمالية يعين هو أعضاءها وتتولي اتفاقات العمل مع منع الاضراب بقوة القانون وأعاد القيادة المطلقة الي رب العمل أو (زعيم العمل الطبيعي) كما أطلق عليهم.
من هذين المثالين يظهر لنا معني الدعاية الحديثة التي أصبحت دستورا للفاشيست "بالظهور تحت الاضواء بمظهر شديد البراءة ثم الطعن من الخلف "، تقديم الوعود ثم سحبها ..واهم شيء الكذب والجماهير سريعة النسيان ..(من كتاب لي صدرعام 2009).