تحدثنا فى العدد الماضى عن أن من مصادر المشاكل الأسرية «مصادر شخصية»، وذكرنا منها:
 
1- غياب الله من حياتنا
 
2- اختلاف المشارب. ونكمل موضوعنا..
 
3- الشــــــــك:
 
ولعله أخطر آفة فى حياة الأسرة، فهو ينخر فى عظامها كالسوس فى بطء وربما بسرعة، ولا يتركها قبل أن يدمرها.
 
أ- قد تبدأ رحلة الشك من فترة ما قبل الخطوبة، فالشاب الشرقى يستحيل أن يقبل فتاة عليها غبار فى سمعتها، مهما كانت الزوايا الإيجابية الأخرى.. ومع أن الشاب نفسه قد تكون له خبرات عاطفية مع أكثر من شابة، إلا أنه لا يقبل فى خطيبته أى غبار. هذه سمعة شرقية، ومن المناسب والمنطقى أن نتعامل مع الواقع، ونتخلى عن الرومانسية، فإن أكثر الشبان انحرافًا يطلب فى شريكة حياته قمة الطهارة، ويبحث عن هذا النوع فقط، بسبب رواسب الشك التى تملأ ذهنه تجاه الشابات، نتيجة خبراته السيئة السابقة.
 
من هنا نصرخ فى وجه بناتنا، ونقول: «لا تستسلمن لمشاعر عاطفية مع أحد، ما لم تطمئنن أنها فى الإطار الرسمى والتنفيذى للزواج».. ولا تتورطن فى علاقات وتبادل صور عبر الشات ومواقع التواصل الإجتماعى، ومن المؤكد أن مشاعر الشاب صادقة غالبًا، ما لم يكن إنسانًا منحرفًا، لكن من أدرانا أن هذه العلاقة ستستمر دون أن تتغير تاركة رواسب السمعة الرديئة للفتاة؟!.
 
ومن أدرانا أن هذه العلاقة ستنتهى إلى زواج؟!. إن عقبات كثيرة قد تنشأ: مادية، واجتماعية، وثقافية، وأسرية، ربما تحول دون إتمام الزواج، فماذا تركت هذه العلاقة العاطفية للطرفين سوى خبرة مُرة وسمعة سيئة؟!
 
لهذا نوصى الشباب بألا يسرعوا إلى علاقات عاطفية غير ناضجة وغير روحية ولا تنتهى إلى زواج.. بل إننا نقول: إن هذه الثنائيات تدمر حياة الكثيرين، إما بالصدمات العاطفية أو بالفشل الدراسى أو بالسمعة السيئة. والأفضل أن ينتظر الشباب إلى الوقت المناسب للزواج، حيث يكونون مهيئين لذلك: روحيًا ونفسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ليكون الزواج ناجحًا.
 
وكم من زواج بُنى على عاطفة بشرية ثم انقلب إلى كراهية رهيبة؟!. إن العاطفة وحدها لا تكفى فى اختيار الشريك، بل لابد من صلاة حارّة، وتفكير ناضج، ونفسية مستقرة، واستعداد مادى، وتوافق اجتماعى وأسرى وثقافى.. إلخ.
 
ب- ثم قد تستمر رحلة الشك فى مرحلة الخطوبة نفسها، إذ يحاول الولاء المطلق من شريكه له. وهنا ملاحظتان مهمتان:
 
1- أحيانًا يصر أى من الطرفين أو كلاهما على معرفة ماضى الآخر. والماضى ملك خالص بين الإنسان وإلهه. ونبش هذا الماضى مهما جاء فى جو رومانسى حالم، ومهما كانت الوعود بأنه لن يتذكره أحد ولم يؤثر فى مشاعره، إلا أن الضعف البشرى والواقع الاختبارى يؤكدان أن هذا الأمر ستكون له آثار مدمرة على مستقبل العلاقة الأسرية.. إذ إن ذاكرة هذه الأمور السلبية من النادر أن تمحى، بل ستزداد من خلال تصورات وهمية قد تحدث، بل ستحدث فى المستقبل.
 
2- وأحيانًا أخرى يتباسط الخطيبان فى العلاقة بينهما، وفى التعبير عن المحبة بأساليب حسية مهما كانت بسيطة فى نظرهما، لكن سرعان ما يتسلل شيطان الشك، خصوصًا إلى الخطيب، ويتصور أن خطيبته لها خبرات سلبية خاطئة، وإلا فلماذا قبلت؟!. وكثير من الخطوبات فسخت لهذا السبب، بل صار هذا السبب فرصة تشهير بالخطيبة التى ربما كانت بريئة تمامًا، وأخذت الأمور ببساطة خاضعة لضغط خطيبها.
 
ج- ويجد الشك فرصة أخرى بعد الزواج فى صور متعددة مثل:
 
1- الجهل الجنسى: الذى يتصور معه الزوج أن زوجته ليست عذراء، أو تتصور الزوجة أن زوجها غير قادر لأسباب نفسية أو عضوية مختلفة.
 
2- الأسباب البريئة: التى تؤثر فى غشاء البكارة كالرياضة، أو الالتهابات الموضعية، أو الحوادث المختلفة.
 
3- الارتباطات العاطفية السابقة لأى من الشريكين: إذا عرفها شريك أو أحس بها لدى الشريك الآخر.
 
4- الوشايات الكاذبة المغرضة: للإيقاع بينهما.
 
5- الغيرة الشديدة: إذ يرى أحد الشريكين فى تباسط شريكه مع أصدقاء أو أقرباء ما يوحى إليه بعلاقة ما.
 
6- غياب الزوج لفترات طويلة: مما يوقعه فى وهم خيانة الزوجة، أو يوقع الزوجة فعلًا فى مشاكل، أو يسبب ضغوطًا خارجية على جو الأسرة، تتطاير أخبارها إلى الزوج الغائب.
 
وأيًا كانت الأسباب، فإن السبب الجوهرى وراء كل المتاعب هو غياب الحياة المقدسة التى:
 
1- تجعل كل شريك يتسامى إلى الحب الروحى، ويتخلى عن طغيان العاطفة والحسيات.
 
2- يترك كل شريك ذاتيته وأنانيته وتصوره أن الزواج استيلاء على الآخر، وليس شركة حب ومسؤولية وعطاء.
 
3- تجعل كل شريك قادرًا على السلوك العفيف المقدس، ومكتفيا بجو الأسرة النقى.
 
4- تعطى روح الوحدة الكاملة بين الشريكين، فلا تحدث خيانة قلب، ولا حتى على مستوى الفكر أو الحب.
 
5- ولا يفكر أى شريك فى ماضى شريكه، فالماضى مِلك للرب الذى سامحنا جميعًا.
 
6- الحياة مع الله تعطى إمكانية صفح مباركة، تحفظ كيان الأسرة وتماسكها، وتعطى للطرف الذى يبذل فرصة التوبة والرجوع السريع.
 
إن طبيعة العصر الذى نحياه، باختلافه وتكدسه وضغوطه الشديدة، تحتاج إلى سهر ووعى حقيقى بين كافة أفراد الأسرة، ليظل الرب ربها ومليكها وسر سعادتها ونجاحها.
نقلا عن المصري اليوم