حمدي رزق
«أقسم بالله العظيم، أن أكون جنديًا وفيًا لجمهورية مصر العربية، محافظًا على أمنها وسلامتها، حاميًا ومدفعًا عنها، فى البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعًا للأوامر العسكرية، ومنفذًا لأوامر قادتى، ومحافظًا على سلاحى، لا أتركه قط حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد».
قَسَمٌ لو تعلمون عظيم، قَسَمٌ يزلزل الجبال، قَسَمٌ تهتف به حناجر الكليات العسكرية '> خريجى الكليات العسكرية فى موعد معلوم من كل عام، فى أسبوع التخرج الذى يتحرّق إليه شوقًا شباب نذروا حيواتهم فداءً للوطن.
شهدنا صورة بهية منه أمس على الهواء مباشرة فى حفل تخريج الكليات العسكرية. فى مثل هذه حفلات يتجسد المعنى الحقيقى للجندية المصرية، لمعنى قال به من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم «خير أجناد الأرض»، والخير فيهم، معقود فى نواصيهم الخير إلى يوم القيامة.
ويتجسد معنى العسكرية المصرية «الناشفة».. والتعبير بما يحويه من صرامة وشدة وحزم وانضباط من صياغة طيب الذكر الفريق أول «محمد فوزى»، من الآباء الأوفياء للجندية المصرية، كان نموذجا ومثالا.
كل جملة فى القسم صيغت بروح استشهادية تسرى فى الروح الأبية التى ترنو للنصر والشهادة، نصرك شهادة، وشهادتك نصر، تخيل وقع هذه الجملة «حتى أذوق الموت» فى نفوس الخريجين فى مقتبل حياتهم العملية، عهد وقسم، تذكير بالمهمة المقدسة، الدفاع عن تراب الوطن، وتحبيب فى الشهادة لنيل العزة والكرامة.
يقسم الجندى المجند فى حب مصر على الشهادة ابتداء، يقسم على أن يهب مصر حياته من يوم تخرجه حتى يلقى ربه، وأن يرهن فى حبها مستقبله، ولا يرضى عن الحبيبة (مصر) بديلا، أحبها من كل روحى ودمى، يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها.. حبى لها.
والله على ما أقول شهيد، ونعم بالله شهيدا على ما يستبطنه الشباب من تضحية وفداء لهذا الوطن الذى يستحق التضحية بالروح والدم والعرق، وطن عظيم، وطن يستحق كل فداء، وتمده مصانع الرجال فى القوات المسلحة بما يحمى حدوده، ويصطف بين جنوده البواسل موقنين النصر، مقدمين أرواحهم فداء، باسطين الأيدى بالدعاء، دعاء الخليل عليه السلام «رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا..» (البقرة / ١٢٦).
أول دروس الفداء، الوفاء، «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» (الإسراء/ ٣٤).. يقسم الجندى: «أن أكون جنديًا وفيًا لجمهورية مصر العربية»، وَجَرَّبنا وَجَرَّبَ أَوَّلونا.. فَلا شَىءٌ أَعَزّ مِنَ الوَفاءِ، ومعلوم الوفاء من شيم الكرام.. ومصانع الرجال فى القوات المسلحة المصرية تنتج صنفا فاخرا من الرجال الأوفياء، الشهداء الأحياء، لا تنتجه سوى مصانع الرجال السمر الشداد.
أعظم لحظات حفلات التخرج لحظة تصدر أحفاد وأبناء وأشقاء الشهداء أرض العرض، ليقسموا قسم الولاء على استكمال طريق خَطّه الشهداء بالدماء.
كل منهم مشروع شهيد.. نعم.. نعم، إن كان فى أرضك مات شهيد، فى ألف غيره بيتولد.
يا فرحة مصر بأبطالها، شهداء ولاد شهداء، وأم الشهيد تأخذ العهد على ابنها أن يكون شهيدا على طريق أخيه.
«أمك عتدعى ليك.. وعتسلم عليك
وتقول بعد السلام.. خليك ددع لابوك»
(من رائعة «آه يا عبد الودود» بصوت طيب الذكر «الشيخ إمام»)..
خليك جدع لأبوك.. لأخوك، للوطن.. الوطن الذى يملك مثل هؤلاء الأسود يكتب له البقاء، الأوطان تحيا بالشباب، الأمم العظيمة تتزود بالوقود الحيوى من عزم شبابها، وشباب الوطن ذوو عزم أكيد.
نقلا عن المصرى اليوم