مفيد فوزي
كنت قد افتتنت بأسلوب هيكل وصياغته.
كنت من الذين استقبلوه على بوابة أخبار اليوم فى شارع الصحافة، بعد عناق الزملاء والسلامات، صعد إلى مكتبه وتتبعت خطواته، وفوجئ بى فى مكتبه!.
■
سألنى: إنت مين؟.
أجبت: أنا مفيد فوزى!.
قال بدهشة وكلماته طلقات: مفيد فوزى مين، وبتعمل إيه هنا؟.
قلت: باتمرن فى «آخر ساعة».
قال: وبعدين؟!، «قالها بضيق».
قلت: أنا قارئ لكل ما كتبت. مقال كذا، قلت كذا وتحقيق كذا قلت كذا، أنا حفظت أقوالك!.
دهش هيكل من ذاكرتى التى حفظت نصوص مقالاته. وقال: معجب!.
قلت وكأنى أصحح له: مفتون!.
ولأول مرة، ذهبت التكشيرة وحلت محلها ابتسامة.
ثم قال: اتفضل على مكتبك، وسوف نتواصل!.
شعرت بشبه دوار، عندما نطق: وسوف نتواصل!.
■
رويت كل ما جرى للمفكر الكبير سلامة موسى الذى قال: هذه شجاعة. لم أفهم معنى كلمة شجاعة، لكنى قلت «سأتواصل معه»، هنا قال سلامة موسى: هيكل اسم كبير، وتلاحظ اهتمامًا خاصًّا به من مصطفى وعلى أمين أصحاب الدار، اهتم بشغلك، وكن نفسك!، ضايقتنى عبارة «كن نفسك»، فسألت الأستاذ سلامة: ماذا تقصد؟، فقال، كل الذين قلدوا هيكل سقطوا، وبقى هيكل!. شعرت أن الأستاذ سلامة يحذرنى من تقليد هيكل، وهذا ما حدث!.
■
جرَت الأيام والتقيت يومًا بالفنان التشكيلى الكبير حسن فؤاد، ودعانى إلى العمل فى مجلة جديدة على وشك الصدور، اسمها صباح الخير، وذهبت ورأيت رموز الصحافة فى روزاليوسف، وظللت أتدرب وأكتب أخبارًا ولم أرَ رئيس التحرير أحمد بهاء الدين!، وحدث أن وقعت السيدة فاطمة اليوسف وجلست فى الجبس، وأخذ كل كاتب يتمنى الشفاء لها بكتابة كلمة أو كلمتين على قدمها المعلقة فى الجبس!.
وجاء دورى، فأمسكت بالقلم الأحمر الفلوماستر وكتبت «أتمنى أن أكون صحفيًّا معروفًا»، وحددت البنط الذى أحاط باسمى ١٢ أسود!!، وقالت السيدة روزاليوسف: الشاب ده كتب إيه؟، فقال أحمد بهاء بعد أن قرأ عبارتى ساخرًا: ده كاتب أحلامه!، قالت السيدة روزاليوسف: كتب إيه؟!، وقال بهاء: يتمنى أن يكون كاتبًا معروفًا، وهو لسة فى البيضة..!، وإذا بالسيدة روزاليوسف تفجر مفاجأة!، قالت اصدر قرار يا بهاء بتعيين الولد ده فى صباح الخير!، وسمعت عبدالغنى أبوالعينين يقول لى: ناس لها حظ، أما حسن فؤاد فقال: حلوة!.
وصار اسمى فى صباح الخير إلى جوار محمود المراغى ونجاح عمر، وفيما بعد أحمد بهجت، الذى «نشن» عليه هيكل، وانتقل إلى الأهرام، وحسدته!، لكن تعيينى فى صباح الخير كان أمل العمر الذى طالما انتظرته، وخصوصًا رعاية مدير تحرير صباح الخير، لويس جريس، الذى سبقنا فى التعيين، وجاء من أمريكا.
■
ذات صباح، كلفنى أحمد بهاء الدين بالسفر إلى أسوان وإجراء لقاء مع عمال السد العالى، وبالفعل، سافرت، وكانت هذه أول مرة أركب فيها الديزل درجة ثانية وأسافر إلى أسوان. لا أدرى لماذا تذكرت رحلات هيكل فى إيران!، كنت ومازلت أقرأ كل ما تقع عليه عينى موقعًا باسم محمد حسنين هيكل، ربما لأنه كان قابعًا فى قلبى!، وعدت من أسوان وعندى ذخيرة من المعلومات والحكايات. وجلست أكتب التحقيق.
■
وجدت نفسى، دون أن أدرى، أكتب بصياغة هيكلية «!»، حاولت بشدة أن أتخلص من الشباك التى سيطرت علىَّ، فلم أستطع، لكنى استرحت بعد كتابة التحقيق، وصباح اليوم التالى قدمت التحقيق لرئيس التحرير بهاء الدين، الذى ثار فى وجهى عندما رآنى، وقال بغضب: اسمع الدرس المهم ده، واضح تأثرك الشديد بهيكل إلى درجة أنك تقلده، ده كلام فارغ، اشطب بنفسك عبارات التقليد، لازم فى بداية حياتك الصحفية تكون نفسك لأن فيه هيكل واحد فى مصر، اتفضل على مكتبك يا أستاذ!.
■
طفرت الدموع من عينىَّ وأنا أشطب المقدمة التى اتُّهمت أنى أقلد فيها هيكل. كانت لدىَّ حيرة شديدة بين الصياغة التى عشقتها والأسلوب النمطى المطلوب أن أكتب به!.
«وللحكاية بقية».
نقلا عن المصري اليوم