صلاح الغزالي حرب
الدين هو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التى شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وبعضهم البعض، وقد ابتُلى دين الإسلام فى الحقبة الأخيرة بمجموعات متناثرة فى الأرض تدّعِى أنها الحامية لهذا الدين، والمسؤولة عن نشره ولو بالقوة، وأصبح هذا الدين السمح فى أعين الملايين من البشر هو دين الإرهاب والترويع، حيث فرضت هذه المجموعات على الكثير من المسلمين ما كان معمولًا به منذ أكثر من 1400 عام شكلًا وموضوعًا، وهو ما لم يأمر به الإسلام.. وأصبحنا نعيش إسلامًا شكليًّا أو مظهريًّا غير قادر على إصلاح عالمنا الداخلى، كما أنه أصبح أمام العالم الخارجى المتهم والمسؤول دائمًا عن كل خراب فى كل مكان. وسوف أعرض اليوم بعض ملامح هذا الإسلام الشكلى وما أثمره على أرض الواقع:
1) الخلط بين العبادة والعادة:
فى كتابه المتميز (ما الذى ينقص المسلمين؟)، يقول أ. د. محمد المنسى، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم، إن العبادة لغويًّا هى الطاعة، وهى الحكمة من خلق الإنسان فى هذه الحياة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، كما أنها الهدف من إرسال الرسل إلى الناس، فلقد كان خطاب الأنبياء إلى أقوامهم يبدأ بـ(اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وعلى مر العصور حرّف الناس معنى العبادة، فمنهم مَن قصرها على أداء الشعائر فقط، ولم يعبأ بما يفعله من مخالفات وتعدٍّ على حقوق الناس.. ونسى الكثيرون أو تناسوا قول رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، بأن «تبسمك فى وجه أخيك صدقة والكلمة الطيبة صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة».
ومن واقع تجربتى المهنية، فإنه كثيرًا ما أصادف مريضًا يصر على الصيام رغم تحذيرى له من عواقب وخيمة نتيجة لصيامه، وللأسف، فقد شاهدت منذ سنوات أحد رجال الدين وهو يحث الصائم على هذا الخطأ الجسيم باعتباره تضحية فى سبيل الله!!، وكذلك الأمر فى الحج، الذى فرضه الله سبحانه وتعالى على كل مَن استطاع إليه سبيلًا، وحين يسألنى المريض عن إمكانية الحج وأوصيه بغير ما يريد تكون الإجابة أنه يود أن يموت ويُدفن فى الأراضى المقدسة!!، وكأنه يعلم متى وأين سيموت!، أو يتخيل أن الدفن فى هذه الأرض سيكون أفضل من كل أرض الله الواسعة!، وأمثلة كثيرة تشير إلى أن الفرائض أصبحت عند الكثيرين عادة وليست عبادة لها شروطها التى وضعها الخالق الأعظم.
2) الملبس:
تحدثت عن هذا الأمر من قبل، وأؤكد أنه يكفينا أن نتمعن فى الآية 26 من سورة الأعراف، والتى تتحدث عن نعمة الله على بنى آدم جميعًا أن رزقهم ما يصنعون به ثيابهم التى تستر عوراتهم (كانوا فى الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة)، وكذلك الثياب التى يتجملون بها، ولكن يبقى أن أفضل ما يجب أن يرتديه الإنسان هو رداء التقوى والطاعة والحياء.. فلا يوجد زى معين ولا ملبس خاص للإنسان المسلم كما أشاعت جماعة الإخوان منذ منتصف السبعينيات ومع موجات السفر إلى الخليج والاحتكاك بالفكر الوهابى المتشدد، وأعلنت بوضوح أنها فى طريقها إلى فرض ما يُسمى الحجاب لتمييز مَن ينتمى إليهم.
3) إطلاق اللحية وارتداء الجلباب والعباءة الحجازية والتمسك بالمسواك وما يسمى «زبيبة الصلاة»:
هذه كلها وما سبقها علامات الإسلام الشكلى، التى يتصور صاحبها أنه بهذا قد كمل إيمانه وسيدخل الجنة!، فاللحية أصبحت مؤخرًا موضة انتشرت بكثافة ملحوظة بين الغالبية من الفنانين والرياضيين وغيرهم، وسوف تنتهى كأى موضة ليس إلا.. والمسواك ليس له أى علاقة بالإسلام، الذى حث على النظافة بكل أشكالها، وأتصور أنه لو كان معجون الأسنان والفرشاة متوفرين فى ذلك الزمان لكان كل الناس قد استخدموهما، أما عن الجلباب أو العباءة فلا يعنيان سوى أن صاحبهما قد زار الأرض المقدسة فقط كنوع من التباهى المكروه، فإذا انتقلنا إلى أرض الواقع فسنجد القمامة فى كل مكان وحول المساجد فى مظهر لا يليق، ونسمع ونرى الكذب والغش والرشوة وأكل مال اليتيم وغيرها من الآثام التى لا يقبلها الله ورسوله.
هذا عن الإسلام الشكلى الذى ابتُلينا به، فماذا عن الإسلام الحقيقى والوجه الحقيقى للإسلام؟، وبالأحرى ما مقاصد وأهداف هذا الدين الحنيف، وهل نحن فعلًا نعمل بها؟.
1) حفظ الدين:
والمقصود هنا الحفاظ على هذا الدين والتمسك به، مع ضمان حرية الاعتقاد وحمايتها، وإقامة الإيمان على الدليل العقلى والحجة العلمية (لكم دينكم ولى دين).. وفى واقعنا الأليم انقسم المسلمون إلى طوائف وجماعات يُكفِّر بعضها بعضًا، بدءًا من السُّنة والشيعة حتى الجماعات الجهادية والإخوان والسلفية، ثم داعش والقاعدة وأخواتها، وضاعت وحدة الإسلام!.
2) حفظ النفس:
والمقصود به توفير كل وسائل المعيشة والأمن والحفاظ على كرامة الإنسان والقِصاص.. ولكننا أصبحنا نتعايش مع مَن يقتل النفس التى حرم الله قتلها بعد أدائه الصلاة كما تحكى الصحف، ناهيك عن حمامات الدم التى ارتكبها ويرتكبها أفراد الجماعات التكفيرية باسم الإسلام، وهو منها براء.
3) حفظ العقل:
بالعقل يختلف الإنسان عن الحيوان، ولذلك كان هو خليفة الله فى الأرض وحامل الأمانة (وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا)، وتمعنوا معى فى معنى «ظلومًا جهولًا».. وقد حث الإسلام على عدم التقليد، وربَّى العقل على الاستقلال فى النظر والفهم ورفع مكانة العلماء وعمل على تحرير العقل من الخرافات وتوجيه طاقته من أجل استخلاص أحكام التشريع وأسراره وفتح باب الاجتهاد.. فماذا فعلنا نحن بما منحه الله لنا من عقول؟. لقد أصبحت المجتمعات العربية بيئات طاردة للكفاءات والأدمغة العلمية العربية، وتكشف دراسات للجامعة العربية أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون فى الخارج لا يعودون إلى بلادهم الأصلية، لدرجة أن الأطباء العرب أصبحوا يمثلون 34% من إجمالى الأطباء فى المملكة المتحدة، ومصر تحديدًا هى الخاسر الأكبر!، مع ضعف وتدهور ملحوظ فى الإنتاج العلمى والبحثى مقارنة بالعالم المتقدم حولنا، ويكفينا ما يردده البعض عن بول الإبل والحجامة وغيرهما من معطيات الماضى، الذى لا يمت إلى الإسلام الصحيح بصلة.
4) حفظ النسل:
والمقصود به هو حفظ النوع الإنسانى الذى استعمر الأرض بالزواج وإقامة الأسرة على أسس سليمة والعناية بتربية الأبناء وتنشئتهم على القيم والأخلاق التى حث عليها الدين الكريم، فماذا كانت استجابتنا لهذا الهدف النبيل؟. أعلن بعض عبيد الماضى ومنغلقى الفكر أن الإسلام يدعو إلى كثرة الإنجاب بغير حساب، وهو ما أوصلنا للأسف الشديد إلى ما نحن فيه من صعوبة العيش، وزيادة أعداد أولاد الشوارع، مما أدى إلى كوارث إنسانية وأخلاقية يرفضها الإسلام، ويتبرأ منها، ناهيك عن الصعوبات الجَمّة التى تواجهها الدولة من أجل تحجيم هذا النسل غير المنضبط.
5) حفظ المال:
حب التملك عند الإنسان أمر فطرى، ولذلك فقد حث الإسلام على السعى لاكتساب الرزق، ورفع من قدر العامل الذى يأكل من كسب يمينه، ودعا إلى استثمار المال وتنميته، مع حفظ مال اليتيم، والالتزام بزكاة المال التى حددها المولى عز وجل.. وعلى أرض الواقع نرى منذ سنوات بكل أسف شركات الأموال الوهمية، مع انتشار النصابين والدجالين (المستريّحين)، والممتنعين عن دفع نفقة المطلقة والأبناء وإعطاء المرأة حقها فى الميراث وغيرها من الموبقات التى تتدثر بمظهر المسلم الخارجى.
خلاصة القول.. مصر دولة مدنية، والدولة لا دين لها، وغالبية المصريين يدينون بالإسلام، وكل المصريين أمام القانون سواء.. وعلى الدولة أن تطبق هذا بكل حزم- فلا وجود على الإطلاق لأى وصاية على المسلم، ولا كهنوت فى الإسلام، ولا وساطة بين العبد وربه: (وإذا سألك عبادى عنِّى فإنى قريب أُجيب دعوة الداعى إذا دعانِ)- لكى يعود لهذا الدين رونقه وسماحته ويعود للمجتمع الإحساس بالعدل والأمان.
نقلا عن المصرى اليوم