القمص يوحنا نصيف
    هذه القصّة الواقعيّة حدثت منذ أكثر من ثلاثين عامًا بالإسكندريّة مع أحد الآباء الكهنة، وكان حديثًا في كهنوته.. وهو الذي حكاها لي.. فقط قمت بتغيير اسمه عند سرد القصّة، بحسب طلبه.

    أبونا بطرس رجل يعشق الإنجيل، ويجاهد باستمرار من أجل تنفيذ الوصايا، مهما كانت المقاومات، وفي كلّ مرّة كانت نتائج التنفيذ مُذهلة..!

    كان "أبونا" يسكن في عمارة بها شخصٌ غير مسيحي، متعصب.. وكان يتعامل مع "أبونا" بطريقة سيئة، فإذا أعطاه أبونا السلام لم يكن يردّ عليه، وإذا رأى أبونا (أو زوجته) داخلين المِصعَد كان يستدير خارجًا ولا يركب معه، وكانت عائلة الرجل تفعل نفس التصرّفات. وإذا اضطرَّ الرجل أن يُسلِّم على "أبونا" في أيّ موقف يكون ذلك باحتقار، ووجهه يعبِّر عما في قلبه، لدرجة أنه أحيانًا كان إذا تلاقى مع أبونا وَجهًا لوجه، واضطر للحديث معه، يقول له: "يا أستاذ بطرس.." بدلاً من "أبونا بطرس"..!

    استمرّ هذا الوضع عِدّة سنوات.. وكان أبونا يصلِّي من أجله عملاً بالوصية "صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت44:5).

    حتى جاءت ليلة أحد أيّام البصخة المقدسة، وكان أبونا عائدًا مع زوجته إلى المنزل والساعة قد تجاوزت منتصف الليل.. فعندما رآه البواب بادره قائلاً: "ألم تسمع يا "أبونا" عن الذي حدث للأستاذ (فلان)؟".. فبَدَت على "أبونا" علامات الدهشة والاستفسار.. فأكمل البواب: "لقد كان ابنه يعبث بمسدّسِهِ فانطلقت منه رصاصة أصابت زوجته في بطنها ويدها اليسرى، وخرجت من الناحية الأخرى..!!"

    كان خبرًا مُؤلِمًا.. فسأل أبونا عن حالتها فقال البواب: "إنّها الآن في مستشفى فيكتوريا".

    فأسرع أبونا بالصعود لمنزله، وأخذ هديّة قيِّمة كانت لديه، ونزل هو وزوجته وذهبا للمستشفى التي كانا يعرفان أطباء كثيرين فيها..

    وصلا المستشفى حوالي الساعة الواحدة وعشر دقائق بعد منتصف الليل، فرحّب بهما الأطباء الموجودون، وصعدوا معهما إلى حيث الرجل وزوجته الذي ذُهِل عندما رأى "أبونا" فسلِّم عليه باحترام.. واطمأن أبونا على حالة الزوجة، وأوصى الأطباء بالعناية بها، وكان ابن الرجل يقف خارج المستشفى ممنوعًا من الدخول، فتوسَّط أبونا وأدخله.. وظلّ بعد ذلك يسأل عن حال المريضة حتى شُفِيَت..

    ومِن وقتها، تغيَّر الرجل تمامًا وصار صديقًا مُخلِصًا لأبونا بطرس، يقابله بالبشاشةِ والإكرام، ويسلِّم عليه باحترامٍ زائد.. وعندما فتح محلاً دعا أبونا ليبارك المحلّ، فذهب مُلبِّيًا الدعوة ومعه باقة ورد جميلة.. ووقتها أخذ الرجل يحكي للناس عن "أبونا"، وأنّه صديقه الشخصي منذ سنوات، حتى تعجَّب جميع الحاضرين..!

    وعندما اضطرّ أبونا لظروفٍ معيّنة أن ينتقل ليسكن في عمارة أخرى، جاء الرجل وزاره، وبارك له على الشقّة الجديدة..

    هكذا نرى قوّة وصية الإنجيل: "إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقِهِ، فإنك إن فعلتَ هذا تجمع جمرَ نارٍ على رأسه" (أم21:25، رو20:12).. فها هو جمر نار المحبّة قد أشعل حياة الرجل، وغيَّر قلبه تجاه المسيحيّين كلّهم..!

    إنّنا محتاجون باستمرار أن نُراجع أنفسنا على إصحاح المحبة (كورنثوس الأولى13)، لكي نضبط نبضات قلوبنا على أنغام المحبة الشَجِيَّة المَعزوفة في هذا الإصحاح..!

    أقوى شهادة للمسيح هي الشهادة بالمحبّة.. وعندما نتحلّى بالصبر مع الصلاة، نستطيع بالحُبّ أن نكسب الكثيرين، حتّى وإن كانوا يتخذون مِنّا موقف العداوة..!
القمص يوحنا نصيف